من الواضح أن روسيا لا تخوض معركة عسكرية وحسب مع الغرب، بل معركة اقتصادية ضد النظام المالي العالمي الذي تسيطر عليه أمريكا وأوروبا، فمنذ ما يعرف بـ "صدمة نيكسون" 1971 لا يوجد دور حقيقي للذهب في النظام المالي العالمي سوى في حصة الدول من حقوق السحب الخاص SDR، كما أن لكل دولة حصة ونسبة محددتين من الذهب والعملات الوطنية والنقد الأجنبي عند تشكيل حقوق السحب الخاصة.
جميع العملات تستمد قوتها من العملات الأجنبية الأساسية، مثل الدولار واليورو، ووفق هذا النموذج كل دول العالم تعمل وتنتج السلع والخدمات من أجل الحصول على الدولارات، لذا تحول العالم إلى مصنع ينتج من أجل الحصول على الدولارات، وكلما كانت الدول أكثر قدرة على التصدير والإنتاج كانت عملتها الوطنية أقوى، نتيجة لتيار العملات الأجنبية الداخلة للاقتصاد، وتيار التصدير السلعي الخارج من الاقتصاد.
وبما أننا نتحدث عن جانب بسيط من عمل النظام المالي العالمي الذي يعد أداة من أدوت النظام الرأسمالي الذي شكل رفاهية الدول المنتجة للسلع والبترول والغاز والمعادن، كما لا يمكننا إغفال قوة المؤسسات المالية الأمريكية، إضافة إلى منهجية عمل سعر الفائدة الأمريكي، وحول أمريكا إلى بنك مركزي عالمي يمتص ويضخ أي كمية من الدولارات من خلال الإغراء بعوائد السندات الأمريكية، ولهذه الأداة وغيرها من الأدوات الأخرى في النظام الحالي، تتم تسويات التجارة العالمية وتقييم الديون والأصول بالدولار غالبا، بمعنى آخر أصبح الدولار معيارا مرجعيا.
أما تاريخيا، فترجع قوة الدولار إلى اتفاقية "بروتون وودز" بعد الحرب العالمية الثانية، توافقت دول العالم حين كان الدولار مقيما بالذهب آن ذلك، على تقييد صرف جميع العملات بهامش تذبذب بسيط مقابل الدولار، بهدف تقليص التذبذب وضمان استقرار سوق العملات أو ما يعرف بـ "الفوركس" وتشجيع التجارة بعيدا عن حروب سعر الصرف التنافسية التي تسببت في توقف التجارة عام 1933.
أخيرا: الذهب محيد عن السياسات النقدية ولا يوجد أي ارتباط بينهما باستثناء استخدامه احتياطيا للبنوك المركزية بشكل مقنن وللضمانات في بعض الديون، لذا الشواهد تؤكد أنه لا يوجد نظام اقتصادي متكامل وجاهز بديلا للرأسمالية الحديثة وأدواتها، وما ربط الروبل الروسي بالذهب وشراء الغاز بالروبل وتبادل السلع بالعملات الوطنية إلا أدوات دفاعية لتماسك سعر الصرف، ويمكننا وصف ذلك بأنها أدوات ضغط ولا يمكن النظر إلى أبعد من ذلك، في ظل تباين تكنولوجي واقتصادي مع الغرب. أما من الناحية العملية وتحقيق ازدهار أو تمويل حرب فلا يمكن لروسيا أو غيرها الاعتماد على مثل تلك الأدوات، لأنها تحد قدرات الحكومة على الإنفاق أصلا، كما لا يمكن للدول مجتمعة التوسع في ربط عملاتها بالذهب، لأنه سيقيد حجم التجارة العالمية، ولا يوجد ما يكفي من ذهب حتى الآن يغطي حجم التداولات التجارية.
* نقلاً عن صحيفة "الاقتصادية".
