شهر رمضان فرصة للمصالحة والمسامحة كما أنه فرصة للتغيير والمصارحة، فيه المسلم يتصالح مع نفسه ومع الآخرين، فيتصالح مع نفسه بمراجعتها ومحاسبتها وبدء صفحة جديدة للأفضل والأحسن، ليصلح ما أفسده فى عامه الماضى ويتصالح مع الناس لأنه يعرف أن يذهب حقد الصدر، فسلامة الصدر سبب لدخول الجنة ومرضاة الرب تحقيقا لهدف الصوم قال تعالى: «يأيها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون».
اقرأ أيضاً |
يوضح لنا فضيلة الشيخ عبد التواب قطب وكيل الأزهر الأسبق كيف يتصالح المسلم مع نفسه ومع الآخرين بقوله: لقد كرم الله أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بشهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن فهو منحة الله لعباده الفريضة فيه بـ ٧٠ فريضة فيما سواه، وهو أيضا شهر المواساة والصبر وعطاء الله فيه لا حد له، فإذا كانت الحسنة بعشر أمثالها إلى ٧٠٠ ضعف، فإن هناك ثلاث طاعات عطاء الله فيها بغير حد منها الصيام قال رب العزة فى الحديث: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لى وأنا أجزى به) ومنها الصبر قال تعالى فى كتابه المبين: «إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب» ومنها العفو قال تعالى: «فمن عفا وأصلح فأجره على الله».
وينصح الشيخ عبد التواب قطب: على المسلم لكى يتصالح مع نفسه ويردها إلى الصواب أن يتبع هذه الخطوات الإيجابية فيكثر أولاً من فعل الخيرات والطاعات بأداء الصلوات فى أوقاتها فى المسجد والبيت وأداء السنن والنوافل والإكثار من قراءة القرآن وتدبر معانيه والذكر قال تعالى: «ألا بذكر الله تطمئن القلوب».
ويوضح أن الصوم له أسرار فهو عبادة خفية لا يعلم صدقها إلا الله وقهر للنفس الإمارة بالسوء عن مشاتمة أهل الأخلاق السيئة فعلى الصائم البعد عن اللغو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ولا يجهل فإن شاتمه أحد فليقل إنى صائم ويبتعد عن الغيبة والنميمة خاصة مع الزملاء فى أوقات العمل ويمسك لسانه عن إطلاق الشائعات ويحفظ جوارحه فيحفظ عينه عن أن تقع على ما حرمه الله، لأن النظرة سهم من سهام إبليس ويرتفع بأذنه عن أن تسمع أو تتحدث فى حق إنسان أو الخوض فى عرضه ولا يضيع وقته فى النوم أو اللهو والعبث ويتوب عن المعاصى والذنوب.
وعن علاقة المسلم مع الناس فى رمضان يوضح وكيل الأزهر الأسبق أن عليه أن يصل رحمه وجيرانه ويكون ذا نفع لهم بمساعدة المحتاج والضعيف والمريض منهم بالسؤال والزيارة وتقديم العون المادى والمعنوى فمن حديث فضالة بن عبيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، قالوا من المؤمن؟ قال من أمنه الناس على أنفسهم قالوا ومن المهاجر؟ قال من هجر السوء واجتنبه)، فرمضان فرصة لرأب العلاقات المتقطعة بين الأهل وتصفية للنفوس من أى خلافات أو مشاكل من خلال الاجتماع على طعام أو التزاور مع الأهل أو الصلاة معهم فى جماعة، فدين الله يدعو إلى الحلم والعفو والصفح والترفع عن السفاسف وهذا ليس فى رمضان فقط بل طول العام.
ويؤكد أن رمضان فرصة أيضا للتخلص من المشاعر السلبية، لأن الصيام يساعد فى نماء الشخصية وتحمل المسئولية لأنه يدرب الإنسان على التحكم فى الذات وتصبح الغرائز تحت سيطرة الإرادة وقوة الإيمان، فيشعر الصائم بالراحة والطمأنينة ويتخلص من الحقد والطمع والتكبر والأنانية والغضب واللامبالاة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يكمل إيمان أحدكم حتى يكون فيه خصال ثلاث إذا غضب لم يخرجه غضبه عن الحق وإذا رضى لم يدخله رضاه فى باطل وإذا قدر لم ينل ما ليس له) هذا بالإضافة إلى أن الصيام يقوى المناعة ضد القلق والخوف، بسبب الجو الإيمانى والروحانى المصاحب للشهر الفضيل.
وقد روى الفقهاء أن أفضل الخلق من كان فيه خمس خصال أن يكون على عبادة ربه مقبلا وأن يكون نفعه ظاهرا وأن يكون الناس من شره آمنين وأن يكون مما فى أيدى الناس أيسا وأن يكون للموت مستعدا.
تلك الأمور التى طرحناها ينبغى على المسلم أن يكون بها فى رمضان وغيره، ليتصالح مع نفسه ومع الآخرين فلله فى أيام الدهر نفحات ألا فتعرضوا لها كما بين النبى صلى الله عليه وسلم فى حديثه فلعل أحدكم تصبه هذه النفحة فلا يشقى بعدها أبداً.
