ارتفاع أسعار السلع الزراعية .. مقامرة أم تحوط؟ | صحيفة الاقتصادية


ارتفاع أسعار المواد الغذائية يدق أجراس الإنذار للأسر في جميع أنحاء العالم. مصارف الطعام في المملكة المتحدة تقول إنها لم تكن أكثر انشغالا في أي وقت مضى. المتاجر الكبرى في إيطاليا أبلغت عن عمليات شراء بدافع الذعر. في العراق كانت هناك احتجاجات على أسعار الخبز.
كانت تكاليف الغذاء تتزايد حتى قبل الأزمة في أوكرانيا، مدفوعة بارتفاع أسعار الطاقة، واختناقات النقل، وفي بعض الدول، نقص العمالة الزراعية. الآن تسببت الأزمة في أوكرانيا في مزيد من الارتفاعات والمخاوف بشأن الاضطراب المطول في البلاد الغنية بالزراعة.
هل هذا يعني أن الوقت مناسب للاستثمار في السلع الزراعية؟ خاصة أن تقييمات الأسهم لا تزال مرتفعة رغم الاضطرابات التي سببتها الحرب وأن ارتفاع التضخم يضغط على السندات؟
صحيح أن السلع أثبتت أنها استثمار لائق في أوقات التضخم المرتفع في الماضي. لكن عليك أن تختار بعناية لأن هذه الأسواق يمكن أن تكون متقلبة حيث يمكن أن تنخفض الأسعار بالسرعة التي ترتفع بها.
ليس من المستغرب أن أسعار القمح ارتفعت أكثر من 40 في المائة منذ بداية العام، عندما تزود روسيا وأوكرانيا معا نحو 30 في المائة من الصادرات العالمية.
انتشرت المخاوف المتعلقة بالإمدادات عبر الأسواق الزراعية، حيث ارتفعت أسعار الذرة وفول الصويا ولحم البقر هذا العام.
المخاوف أكثر حدة فيما يتعلق بالأسمدة، وهي عنصر أساس، حيث توفر روسيا وحليفتها بيلاروسيا 40 في المائة من الصادرات العالمية. تشيرات تقديرات شركة سي آر يو البحثية إلى ارتفاع الأسعار نحو 30 في المائة، وهو أمر قد لا يبدو خطيرا للغاية في ظل هذه الظروف، حتى تفكر في أنها ارتفعت ثلاثة أضعاف منذ بداية 2020.
يقول المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، "من المرجح أن يكون للأزمة الحالية في أوكرانيا تأثير مباشر في استقرار سوق القمح العالمية، ومن خلال تعطيل أسواق الغاز الطبيعي والأسمدة، يكون لها آثار سلبية في كثير من منتجي الأغذية".
من الواضح أن شراء القمح بالجملة - كما يمكنك شراء الذهب - ليس عمليا بالنسبة إلى المستثمر العادي. لكن أسواق العقود الآجلة متطورة للغاية، وهناك مئات من صناديق المؤشرات المتداولة في البورصة لكل من المحاصيل الفردية، مثل القمح، وسلال متنوعة من السلع الزراعية. تقول "بلاك روك"، وهي شركة استثمارية تدير مجموعة ثابتة من صناديق السلع الأساسية، في حين أن "تداول السلع الأساسية يمكن أن ينطوي على مخاطر"، إلى أنه يمكن أن يوفر "التنويع وإمكانية الأداء الصعودي".
مع ذلك، قبل أن تخاطر، انظر إلى بعض الرسوم البيانية للسلع لترى إلى أي مدى يمكن أن تكون تقلبات الأسعار شديدة. إلى أي مدى ستكون مرتاحا في مثل هذه الأفعوانية المالية؟
مثلا، ارتفع القمح 92 في المائة في الفترة بين 2017 و2021. لكنه كان ينخفض سنويا في الفترة بين 2013 و2016، بخسارة تراكمية قدرها 46 في المائة. على مدار العقد المنتهي في نهاية 2021، كنت ستحقق نحو 15 في المائة من الأرباح - ليس كثيرا مقابل رحلة متوترة.
هناك أيضا مسألة أخلاقية تجب مراعاتها. على مر التاريخ، كان لمضاربي الحبوب سمعة سيئة بالتأكيد. هذا الأمرغير منصف البتة، كما يقول متداولون محترفون، الذين يجادلون بأن المستثمرين الماليين يمنحون الأسواق السيولة اللازمة لنقل إشارات الأسعار بسرعة. نعم، قد ترتفع الأسعار إذا تراكم المستثمرون، لكن الارتفاع يعطي المزارعين حافزا أكبر لزراعة مزيد وتخفيف حالات النقص. لذلك في النهاية، تكون الحبوب أرخص وكذلك الخبز.
