الدار/ افتتاحية
لم تعد العلاقات المغربية الأمريكية مجرد إرث دبلوماسي وتاريخي يعتز بعراقته، لقد تحوّلت ميدانيا إلى شراكة استراتيجية فعلية أصبح فيها المغرب أحد أكبر حلفاء واشنطن في منطقة شمال إفريقيا. وقد مرت هذه العلاقات بكثير من التقلبات منذ أن تم تدشينها بين البلدين عقب استقلال الولايات المتحدة الأمريكية عندما كانت المملكة المغربية أول بلد يعترف بهذا الاستقلال. ومنذ ذلك الحين حافظ المغرب باستمرار على علاقات متوازنة مع واشنطن كان فيها أحيانا منسجما مع قناعاته الليبرالية وأحيانا أخرى باحثا عن المصالح الخاصة أو المشتركة. ولعل هذه البراغماتية التي طبعت العلاقات بين البلدين تعتبر أكبر أسباب نجاحها واستمرارها.
لم تعرف العلاقات بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية لحظات اصطدام أو مواجهة ذات بال. لقد كانت دائما علاقات مبنية على التفاهم والتنسيق ووحدة المواقف والرؤى في الكثير من القضايا. عندما تعرّضت الولايات المتحدة الأمريكية في 11 شتنبر 2001 للهجمات الإرهابية الشهيرة كان المغرب من بين أول بلدان المنطقة التي عبّرت عن إدانتها لهذا الحادث الإرهابي، وانخرطت في المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب. وعقب هذه الأحداث كان المغرب بدوره ضحية لهذه الاعتداءات الحاقدة فانخرط بذلك بتنسيق كامل مع الولايات المتحدة الأمريكية على المستويات الأمنية وازدادت علاقات البلدين عمقا ومتانة.
ولعلّ أقوى مقومات هذا العمق وتلك المتانة في العلاقات بين البلدين هو عنصر الثقة المتبادلة. فواشنطن تعتبر المغرب بلدا جديرا بالثقة التي لا تضعها في الكثير من الأنظمة في المنطقة العربية أو حتى في أقاليم أخرى من العالم. هذه الثقة ليست مبنية على انطباعات أو معتقدات بقدر ما هي مبنية على تجربة تاريخية بين البلدين، فبالإضافة إلى سابقة الاعتراف بالاستقلال كان المغرب قد ربط علاقات دبلوماسية نشيطة مع الولايات المتحدة الأمريكية مباشرة بعد استقلاله، علما أن الأراضي المغربية كانت لا تزال حينها تحتضن قواعد أمريكية بالنواصر وسيدي سليمان بنتها الولايات المتحدة الأمريكية خلال الحرب العالمية الثانية. وزيادة على هذه التجربة المشتركة فإن اصطفاف المغرب منذ استقلاله في المعسكر الليبرالي الديمقراطي جعل منه شريكا موثوقا لواشنطن في منطقة هيمنت عليها الأنظمة العسكرية الاشتراكية والحركات التي انضمت إلى صف المعسكر الشرقي الشيوعي.
لكن ما تشهده اليوم العلاقات المغربية الأمريكية من تطور وتعميق لا يتوقف عند حدود تبادل مشاعر الاحترام والتقدير، بقدر ما هو انتقال إلى السرعة النهائية من أجل تفعيل كل الاتفاقات الثنائية على الصعيد الاقتصادي والأمني والسياسي. بل إننا نكاد نجزم بأن العلاقات بين البلدين تعيش أزهى أيامها، خصوصا بعد الاتفاق الثلاثي الذي وقعه كل من المغرب وأمريكا وإسرائيل، تجسيدا لهذه الثقة وهذا المستوى العالي من التداخل في المصالح بين البلدين. ولا شكّ أن المغرب استفاد وسيستفيد في السنوات القليلة المقبلة من هذا العصر الذهبي للعلاقات بين البلدين.
وقد بدأت معالم هذا العصر منذ اعتراف الإدارة الأمريكية السابقة بمغربية الصحراء، وما تَلا ذلك من دعم وتأييد للمواقف المغربية في قضية الوحدة الترابية. وها هي ذي القضية الوطنية تجني ثمار القرار الجريء الذي اتخذه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بعد أن بدأت مواقف العديد من القوى الدولية الفاعلة تتغير، وكان آخرها موقف الجارة الإسبانية التي أعلنت بصفة رسمية دعمها لمخطط الحكم الذاتي. ولأجل هذه المكاسب السياسية والاقتصادية التي يجنيها المغرب من تطور شراكته مع الولايات المتحدة الأمريكية فإن وضع المغرب لواشنطن على قائمة الدول ذات الأولوية على مستوى تطوير الشراكات الخارجية. فتعزيز العلاقات مع واشنطن لم ولن يكون إلا إضافة نوعية لاستقرارنا ورخائنا وتطور مؤهلاتنا.
