وقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الخميس، مرسوماً يلزم الدول "غير الصديقة" لروسيا دفع مستحقات واردتها من غاز البلاد بالروبل، مؤكداً بذلك وعوده السابقة بتنفيذ هذه الإجراءات رداً على تجميد أصول روسيا في الغرب بسبب هجومها على أوكرانيا.

يأتي هذا في وقت رفضت فيه أوروبا، التي تعتمد بشكل كبير على الوارادات الطاقية الروسية، الإذعان لهذه القرارات، معتبرة إيَّاها غير قانونية وتعد نقضاً للعقود المبرمة بين الطرفين. بالتالي أطلق هذا الوضع العنان للعبة شد وجذب إقليمية، لا يُعلم من سيخرج رابحاً منها.

وبينما تراهن موسكو على ليّ ذراع نظرائها الأوروبيين بهذا القرار، من أجل تخفيف ضغوط العقوبات عليها، وإنعاش عملتها المحلية بعد التدهور الذي شهدته منذ إطلاق الهجوم على أوكرانيا. يمكن أن يسهل هذا التحرك الطريق أمام أوروبا لإيجاد حلول للتخلص من الغاز والنفط الروسيين، وهو المطلب الذي تلحّ أمريكا بالدفع به.

لعبة شد الحبل!

أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الخميس، خلال توقيعه المرسوم، أنه "لن يورّد أحد الغاز مجاناً. هذا الأمر ببساطة مستحيل. يمكن دفع ثمنه فقط بالروبل"، داعياً الشركات إلى تَفهُّم "هذا الوضع المتغير تماماً"، ذلك الذي "نشأ في ظروف الحرب الاقتصادية التي شُنّت ضد روسيا"، إذ يجب أن يُفهَم أنها "تحتاج فقط إلى شراء الروبل، بعملاتها باليورو والدولار، ودفع ثمن الغاز بالروبل".

وقد أمهل بوتين هذه الشركات والدول إلى أول أبريل/نيسان لـ"فتح حسابات بالروبل في مصارف روسية. وستُسدَّد المدفوعات من هذه الحسابات مقابل عمليات تسليم الغاز اعتباراً من ذلك التاريخ".

ورفضت الدول الأوروبية بشكل متفاوت هذه القرارات. ومن جانبه ردّ المستشار الألماني أولاف شولتز بالقول إن الدول الأوروبية ستواصل الدفع باليورو أو الدولار بموجب ما "كُتب في العقود". مضيفاً: "قلت للرئيس الروسي بوضوح إن الأمر سيبقى كذلك"، و"الشركات ترغب في التمكُّن من الدفع باليورو، وستفعل ذلك".

وندّد عدد من أهمّ البلدان الأوروبية المستوردة للغاز الروسي، بينها بولندا وفرنسا وإيطاليا، بهذا القرار، معتبرين أنّ روسيا تنتهك بذلك عقودها مع الشركات الأوروبية التي تشتري الغاز. وقال وزراء طاقة مجموعة السبعة (الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وكندا واليابان وألمانيا وإيطاليا)، عقب اجتماع عُقد من بُعد، إنّ هذا المطلب يُظهِر "بوضوح محاولة بوتين تقسيمنا".

مَن الرابح؟

حسب المحلل الاقتصادي الجزائري مصطفى راجعي، في حديثه لـTRT عربي، فإن "الهدف من قرار بوتين بيع الغاز بالروبل عوض اليورو إعادة الاعتبار للروبل الذي ينهار كل يوم نتيجة العقوبات"، فهو "يريد أن يزيد الطلب على للروبل لترتفع قيمته".

وفيما يبدو فإن بوتين أحرز نجاحاً في ذلك، حيث انتعاش الروبل الذي عاد إلى مستويات قريبة من التي كانت تسبق الهجوم على أوكرانيا. وكان قد بلغ في 7 مارس/آذار أدنى مستوياته عند نحو 150 روبلاً لكل دولار، بعد إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن حظر بلاده لاستيراد النفط الروسي.

في المقابل أصبح الغاز نقطة ضعف السياسات الأوروبية، في سعيها لردع الهجوم الروسي على أوكرانيا اقتصادياً، لكون روسيا تؤمّن 40% من احتياجات أوروبا إلى الغاز، أي ما يعادل 126 مليار متر مكعب، في هوة قد يسبّبها فقدانه، لم تجد أوروبا إلى الآن بدائل لسدّها، بما يعزز تشبثها بتلك الواردات.

غير أن هذه الخطوة حسب الخبير الاقتصادي الجزائري تحمل جانباً "صادماً ومخالفاً القواعد التجارية"، وهي "نوع من الابتزاز، لا تعامل تجاري". هذا ما قد يأتي في نظر المتحدث بنتائج عكسية، إذ "سيدفع بأوروبا التي تعتمد على غاز روسيا لتبحث في المدى المتوسط والبعيد عن عقود جديدة مع بلدان أخرى مثل قطر و الجزائر وربما المغرب في المستقبل".

TRT عربي