الخبير الاقتصادي عمر الكتاني: لولا مقاومة الجواهري لسقط الدرهم والنقد الدولي يريد بنا الهلاك


  • محمد كريم بوخصاص

يعتبر عمر الكتاني من الخبراء الاقتصاديين المغاربة القلائل الذين يدعون إلى عدم التعامل مع المؤسسات المانحة، حيث يدافع باستماتة عن “السيادة الاقتصادية” الوطنية ويحذر باستمرار من مغبة اللجوء إلى الاقتراض من الخارج، لذلك أثنى على إعلان والي بنك المغرب عدم المرور للمرحلة الموالية من تحرير الدرهم، وحياه على العبارات التي استعملها في الرد على “توصية” صندوق النقد الدولي باستكمال مسار التحرير الشامل للعملة المحلية، وفي هذا الحوار نتساءل مع الكتاني عن مدى قدرة المملكة على الصمود في وجه إملاءات النقد الدولي وما ينبغي للمغرب فعله لحماية اقتصاده من أي تدخل خارجي.

 أعلن والي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري قبل أيام، عن عدم المرور إلى المرحلة التالية من تحرير صرف الدرهم، بل خاطب صندوق النقد الدولي قائلا: «المغرب لن يرضخ لكم (…) قولوا ما تريدون واكتبوا ما شئتم، نحن نعرف أوضاعنا الداخلية أحسن منكم»، ما رأيكم؟

الشخص الوحيد الذي يقاوم إملاءات صندوق النقد الدولي حاليا هو والي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري، ولولا مقاومته التي يُظهرها لكان الدرهم المغربي في حمى الله اليوم، علما أن مقاومة سي الجواهري لا تقتصر على «النقد الدولي» وحده، بل تمتد إلى اللوبي البنكي وتأثيرات الدولة من خلال وزارة الاقتصاد والمالية أيضا، ويرجع الفضل إليه في حفاظ الدرهم على قيمته، والتي لم تحققها أي دولة عربية أخرى ممن تساقطت عملاتها.

إن الضغوط التي يمارسها صندوق النقد الدولي من أجل تعويم الدرهم هي أحد تجليات سيطرة الغرب على الاقتصاد العالمي، على غرار سيطرته على التجارة العالمية من خلال منظمة التجارة، ولقد ظهر هدف رئيسي لصندوق النقد الدولي منذ الحرب العالمية الثانية وهو دعم الاقتصادات الغربية على حساب اقتصادات العالم الثالث، وبالنسبة للمغرب فبعد دفعه إلى إزالة صندوق المقاصة ورفع الدعم عن المواد الأساسية جاء الدور على تعويم عملته المحلية.

في الأصل، فإن تعويم العملة دليل على أن الاقتصاد الذي تنتمي إليه في حالة ضعف، لذلك فإن تعويم الدرهم سَيُضعِف قيمته، وسيدفع المضاربين في السوق تلقائيا إلى بيع العملة في البورصة ما سيؤدي إلى انخفاض قيمتها، الأمر الذي سيؤثر على وضعية الاستثمارات المغربية في إفريقيا، وسيزيد كلفة الاستيراد، مما سيلحق خسارة فادحة بالاقتصاد الوطني، خاصة أن وارداتنا هي ضِعفَي قيمة الصادرات.

سيؤدي انخفاض قيمة الدرهم أيضا إلى ارتفاع الاستثمارات الأجنبية بالمغرب، حيث ستلجأ الشركات الأجنبية إلى اقتناء الرأسمال المغربي بكلفة رخيصة جدا، ما سيسهم في زيادة التدخل الاقتصادي للدول الغربية.

وأمام هذه المخاطر، ولحسن الحظ لدينا رجل مناضل حاد الذكاء ووطني خَدَم الاقتصاد المغربي منذ أزيد من 30 سنة، يدافع باستماتة عن الدرهم المغربي، وشخصيا لم تفاجئني مقاومته وإحباطه خطة صندوق النقد الدولي لإضعاف الدرهم المغربي.

ماذا يعني حديث الجواهري عن عدم المرور للمرحلة الثالثة من تحرير الدرهم؟ هل معنى ذلك التخلي نهائيا عن التحرير الكلي؟

تحت الضغوط الممارسة عليه، بدأ المغرب خطة تحرير الدرهم بشكل جزئي، وكان الهدف في المرة الأولى الوصول إلى التحرير الشامل في غضون عشرين عاما، قبل أن تتواصل الضغوط لتقليص المدة، لكن في ظل الوضع الخطير الذي نعيشه اليوم، مع ارتفاع كلفة استيراد القمح والبترول بأزيد من 30 في المائة أصبح المرور للمرحلة الموالية من التعويم مبعث خطورة بالغة.

والحمد لله أن هناك رجلا عاقلا خرج ليواجه صندوق النقد الدولي الذي يريد الهلاك للاقتصاد الوطني. ونستطيع أن نستمر في مواجهته بتخلينا عن سياسة الاقتراض منه ونهج سياسة التقشف، لأن حجم الضغوط التي يمارسها على الاقتصادات كبير جدا، ويمكن النظر كنموذج إلى الانهيار الذي يعرفه الجنيه المصري حاليا بسبب اعتماد جمهورية مصر بشكل كلي على الاقتراض، حيث أصبح الدولار الواحد يُساوي 18.5 جنيه، كما أصبح الجنيه يُعادل 0.60 سنتيم مغربية بعدما كان يعادل في فترة سابقة 10 دراهم مغربية.

المطلوب اليوم من أجل الحفاظ على السيادة الاقتصادية للمغرب العيش وفق إمكانياته المالية دون اللجوء إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي، لأن اللجوء معناه توليد ضغوط جديدة من أجل تعويم الدرهم، وهو ما سيقضي على استثماراتنا في إفريقيا وسيدفع المستثمرين الأجانب إلى اقتناء حصص مهمة من الشركات الوطنية، على غرار ما حصل مؤخرا باقتناء شركة أمريكية أسهما في المكتب الشريف للفوسفاط.

 لكن هل بمقدور الدولة التقشف؟

مادمنا مقبلين على شهر رمضان، فينبغي أن نتساءل عن الحكمة الإلهية من سن الصوم لشهر في السنة، وهي أننا نصوم لتقوية المناعة وليس لنجوع، ويمكن إسقاط هذه الحكمة على اقتصاد الشعوب، فإذا استطاعت الدولة التقشف ـ والحديث هنا عن الدولة وليس الشعب لأنه متقشف – فإنها ستُقوي مناعة الاقتصاد الوطني، ويمكن تحقيق ذلك بخفض نمط العيش المرتفع لجهاز الدولة، وذلك عبر توقيف الامتيازات الممنوحة للموظفين الكبار والتي حصرها البنك الدولي في أزيد من مائة امتياز.

نحن في حالة حرب اقتصادية خلقتها ظروف دولية، لذلك يبقى التدبير الوحيد الفعال للتقليل من المخاطر هو التقشف، وإذا لم نلجأ إلى هذه السياسة فسنكون مضطرين مجددا إلى طلب مزيد من القروض من صندوق النقد الدولي والذي سيشترط تعويم العملة، وإذا لجأنا إلى ذلك فاقرأ صلاة الغائب على الدرهم المغربي.

 إلى أي مدى يستطيع المغرب مقاومة ضغوط صندوق النقد الدولي؟

المدخل الوحيد هو توقيف مسلسل الاقتراض من صندوق النقد الدولي بكل السبل، لأن هذا المسلسل هو الذي أنهك شعوب العالم الثالث، وأدخل الاستعمار إلى بلادنا، ويساهم في تكبيد عدد من الاقتصاديات الإفريقية خسائر فادحة.

إن اللجوء للاقتراض ـ على غرار ما حصل مؤخرا باقتراضنا 1.1 مليار درهم – معناه أن الدولة تستهلك أكثر من طاقتها، وإذا كان بنك المغرب يقوم بمجهود جبار من أجل مقاومة ضغوط التعويم، فإن الدولة مطالبة بالقيام بالمجهود ذاته وترشيد النفقات عبر التخلي عن الكماليات مثل أسطول السيارات المخصص للإدارات والتقليل من مصاريف تنقل الموظفين السامين وغيرها.

المشكل أن مستوى المديونية بلغ اليوم 94 في المائة من التاج الداخلي الخام، وذلك يعني شيئا واحدا وهو أن الدولة مطالبة بالكف عن الأكل والشرب لعام كامل حتى تستطيع رد الديون الموجودة على عاتقها، لذلك يبقى التقشف الحل الوحيد أمامها، وأتمنى أن يعي المسؤولون ذلك، وحتى المواطنون بإمكانهم المساهمة في هذا المجهود الوطني عبر التخلي عن بعض العادات الاستهلاكية السيئة، من قبيل التقليل من استهلاك الزيت والسكر لأنهما مضران بالصحة، وأيضا التقليل من استهلاك المشروبات الغازية التي تستهلك كمية كبيرة من السكر، والتقليل من استهلاك اللحوم الحمراء واللجوء بدلا من ذلك إلى استهلاك اللحوم البيضاء والأسماك.

من جهة الدولة، هناك حلول عديدة أمام الدولة للتقليل من أتعابها، من بينها التخفيض من مصاريفها العمومية، من قبيل خفض الأجور المرتفعة لممثلي الشعب من الوزراء والسفراء والبرلمانيين بعشرين في المائة على الأقل، وإذا لم نتخذ هذه التدابير فنحن لا نحترم أنفسنا ولا نحترم شعوبنا ولا مستقبل لنا في هذا البلد الذي ينعم بالأمن الاجتماعي بما له من كلفة، والدولة ليست مدعوة إلى الاقتصاد من الجيوب الضعيفة بل من الجيوب التي لديها امتيازات أيضا، وذلك من أجل الخروج من عنق الزجاجة التي أدخلتنا إياها ثلاثية الحرب الأوكرانية الروسية والجفاف والتداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا.

وإذا كانت الدولة تخشى باتخاذ مثل هذه القرارات الظهور بمظهر الدولة الفقيرة، فليكن، لأن الأهم في المرحلة المقبلة هو الحفاظ على كرامتنا وأن نتخلص من التبعية لصندوق النقد الدولي ونحافظ على سيادتنا الاقتصادية، ولن يتحقق ذلك دون التقليل من الاستهلاك وخفض حجم إنفاق الدولة، وأن نقول لصندوق النقد الدولي «لقد وصل السيل الزبى!».

 أليس القول بعدم اللجوء إلى الاقتراض من النقد الدولي شعبوية، خاصة أن كل دول العالم تلجأ إليه لتجاوز الأزمات الاقتصادية بما فيها الدول الكبرى؟

إن المقارنة بين المغرب والدول الكبرى في الاقتراض أمر لا يستقيم، صحيح حتى الولايات المتحدة الأمريكية تلجأ إلى الاقتراض لكنها تؤدي ما بذمتها عن طريق طبع الدولار بدون رصيد من الذهب، لأن لا أحد يراقبها، وعندما تطبع الدولار بدون رصيد فإن الصين واليابان يشترونه منها خوفا من سقوط قيمته، وبالتالي فإن أمريكا تعيش على حساب الآخرين، ولا يهمها اللجوء إلى الاقتراض لأنها تعرف السبيل إلى سداده، كما أن عملتها تهيمن على السوق التجارية العالمية، وكل دول العالم ستتداعى لمنع انهيار الدولار.

بالنسبة للدول الغربية الأخرى فإنها تلجأ إلى الاقتراض أيضا، لكنها تتوفر على جهاز صناعي وبنية اقتصادية واسعة تشكل ضمانة لها عند اللجوء إلى الاقتراض، ولا يمكن مقارنة وضع المغرب بوضع هذه الدول الرائدة على مستوى التصنيع والإنتاج والابتكار.

إن موازنة المغرب لا تتجاوز 120 مليار دولار وهي أقل بأزيد من عشرين مرة عن فرنسا، فهل تستقيم المقارنة بين المغرب وفرنسا ـ مثلا – عند اللجوء إلى الاقتراض؟ لدى فرنسا بنية صناعية وموارد وخبرات تستقطب بها العالم كله، كما أن لديها طاقة لصناعة الأسلحة، فيما نحن نشتري القمح والأسلحة والبترول وكل شيء من الخارج، بما في ذلك الإبرة التي نخيط بها.

تركيا مثلا إذا لجأت إلى الاقتراض من الخارج فهي ليست كالمغرب، لأنها تستطيع تموين الدول المجاورة من صناعة النسيج، كما أنها تنافس الصين في صادراتها، وتتوفر على 170 جامعة وليس 17 جامعة مثل المغرب، لذلك من السذاجة أن نقارن أنفسنا بها أو بغيرها من الدول الكبرى، ونحن لم نستطع منافستها حتى على مستوى التبادل الحر، حيث أن الميزان التجاري معها مختل لصالحها.

تخيل أن غالبية الدول التي نرتبط معها باتفاقيات تبادل حر نجد أن الميزان التجاري معها مختل لصالحها، بما في ذلك تونس، باستثناء دولة واحدة هي الأردن التي تعيش على الدعم الخارجي.

في الأخير دعني أقولها بصراحة، إن صمود بنك المغرب تُفسده السياسة الاقتصادية الريعية الموجودة في الاقتصاد المغربي، والتي تتمثل في ريع الدولة وريع القطاع الخاص وريع القطاع الأجنبي.

تاريخ الخبر: 2022-04-09 18:17:43
المصدر: الأيام 24 - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 63%
الأهمية: 76%

آخر الأخبار حول العالم

بركة : مونديال 2030.. وضع خارطة طريق في مجال البنيات التحتية

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-03 03:24:53
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 64%

بوريطة يتباحث ببانجول مع نظيره المالي

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-03 03:24:56
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 55%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية