د. محمد محمود الجبة، عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر، وعضو مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية، يقول فى بداية حديثه مع صفحة رمضان: كان للأزهر الشريف منذ القدم دور جوهرى فى المحافظة على هوية مصر العربية والإسلامية، مما جعلها واسطة عقد العالم العربى والإسلامي.
ودور أسهم فى نهضة مصر الحديثة بشكل فاعل، وأول ما ينبغى أن يقدر للأزهر الشريف هو أن اللغة العربية وجدت فيه معقلا تأوى إليه فى عصور كانت اللغة التركية هى لغة حكام مصر، ثم تلتها اللغة الفرنسية لغة المستعمر، ثم اللغة الإنجليزية لغة المحتل، وأن هذه الدروس التى ظلت قائمة فى الأزهر حول علوم اللغة العربية من نحو وصرف وبلاغة مكنت اللغة العربية من أن تستمر لغة علم وثقافة إلى أن أدركها العصر الحديث بنهضته.
ملتقى طلاب العلم
ويتابع د. الجبة: والأمر الثانى هو أن الأزهر الشريف ظل ملتقى لطلاب العلم من المسلمين فى أقطار الأرض جميعا، فحقق نوعا من التماسك بين أطراف العالم الإسلامي، وحمى الإسلام من كثير من الخرافات التى كانت نفوس الجماهير الإسلامية مهيأة لها بسبب التخلف والجهالة الغاشية، واستطاع الأزهر أن يصهر ثقافات الأمة وعقولها وأمزجتها وطبائعها وألسنها التى اجتمعت فيه من مشارق الأرض ومغاربها فى بوتقة واحدة.
ونجح فى أن يفيض على أصحابها منهجا واحدا يناسبهم جميعا فى تحصيل العلوم والمعارف، ليرجع الواحد منهم إلى قطره وقد استنار بنور العلم عقله وقلبه، وتجافى عن مضاجع الجهل جنبه، ليتولى القضاء أو الإفتاء أو التدريس أو الخطابة، أو الولاية العامة، فتلمس الأمم والشعوب منهم الأثر الحميد، والرأى السديد، والحكمة العالية، وتنظر إلى علمائه ورجاله على أنهم دعاة الفضيلة، وحماة الشريعة، فتحصل الثقة من تلك الأمم والشعوب فى الجامع الأزهر، فتقذف إلى الأزهر الشريف بفلذات أكبادها وهى مطمئنة، فغدا فى سماء العلم هو الأوحد، الذى شهرة فضله لا تجحد؛ والأمر الثالث وهو أنه يسر للنهضة الحديثة، بما كان فيه من جد فى التحصيل، وتقدير للعلم أعدادا غير قليلة من الرجال الذين اعتمدت عليهم النهضة الحديثة، فقاموا بأعباء جسيمة فى ميادين الثقافة والسياسة والتمدن فى كل أنحاء المعمورة.
ويضيف للأزهر الشريف جهود فى الداخل والخارج متنوعة ومتعددة تجاوز بها الجانب العلمى والمعرفي، بما يبرْهن على أنه لم يكن معْقلا للعلم والمعرفة فحسب؛ بل تعددت أنشطته وإسهاماته، وتنوعتْ أدواره الإيجابية التى تسْهم فى البناء الحضاري.
وتدفع إلى الرقى الأخلاقي، وتؤدى إلى البناء المثْمر الفعال فى كل جوانب الحياة، مما نتج عنه أن صار منبعا للوطنية، ومنهجا للوسطية، وقبلة للدفاع عن قضايا الأمة، ومشْكلات العالم، وعلى المستويات المختلفة يعمل على علاج مشكلات الواقع.
ونشر قيم الحب والمودة والتعاون بين الإنسان وأخيه الإنسان، والرجوع بالإنسان إلى إنسانيته؛ فكان التواصل والحوار مع أتباع الشرائع السماوية والمذاهب الوضعية، والانفتاح على المؤسسات العلمية والبحثية والدولية بهدف العودة بالعالم إلى ما ينبغى أن يكون عليه قياما بالأمانة، وكل ذلك يكون بأسلوب علمى يلتزم به ومنهج دعوى يقوم عليه، معتمدا فى ذلك على أصوله التى يقوم عليها وينطلق منها، وباحثا عن غاياته وأهدافه التى يعمل من أجلها.
وأشار إلى أن الأزهر تفاعل مع المشكلات الكبرى والقضايا الرئيسة؛ من حيث تصحيح المفاهيم وتنقية الفكر ومعالجة الغلو والتطرف الفكري، والتركيز على رد المجتمع إلى صوابه من خلال بيان دوْر الأسرة، والتركيز على قضايا الوقْت ومشكلات الساعة، والعمل على إبراز عظمة الشريعة تجاهها من خلال الدعوة إلى التجديد فيها، وفتح باب النقاش حولها وصولا للرأى السديد والحلول القويمة بما يتناسب مع العصر، دون إهدار رأى أو معارضة أصل.
إنجازات أزهرية
ويضيف أنه إذا أردنا أن نحيط بجهود الأزهر الشريف فى الحقبة الأخيرة من مسيرته أو أن نحصرها فإن هذا شيء نعجز عن إدراكه؛ ولكننا نلقى الضوء فقط على أبرز جهوده الإصلاحية، وذلك من خلال: بيت الزكاة والصدقات المصري؛ وذلك لبث روح التكافل بين أفراد المجتمع المصري؛ وإنشاء بيت العائلة المصرية للحفاظ على النسيج الوطنى بين أبناء الشعب الواحد، والتصدى لأى فتنة تحدث داخل المجتمع، وإرساء أسس التعاون والتعايش، والمحافظة على السلام المجتمعي.
اقرأ أيضا | الإفتاء توضح مظاهر الأسلوب الأمثل لرعاية الأيتام
