كشفت أبحاث بقيادة نخبة من الخبراء والمهنيين، وبالشراكة مع مجموعة من الجامعات ومراكز البحوث، طرحت بقمة الاتزان الرقمي «سينك»، أن ٤١٪ ممن شاركوا فيها يواجهون صعوبات في التركيز خلال أدائهم لمهامهم اليومية بسبب كثرة المشتتات الرقمية، كما يفضل ٥٣٪ من الناس العيش بدون صديق مقرب على هاتفهم المحمول، و٣٣٪ من أولياء الأمور يستخدمون التقنية لإلهاء أطفالهم يومياً، واتفق ٦٠٪ من أجيال مختلفة أن الهواتف المحمولة صممت لتسبب الإدمان لمستخدميها.
وتطرح قمة الاتزان الرقمي «سينك»، سؤالا هو «هل نتحكم بأجهزتنا أم تتحكم بنا؟»، والتي أطلقها مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي «إثراء»، أمس الثلاثاء، وتنعقد على مدى يومين 29- 30 مارس 2022م، بمشاركة نحو 60 متحدثا من حول العالم، بهدف بحث تأثير التقنية على حياتنا.
٣ محاور
ترتكز القمة على ٣ محاور رئيسية، لتحقيق «الاتزان الرقمي» وهي: ما وراء التقنية، ويناقش الأثر المتفاقم لمعرفة حقيقة التقنية، والمحور الثاني «تبادل الأصوات» عبر خلق منصة لتبادل الآراء، أما المحور الثالث «مستقبل الاتزان الرقمي» ويسلط الضوء على الأبحاث والسلوكيات الأفضل وسبل التعاون اللازمة.
أبحاث إحصائية
وتقدم «سينك» أبحاثا بقيادة نخبة من الخبراء والمهنيين، وبالشراكة مع مجموعة من الجامعات ومراكز البحوث، وكانت أهم نتائج هذه الأبحاث.
عصر تقني
وفي حديثه لـ«اليوم»، أكد مدير مركز إثراء عبدالله الراشد، أن اتجاه مركز ثقافي كإثراء للتقنية ما هو إلا تأكيد على أننا في عصر تقني بحت، وأن المستقبل سيكون ارتباطه أكثر بالتقنية، كما أنها هي المؤثر الرئيسي على ثقافتنا مستقبلاً، من خلال تشكيلها للعلاقات الشخصية وهويتنا ولغتنا، ومن هذا المنطلق حرص المركز على إطلاق مبادرة تدرس علاقة الإنسان بالتقنية، والمتمثلة في مبادرة «الاتزان الرقمي»، مبينا أن المصطلح بحد ذاته هو مستحدث من المركز كونه لا يحمل تعريبا سابقا.
اللبنة الأولى
وأكد الراشد «أن القمة تعد مساحة جديدة، نرى للمملكة فيها ريادة، و«إثراء» قادر على أن يقدم فيها شيء جديد على مستوى العالم، وذلك عبر الأبحاث التي تم العمل عليها، لافتا إلى عمل المركز على أكبر دراسة بحثية في العالم في هذا المجال، عبر استطلاع واستفتاء أكثر من ١٥ ألف شخص في أكثر من ٣٠ دولة». مشيرا إلى أن الهدف من القمة أولا البدء باللبنة الأولى عبر الفهم والوعي عبر الدراسات والأبحاث، ثم السماع للخبراء والمختصين وتجاربهم للاستفادة منها، ثم الخروج بتوصيات وأوراق وأبحاث تساعد العالم في الإجابة عن الأسئلة الصعبة. وأبان أن القمة انطلقت هذا العام وسيكون لها نسخ بطرق مختلفة في السنوات القادمة بإذن الله.
اليوم الأول
وحول نتائج اليوم الأول من القمة، قال الراشد: استمعنا لوجه نظر شريحة مهمة وهي «جيل زي» أو الجيل الصغير، فكانت المؤشرات من أهمها أن هذا الجيل راغب بالتغيير لكن لن يقبل بأن يأتي كفرض أو اقتراح من الأعلى، فهو يتكيف معه في حال كان هو المتبني للفكرة، ورأينا اختلافا عاليا في وجهات النظر فهناك من يرى أن عبء التغيير سيكون على الحكومات، بينما يرى آخرون أنها مسؤولية الأفراد. مضيفا: أعتقد أن التوصيات تفتح المجال للبحث والاستمرار في المناقشة في المستقبل، وسيركز اليوم الثاني من القمة على الخطة للمستقبل.