بعد الارتفاع الكبير الأخير في أسعار الحبوب، في 2007- 2008، وجد تقرير صادر عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة أن، "الأدلة التجريبية المتاحة لا تدعم الادعاءات بأن المتداولين غير التجاريين زادوا تقلب أسعار الحبوب".
على الرغم من ذلك، قد ترغب في التزام الصمت بشأن مخزون الحبوب الخاص بك. التحيز العام عميق. بعد فترة طويلة من نشر منظمة فاو لبحثها، نجحت المؤسسات الخيرية الرائدة، برئاسة أوكسفام، في حملات لدفع بعض المصارف لإغلاق صناديق السلع الزراعية.
على أي حال، هناك خيارات أخرى، خاصة الأسهم. عشرات الشركات تتداول بطريقة نشيطة في شركات إنتاج الغذاء، بداية مع بعض الأسماء المعروفة جدا. تعد شركة نستله، أكبر شركة من حيث المبيعات، عنصرا أساسيا في كثير من المحافظ والصناديق. شركتا "بيبسي" و"يونيليفر" من بين الشركات العملاقة الأخرى.
أنا متأكد من صحة الاستثمار في الشركات القوية، في الأوقات العصيبة. لكنها قد لا تمنحك التعرض الذي تريده لأسواق السلع. هذه المجموعات تبيع المنتجات التي تكون فيها تكاليف السلع بشكل عام جزءا بسيطا من الأسعار النهائية والهوامش والأرباح. يقول كارلوس ميرا، رئيس أبحاث سوق السلع الزراعية في مصرف رابوبانك الهولندي، "قد لا ترى تغيرا كبيرا في سعر الخبز المعبأ في متاجر ويتروز، لكن الأسعار في الشرق الأوسط ترتفع بسرعة".
ليس من المستغرب ألا تتغير كثيرا أسعار أسهم شركة نستله منذ ما قبل الأزمة. لقد انخفضت عندما بدأت الأزمة "الشركة كبيرة في روسيا" لكنها تعافت مرة أخرى.
للاقتراب من النهاية الصعبة، قد تفكر في شركات تداول الحبوب العالمية. شهدت شركة آرتشر دانييلز ميدلاند في شيكاغو، التي لها استثمارات في جميع أنحاء العالم، بما فيه أوروبا الشرقية، ارتفاع أسهمها 15 في المائة منذ بداية الأزمة و26 في المائة منذ بداية 2022. سجلت شركة بونجي، المنافسة، مكاسب مشابهة.
أو ماذا عن منتجي الأسمدة؟ مجال الاختيار فيها أصعب، بعض الشركات تصنع الأسمدة عن طريق استخراج البوتاس من المناجم وتحويله من احتياطياتهم الخاصة، لذلك لديهم بعض الحماية من ارتفاع تكاليف الغاز الطبيعي. لكن بعض الشركات الأخرى تستخدم الأمونيا - وهي مادة وسيطة تعتمد على الغاز الطبيعي - وكلاهما معرضان. شهدت شركة نيوترين، عملاق البوتاس الكندي، ارتفاع أسهمها 37 في المائة منذ بداية الأزمة و43 في المائة منذ الأول من كانون الثاني (يناير) هذا العام. لكن الأسهم في "يارا"، المنافس النرويجي الذي يمتلك مواد وسيطة قائمة على الغاز، ظلت ثابتة.
بالطبع، هناك كثير من الصناديق والصناديق الائتمانية الاستثمارية التي تركز على الزراعة، التي ستمنحك التنوع وكذلك التعرض، ما يحد من الخطر. مثلا، صندوق جلوبال أجريكلتشر بروديوسرز المتداول في البورصة التابع لشركة مورجان ستانلي كابيتال إنترناشيونال يضم أسماء مثل "نيوترين" و"آرتشر دانييلز" من بين أكبر ثلاث شركات تابعة لها، إضافة إلى شركة دير الأمريكية لصناعة الجرارات.
من الواضح أن كثيرا من الأمور تعتمد على المدة التي ستستغرقها الأزمة في أوكرانيا. لا أحد يعرف، لذلك لا أحد يستطيع أن يقول ما إذا كان 10 في المائة من محصول أوكرانيا هذا العام سيضيع أو 50 في المائة. من المقرر أن يبدأ موسم الزراعة في غضون أسابيع قليلة.
لكن الأسعار المرتفعة قد تستمر، بالنظر إلى جميع القوى الأخرى التي تدفعها إلى الارتفاع، خاصة تكاليف الطاقة. لذا على الرغم من أن الانتعاش الأولي للسوق قد جعل نفسه ملموسا بالفعل، قد يكون هناك مزيد في المستقبل. هذه أوقات تضخمية.

تاريخ الخبر: 2022-04-01 00:23:05
المصدر: صحيفة الإقتصادية - السعودية
التصنيف: إقتصاد
مستوى الصحة: 38%
الأهمية: 50%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية