أصبح الغاز نقطة ضعف السياسات الأوروبية، في سعيها لردع الهجوم الروسي على أوكرانيا اقتصادياً، لكون روسيا تؤمّن 40% من احتياجات أوروبا من الغاز، أي ما يعادل 126 مليار متر مكعب، لم تجد أوروبا حتى الآن موردين آخرين لسدّها، ما يعزز تشبثها بتلك الواردات، ويبرز شقاقاً سياسياً كبيراً بين دول الاتحاد حول اتخاذ قرار التخلي عنها.

هذا ما أكده وزير المالية الألماني كريستيان ليندنر، يوم الاثنين، إذ قال إن بلاده لا يمكنها الاستغناء عن إمدادات الغاز الروسي "في الوقت الراهن" وإن العقوبات المفروضة على موسكو في هذا القطاع ستضر الاتحاد الأوروبي أكثر من روسيا. وأوضح ليندنر: "يجب أن نبحث فرض عقوبات صارمة، لكن في الوقت الراهن، لا يمكن استبدال إمدادات الغاز الروسي" وأن قطعها "سيضرنا أكثر من روسيا".

بالمقابل، يفرض هذا الوضع على الأوروبيين البحث عن بدائل للخروج من الرضوخ لرحمة موسكو. ومنها خيار الطاقة النووية، الذي يلّوح عدد من الدول الأوروبية بالرجوع له.

رجوع إلى الطاقة النووية

قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا، ساد توجه في أغلب الحكومات الأوروبية نحو التخلي عن الطاقة النووية، بل وعرفت صياغة "الاتفاق الأخضر" الأوروبي نقاشات طويلة بين الدول الأعضاء حول ما مدى أمان ونظافة ذلك النوع من الطاقة.

في بلجيكا، التي لا تعتمد بالشكل الكبير على الغاز الروسي، دفعت الحرب الحكومة إلى التراجع وإرجاء مخططه للتخلص التدريجي من المنشآت النووية التي تولد نصف طاقة البلاد. وقال وزير الطاقة البلجيكي تينين فان دير شترايتن، في أوائل مارس/آذار الماضي، إن خطة التخلص التدريجي جاهزة ومجدية، "لكننا بحاجة إلى إعادة تقييم الموقف مع أوكرانيا".

وفي فرنسا، أعلن رئيسها إيمانويل ماكرون في فبراير/شباط الماضي، تعزيز بلاده قدراتها الطاقية بـ14 مفاعلاً نووياً جديداً على أراضيها. وأوضح ماكرون وقتها أن "هذه الخطوة تأتي بالنظر إلى تزايد احتياجات البلاد للكهرباء، كما الحاجة إلى استباق الانتقال الطاقي، والذي لا يمكن تمديده إلى أجل غير مسمى". فيما تسد فرنسا 70% من حاجاتها الطاقية من الطاقة النووية.

وفي ألمانيا، أغلقت الحكومة السنة الماضية 3 منشآت نووية كانت تستعملها في توليد الطاقة، كما قررت إغلاق ست منشآت أخرى بنهاية 2022، ويتمسك الائتلاف الحاكم في برلين بالتخلص من الطاقة النووية. بالمقابل، يدور نقاش عام للتراجع عن هذه القرارات، وطالب رئيس الحكومة المحلية بولاية بافاريا، ماركوس زودر، بتمديد عمل محطات الطاقة النووية في ألمانيا لعدة سنوات.

وبرر زودر مطلبه قائلاً: "بالطبع من الممكن التمديد من الناحية التقنية البحتة، لكن الأمر يتعلق الآن بالإرادة السياسية.. أعتقد أن التمديد لمدة ثلاثة إلى خمسة أعوام في هذا الوضع الطارئ سيكون مرحلة انتقالية جيدة لإنتاج كهرباء رخيصة، وفي الوقت نفسه ليس لها تأثير على المناخ.. سيكون ذلك الآن هو النهج السليم".

وغير بعيد عن الاتحاد، في جارته بريطانيا، حيث تُخطط حكومة المملكة لبناء 7 محطات جديدة للطاقة النووية بديلًا للغاز الروسي، ضمن توسعات ضمان أمن الطاقة، عقب التلويح الروسي بإمكان قطع الإمدادات. وبحلول عام 2050، ستقضي الخطط البريطانية بامتلاك ما يتراوح بين 6 أو 7 محطات نووية بمواقع مختلفة.

وتعوّل المملكة المتحدة على إسهام الطاقة النووية في تعزيز مزيج الكهرباء البريطاني بعيداً عن الوقود الأحفوري، إذ يسعى رئيس الحكومة بوريس جونسون لرفع حصتها إلى 25% بحلول منتصف القرن الواحد والعشرين.

طاقات بديلة ومتجددة

وإضافة إلى خيار الطاقة النووية، الصعب والذي يتعرض لانتقادات عدة، تعمد بريطانيا لتعزيز قدرات توليد طاقتها من الطاقات المتجددة. حيث يدرس وزراء بريطانيون رفع معدلات توليد الكهرباء من توربينات الرياح البرية إلى 30 غيغاواط بنهاية العقد الجاري، انطلاقا من 14 جيغاواط التي تولدها الحالية.

ودعا وزير النقل البريطاني، غرانت شابس، إلى التركيز على إنتاج طاقة الرياح البحرية بصورة أكبر رغم تراجع خطط مضاعفتها بحلول عام 2030، مشيراً إلى وجود مواقع عدّة ملائمة لبناء محطات كبيرة لطاقة الرياح البحرية.

علاوة على ذلك، سبق وأعلن كل من بريطانيا والمغرب مشروعهما لبناء أطول كابل كهربائي تحت سطح البحر في العالم، يمتد على مسافة 3800 كيلومتر، وتبلغ قيمة إنجازه 16 مليار جنيه إسترليني. وذلك من أجل استيراد المملكة المتحدة الكهرباء التي تولدها محطة نور المغربية للطاقة الشمسية، بمقدار يسد حاجة أكثر من 7 ملايين منزل بريطاني.

تمتد محطة نور المغربية، التي افتتحت سنة 2016، على ما يزيد على 1.4 مليون متر مربع، مكونة من أربعة حقول لتوليد الكهرباء، في جنة شمسية وسط الصحراء لها 320 يوماً في السنة من الموارد الكهروضوئية المتاحة. فيما يبلغ إنتاجها الآن، حسبما كان مرصوداً من برامج، 2000 ميغاواط/ساعة من الكهرباء النظيفة.

TRT عربي