انتشرت قوات الأمن في العاصمة السريلانكية الجمعة، غداة محاولة مئات المحتجين الغاضبين اقتحام منزل الرئيس غوتابايا راجاباكسا، احتجاجاً على طريقة إدارة حكومته الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة في البلاد منذ سبعة عقود.

وتواجه الدولة الواقعة في جنوب آسيا البالغ عدد سكانها 22 مليون نسمة نقصاً كبيراً في السلع الأساسية وارتفاعاً حاداً في الأسعار وانقطاعاً للتيار الكهربائي، في أسوأ أزمة منذ الاستقلال عام 1948. ويخشى كثيرون أن تتخلف عن سداد ديونها الخارجية.

واحتشد مئات الرجال والنساء ليلة أمس الخميس، خارج منزل جوتابايا راجاباكسا الخاص في العاصمة، وطالبوه بالتنحي، بعد انتشار دعوات من نشطاء مجهولين على مواقع التواصل الاجتماعي.

وأطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه لتفريق المتظاهرين، فواجهها الحشد بعنف، وأضرم النار في حافلتين للجيش، وسيارة رباعية الدفع تابعة للشرطة، ودراجتين ناريتين لإجراء الدوريات، وعربة ثلاثية العجلات. كما ألقى المتظاهرون الحجارة على عناصر الشرطة والجيش.

وأصيب متظاهران على الأقلّ بعدما أطلقت قوات الأمن النار لتفريق الحشود، دون أن يتّضح على الفور ما إذا كانت استخدمت الرصاص الحيّ أو الرصاص المطاطي. وأصيب أربعة أشخاص دهستهم سيارة أمن.

وأعلنت الشرطة اعتقال 53 شخصاً، فيما تحدثت وسائل إعلامية محلية عن اعتقال خمسة مصورين إخباريين وتعرضهم للتعذيب في مركز شرطة محلي، وهي تهمة قالت الحكومة إنها ستحقّق بشأنها.

وأغلق متظاهرون بالإطارات المشتعلة طريقاً رئيسياً يؤدي إلى العاصمة.

ورُفع حظر تجول فُرض ليلاً في وقت مبكر من صباح الجمعة، لكن عُزّز انتشار الجيش والشرطة في أنحاء المدينة حيث كان هيكل حافلة متفحمة لا يزال يسد الطريق المؤدي إلى منزل الرئيس.

وأكد مسؤولون تشديد الإجراءات الأمنية في جميع أنحاء البلاد بعد دعوات للاحتجاج في وقت لاحق الجمعة.

ودعت منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي الناس إلى التظاهر سلمياً خارج منازلهم.

"إرهابيون" وراء الاضطرابات

أكد وزيران في الحكومة أنّ إخفاقاً كبيراً في نظام المخابرات عرّض حياة الرئيس وزوجته للخطر.

وقال وزير الصحة كيهيليا رامبوكويلا لصحافيين في كولومبو، إن "الرئيس وزوجته كانا في منزلهما وقت الاحتجاجات"، مستبعداً المزاعم السابقة عن وجودهما في الخارج في ذلك الوقت.

وقال: "كانت لدينا معلومات عن حصول تظاهرة، لكن لم يُتوقع أنها قد تتحول إلى عنف. هذا فشل استخباراتي كبير".

من جانبه اعتبر وزير النقل ديلوم أمونوجاما، أن "إرهابيين" يقفون وراء الاضطرابات.

ورأى مكتب الرئيس الجمعة أن المتظاهرين أرادوا خلق "ربيع عربي"، في إشارة إلى التظاهرات التي عمَّت دولاً في الشرق الأوسط، احتجاجاً على الفساد والصعوبات الاقتصادية منذ أكثر من عقد.

وجاء في بيان مقتضب لمكتب الرئيس أن "التظاهرة ليلة الخميس، قادتها قوى متطرفة تدعو إلى ربيع عربي لبثّ عدم الاستقرار في بلدنا".

وأظهرت تسجيلات فيديو نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، نساء ورجالاً يطلقون هتافات معادية للرئيس مطالبين بتنحي جميع أفراد عائلة راجاباكسا القوية.

وأفادت منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي بأن عضواً نافذاً آخر في الأسرة الحاكمة مُنع من حضور عرض للزهور في التلال الوسطى الجمعة بعد أن بدأ المتفرجون إطلاق صيحات استهجان.

ويتولى شقيق الرئيس ماهيندا الذي يكبره سنّاً رئاسة الحكومة، فيما يتولى الأصغر باسيل حقيبة المالية، ويتولى شقيقه الأكبر وابن شقيقه حقائب في الحكومة.

وتفاقمت الأزمة في سريلانكا بسبب جائحة كوفيد-19، التي قضت على السياحة وجففت التحويلات المالية التي يرسلها السريلانكيون العاملون في الخارج.

ويعتبر عديد من الاقتصاديين أن الأزمة تفاقمت بسبب سوء الإدارة الحكومية وتراكم الاقتراض لسنوات.

نسب تضخُّم قياسية

أظهرت أحدث البيانات الرسمية الصادرة الجمعة أن نسبة التضخم في كولومبو بلغت 18,7% في مارس/آذار المنقضي، وهو سادس رقم قياسي شهري يُسجَّل على التوالي.

وارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة قياسية بلغت 30,1%.

وفرضت كولومبو حظراً واسعاً على الواردات في مارس/آذار 2020 في محاولة لتوفير العملات الأجنبية اللازمة لسداد ما يقرب من 7 مليارات دولار هذا العام لخدمة ديونها البالغة 51 مليار دولار.

وأثار نقص مادة الديزل الاحتجاجات في سريلانكا مؤخراً، لكن التظاهرات عمَّت مختلف البلدات ولم تستهدف أي مسؤول كبير.

ولم يكن الديزل متوفراً الخميس في المحطات في أنحاء الجزيرة كافة، وفق مسؤولين وتقارير إعلام.

وأعلنت الهيئة الحكومية التي تحتكر الكهرباء تقنيناً مدته 13 ساعة اعتباراً من الخميس، وهي أطول فترة على الإطلاق، لعدم توفر الديزل للمولدات.

وتوقف عديد من المستشفيات الحكومية عن إجراء العمليات الجراحية لعدم توافر الأدوية الضرورية.

وأعلنت الحكومة أنها تسعى للحصول على خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي، وطلب مزيد من القروض من الهند والصين.

وقال المتحدث باسم الصندوق جيري رايس للصحافيين في واشنطن الخميس، إن محادثات ستبدأ "في الأيام المقبلة" مع وزير المال السريلانكي المتوقع وصوله إلى العاصمة الأمريكية.

TRT عربي - وكالات