استغاثة للرئيس ..سارة في قبضة حلفاء العذاب
استغاثة للرئيس ..سارة في قبضة حلفاء العذاب
كان صليبا قاسيا جافي الحمل يذل أكتافي, خضت الحرب مهزوما تخلي الكل عن روحي, تخلي حتي حلافي, وعدت منها ممسوحا, نبيا عاريا حافي القدمين أمزق مسح حقوي وأبكي ذبح إنصافي.. من وحي حكايات افتح قلبك, وقبل ست ليال كتبت هذه الكلمات, ثم نمت نوما متقطعا قلقا وكأنني أشعر بما هو آت.
اهتز الهاتف بجوار رأسي, أيقظني كانت الثانية صباحا إنها حياة سيدة العذابات كما يدعونها المقربون منها, ما الذي يدفعها للاتصال قرب الفجر؟
التقطت الهاتف وأجبتها كانت مذعورة قالت في لهفةبنتي تعبانة جدا محتاجة حد يدلني أروح بيها فين لن أتمكن من مساعدتها فلابنتها مأساة لا تنتهي, نصحتها بمستشفي أبو الريش, فقالت بتعجب:البنت كبرت بقي عندها 15 سنة, عدوي الذعر انتقلت إلي نفسي, وأنا مندهشة كيف مرت كل هذه السنين ولم نجد حلا لسارة.
في الصباح اتصلت للاطمئنان عنها وجلبت ملف سارة وأسرتها لأعيد قراءته ربما في إعادة النشر نجد حليفا منقذا لنا يقف مع الفتاة ضد حلفاء العذاب الذين أشبعوها منه ألوانا وأنواعا.
سارة ابنة أسرة فقيرة جدا لم يكن لها حظ في أي شيء فالأبوان يعانيان من الأمراض المزمنة, الوالدترزي جلاليب, والوالدة لاتعمل وصحتها لا تمكنها من العمل, لديها شقيق واحد أصغر منها- الأسرة تحيا علي المساعدات منذ زمن.. سلمني الملف لمسلسل العذاب الممتد منذ 2009, حينما جاءتني حياة, كانت حينها في الثلاثينات من عمرها, تطلب مساعدة للحصول علي مقدم سكن جديد بعد تعثر استمرارها في السكن القديم, واعتمادا علي الخطاب الموجه من راعي الكنيسة التي يتبعونها ساهم باب افتح قلبك في توفير سكن بديل. كانت الأسرة معرضة للتشريد, سددنا الجزء المطلوب سداده وحضرنا توقيع العقد وتصورنا حينها أن القصة انتهت, ومضت ثلاث سنوات ثم عادت حياة تطلب عونا جديدا, بعد أن تعثرت الأمور وصار الإيجار عبئا, لايمكنهم احتماله والمعيشة غلاء فاق الغلاء, فالنفقات الأساسية تتطلب معجزة لتوفيرها قبل نهاية كل شهر.
قمت بزيارة لمنزل حياة عقدت المفاجأة لساني أسرة مكونة من أربعة أفراد ولا يوجد بالمنزل سرير واحد للنوم, مرتبة صغيرة وكراتين للنوم فوقها أغطية بالية في عز الشتاء, في ركن من أركان إحدي الحجرات استقرت كرتونة بديلا عن دولاب الملابس التي يرتدون معظمه لايطلبون سوي الضروري جدا ولايشتكون إلا حينما تنسد أوردة الأمل, فتمنع كل ما يحتاجونه, لا طعام لاعلاج, لاقدرة علي سداد الإيجار.
كلما قفز المشهد إلي ذاكرتي أتساءل لماذا لا تأتي المصائب فرادي؟ ألم يكن الفقر كافيا للتعذيب؟ لماذا لا يأتي الفقر منفردا ودائما ما يصطحب معه حليفا وفيا لا يفارقه إنه المرض؟ تعجز الحكمة البشرية عن الإجابة.
اللهو بالقسطرة
بدأنا في ضخ مساعدات شهرية, وفي إحدي زيارات حياة للجريدة كانت ابنتها بصحبتها وعمرها ست سنوات, فوجدت بأن البنت تبولت بشكل لا إرادي حياة قالت:للأسف اتعودنا علي الوضع ده ومش لاقيين حل خاطبت طبيبا بشأنها ومن طبيب إلي طبيب حتي اكتشف الأطباء أن الطفلة تعاني من شلل في المثانة وتحتاج جراحة, حينها نشرنا موضوع سارة وأجرت الصغيرة الجراحة, لكن لم تمر أسابيع حتي ساءت الحالة.
عادت حياة لتبلغنا بما جري فوجئت بها تدخل مكتبي وعالقة بيديها صغيرتها سارة تلهو وتلعب بحبل يتدلي علي كتفها جذب انتباهي ما تلهو به تتبعته بعيني فوجدته واصلا بين جسدها أسفل بنطالها تتبعته مرة أخري صعودا حتي الكتف فوجدته واصلا أعلي كتفها معلقا فيه كيس ضخم ممتلئ بالبول إنها قسطرة يجب أن تستمر 60 يوما.
صغيرتنا تمشي حاملة مرضها داخل جسدها وخارجه, في ذلك الوقت كان عمر سارة سبع سنوات, تري وتدرك حجم الضرر النفسي الواقع عليها؟. كل عوامل المعاناة لاهثة في سباق الوجع المر, فلا الفقر وحده ولا المرض وحده ولا الجهل وحده, إنهم مجتمعون سكنوا في جسد سارة, وما أكثر الفقراء المحرومين من العلاج في وطن أرخص ما فيه البشر.
تهتك غشاء البكارة
في جولة جديدة علي الأطباء صادفت الأسرة طبيبا أجري جميع الفحوص اللازمة واكتشف أن الطفلة أصيبت بفشل كلوي بالكلية اليسري خلال خمسة أشهر من إجراء الجراحة ومعرضة خلال الخمسة أشهر القادمة لفشل الكلية اليمني, فضلا عن أن القسطرة التي تم تركيبها لها لفترات طويلة أصابتها بالتهابات شديدة, ولأن طواقم التمريض في قصر العيني كانوا يمارسون العنف مع الصغيرة عند تركيب القسطرة المتتالي, ولأنها صغيرة الحجم جدا, حدث كارثة, فذات مرة بدلا من أن تضع الممرضة القسطرة في فتحة التبول للطفلة وضعتها في فتحة المهبل فتهتك غشاء بكارتها تماما نتيجة الجهل والإهمال, مزقوا الحاضر والمستقبل.
كان حينها من حق الأم أن تقاضي مستشفي قصر العيني والأطباء وطاقم التمريض لكن لمن تذهب؟ وعلي من تدعي؟ وإلي من تصرح وفي أي حال هي؟ هل تهتم بالمقاضاة أم بإنقاذ حياة صغيرتها التي تحيا بكلية فاشلة وثانية علي وشك الفشل, نصحتها برفع دعوي, رفضت لأنها كانت تحتاج للمستشفي بشكل دائم لتحافظ علي حياة ابنتها.
تواصلت مع الطبيب المعالج لسارة لمعرفة آخر التطورات قال لي: لا يوجد حل لها إلا في ألمانيا لتركيب مثانة صناعية, نسبة نجاح الجراحة 84% لكن تكلفتها قد تصل إلي مليون جنيه تقريبا- كان ذلك في عام 2014, ربما تقل التكلفة أو نستطيع توفير تخفيض من قبل الأصدقاء هناك, لكن علي أي حال لا يمكننا تحديد التكلفة النهائية إلا بعد مخاطبة المستشفي.
سألته ألا توجد هذه الجراحات في مصر؟ رد قائلا: لاتوجد نهائيا لأنها تحتاج إلي البقاء مفتوحة البطن عقب الجراحة لمدة خمسة عشر يوما في غرفة زجاجية لمتابعة ما يجري الأمر متعلق باقتطاع جزء من القولون وتحويله لمثانة أو تركيب مثانة صناعية, لذلك يجب متابعة تركيب وتوصيل الحوالب حتي نطمئن لنجاح الجراحة تماما وانقاذ الطفلة الطبيب المعالج حاليا سامي الأسقف.
أنهيت حواري معه وخاطبت مركز القاهرة لأمراض الكلي, هناك تقدمت الصغيرة للفحص مرة أخري بواسطة الدكتورة منال مهني- التي قامت بزراعات كلي متعددة لعدد من رواد باب افتح قلبك, وأجرتها بنجاح أكدت منال أنه لا علاج للطفلة لدي المركز فحالتها تحتاج استشاري جراحة مسالك أطفال وهو ما يختلف عن جراحة زراعة الكلي.
جبروت التأمين الصحي
لم يكن من الممكن انتظام سارة دراسيا حاملة كيس بول دائم الامتلاء, وبالرغم من أنها تلميذة وتغطيها نفقات التأمين الصحي, إلا أننا ذقنا الأمرين من التعنت, فالتأمين الصحي يرفض منحها خطابا مكتوبا فيه جملة واحدة فقط لا علاج لها بالداخل تلك العبارة التي تمكننا من استخراج فيزا السفر لألمانيا وهناك ربما نتمكن من الوصول لاتفاق مع الكنيسة الألمانية لتعولها في الإقامة.
أمال تفقات العلاج فكان من الممكن أن يحملها المستشفي الألماني علي الدولة المصرية لكن يبدو أن العاملين في التأمين الصحي يدركون تماما أن هذه النتيجة تحمل الدولة ما يجب أن تتحمله وهم لايرغبون أو يتطوعون بتجاهل الحالة لصالح أشياء لا نعلمها.
والسؤال ألا تتحمل الدولة نفقات علاج المشاهير والفنانين ولاعبي الكرة أحيانا في جراحات أخطر وأدق وأكثر تكلفة من جراحة, بل إنهم يكونون في سن الشيخوخة وليس في مقتبل العمر مثل هذه الفتاة التي وصل عمرها الآن إلي15 سنة وما زالت تحت رحمة القسطرة, تغيرها كل أربع ساعات حتي لا تخسر كليتها المتبقية؟
هل يحتمل أحد منا العيش بكيس بول وقسطرة تدخل إلي جسده كل أربع ساعات, أم أن الغلابة فقط هم من يعانون مقهورين مجبرين علي احتمال ما لاطاقة لهم به, الغلابة الذين يبدو أنه لا حق لهم في العلاج إذا كانت كلفته ثمينة ومرتفعة وبالدولار.
ألا تتحمل الدولة علاج نفقات العاملين بها في مناصب عليا؟ ألا تتحمل الدولة خسائر بسبب حوادث الطرق والإرهاب؟
لماذا تتجاهلون سارة؟ إنها نموذج حي لكل المرضي من أطفال مصر الذين لا سند لهم, الذين لا يعرفون الكبار في الدولة ولا حتي الصغار المطحونين أبناء المطحونين الذين أكل الفقر آمالهم ودهس صحتهم, إنها أحد البراعم التي ربما تنمو وتتفتح لتصنع مستقبلا أكثر إشراقا لهذا الوطن المصلوب فوق خشبة العوز تارة والفساد تارة والإرهاب تارة, أولئك الصغار هم الاستثمار الحقيقي لمستقبل الوطن, الثروة البشرية التي تخط ترسيم حدود الغد وتقرير مصيره وموقعه علي خريطة العالم.
سارة واحدة ضمن ملايين الأطفال المعرضين للموت فقط لأنهم فقراء هل نتركها؟ وإذا تركناها, كيف نسند رؤوسنا إلي وسائدنا وننام, وفي كل يوم يدنو الموت منها خطوة والبعض مستريح البال يخلد إلي النوم بجوار أطفاله الأصحاء في حين ترقد الصبية لياليها وبجوارها كيس البول لا يعلم ذووها إذا كانت ستستيقظ في الصباح التالي أم سيزفونها عروسا تعانق الكفن, وتسترد الراحة في القبور مثلما ذهبت أخريات كثيرات؟.
ونبقي نرددها الله كبير مثلما رددناها سابقا فكان هذا عنوان إحدي الحلقات التي نشرناها عن سارة لنعلن فيها أنه لم يعد لسارة وأسرتها ملاذ سوي الله, الله أكبر من تعنت التأمين الصحي مع سارة أكبر من الفساد, أكبر من المال الذي يعطل الشفاء أكبر من حلفاء العذاب, الفقر والجهل والمرض الله كبير أكبر من موازين العطاء المقلوبة أكبر من حكمة البشر وخطط الساسة وتصحر قلوب المسئولين.. الله كبير وله موازين أكثر دقة وله حلفاء علي الأرض أشد حنانا ورحمة من أولئك الذين حدثوني سابقا ولايرون أملا في حالة سارة فلم يعيروها اهتماما في حسابات عطاءاتهم.
وإلي أولئك ها هي سارة تتم عامها الخامس عشر, ها هي حية لكنها ما زالت معذبة فلو كنا منذ عام 2014 بذلنا الجهود لمساعدتها علي إجراء الجراحة بالخارج لكانت تعافت, فيبدو أن إرادة الله فيها الحياة وليس الموت, فلم يكن من المتوقع أبدا استمرار صمودها طول السنوات الماضية في ظل المآسي المحيطة بها.
اليوم وصلنا إلي طريق مسدود, فمنذ أكثر من عشر سنوات, وسارة في سباق مع الموت كانت براءتها تنازله, والآن ينازل الموت فيها الصبا, وللأسف لا نملك إلا الانتظار الذي طال جدا, نحن لا نبحث فقط عن دعمها ماليا وإنما نبحث عن حليف جديد يؤمن بحق سارة في الحياة مثل بنات سنها, ونطلق العنان لتطلعاتنا فربما يكون الحليف مؤسسة الرئاسة أو الرئيس السيسي ذاته, فطالما سمعنا عن تبنيه حالات حرجة, إليه نرفع هذا النداء, لتتحمل الدولة تفاصيل جراحة سارة التي تحتاج لتسهيلات سفر وإقامة ورعاية طبية أكبر من إمكانياتنا لكنها لا تستعصي علي الله.