طرق مستدامة
وذكر رئيس وحدة الرؤى السلوكية في وزارة الصحة د. محمد الحاجي لـ«اليوم» أن الطريقة المستدامة لخلق الاتزان الرقمي «صعبة»، كون الحياة الرقمية أصبحت جزءا أساسيا من حياتنا وحياة من حولنا، فمن الصعب فكها من هذه المعادلة، ولكن من أراد أن يعيش حياة هادئة بعيدة عن شبكات وسائل التواصل، يجب عليه إيجاد البديل الذي ينشغل به في أوقات الفراغ، كون الهاتف المحمول هو أقرب وسيلة نملأ فيها هذه الأوقات، وكلما كان الشخص لديه «بدائل» قل استهلاكه لوسائل التواصل، وهذا لا يعني عدم استخدامها، إنما يتم استخدامها باتزان.
علوم سلوكية
وأشار الحاجي إلى قاعدة مهمة في العلوم السلوكية وهي «إذا أردت ممارسة الشيء اجعله سهلا، وإذا أردت التقليل منه اجعله صعبا»، من هنا تأتي الحلول بحيث يجعل الشخص الهاتف الذكي بعيدا عنه ويجد طرقا لإبعاده من أمام البصر قدر المستطاع حتى يقنن من استخدامه وتشتيت انتباهه.
وأوضح أن هناك أسبابا نفسية تجعل تعلقنا قويا بالتقنية ووسائل التواصل، وقال: الخوف من فقدان الأحداث «FOMO» وهي ظاهرة نفسية كون الإنسان كائنا اجتماعيا يخشى العزلة ويخاف الإقصاء، ويحب أن يكون في الصورة دائماً، ووسائل التواصل بدورها سهلت من هذه العملية، إضافة لأسباب عديدة منها تعزيز حس المكافأة عبر الإعجابات وإعادة المشاركة التي توفرها هذه الوسائل، والتي تعطي شعورا بالنشوة والمكافأة، فالدماغ تعود عليها مما سبب حالة من الإدمان الحقيقية.
مجتمع افتراضي
من جانبها، ترى المخرجة والكاتبة زهراء المهدي، أن التقنية ساهمت في خلق مجتمع افتراضي لها استطاعت مشاركة فنها وإبداعها من خلاله، كما أنها اكتشفت موهبتها في الكتابة وصناعة الأفلام من خلال وسائل التواصل الاجتماعي التي تتيح للأشخاص الآخرين إظهار إعجابهم بأعمالها التي تقدمها. وقالت: من المتعارف عليه أن المبدع حتى يُعرف يجب عليه الاندماج مع المجتمع، ولكن كوننا شعوبا مختلفة في تواصلها ولديها تحفظات، فكان من الصعب التواصل مع المبدعين، التقنية سهلت التواصل، وأتاحت فرصة بناء مجتمع افتراضي خاص بنا مما ساعدنا بالمضي بشكل أسرع.
ممارسات سلبية
وأوضحت أن معظم العادات والممارسات السلبية التي يلقى بعاتقها على التقنية ووسائل التواصل الاجتماعي، كانت موجودة منذ السابق، ولكن الآن أصبح لهذه الممارسات المساحة بأن تكبر وتتفاقم، فبدأت تظهر على السطح، مما أدى للاعتراض عليها. وأضافت: يجب علينا العمل على انضباطنا وتواطدنا، وأرى أهمية إيجاد وسيلة للتواصل مع بعضنا البعض وألا نكون انفراديين، وعلينا توجيه اهتمام أكبر للتقنية وتطورها وطريقة تعاملنا معها، ومع تغييرها السريع.
أخلاقيات التعامل
وأكدت على أهمية تحقيق التوازن الرقمي والذي يأتي من خلال الحرص على عدم ممارسة أي عادة سواء تقنية أو غيرها لوقت طويل، إضافة للحفاظ على الآداب وأخلاقيات التعامل العامة خصوصا مع الأشخاص الواقعيين، مثل ألا يتم استخدام الهاتف في الوقت الذي أتواصل فيه مع من في الواقع، ويجب أن يكون هناك تبادل بحيث إن الحياة الواقعية تثري الافتراضية، والافتراضية تساعد في فهم الواقعية.
