أصدر المركز المصرى للدراسات الاقتصادية ، تقريرًا جديدا بعنوان: “كيف نتحول بمنظومة العمل في مصر لتتواكب مع الاتجاهات العالمية؟ من واقع تجارب الصين، تركيا والإمارات” ضمن سلسلة تقارير رأى فى أزمة – محركات التغيير، والمعنية بالأساس بطرح محاور العمل الاستراتيجية لمرحلة ما بعد الكورونا على صعيد الاقتصاد المصرى، أخذا في الحسبان الوضع الاقتصادى العالمى الجديد الذى فرضته الأزمة.

وأشار التقرير إلى أن تطوير المنظومة المتكاملة للعمل فى هذه المرحلة تعد أحد محركات التغيير الأساسية لعدة أسباب، حيث يلعب التوظف وتنشيط سوق العمل دورا حيويا فى أى دولة كمصدر للإنتاج، بالإضافة إلى تسارع وتيرة التغيرات العالمية الكبرى من تحولات تكنولوجية وديموغرافية، مع تغير طبيعة الوظائف الجديدة التى صاحبت ثورات التكنولوجيا الرقمية والصناعية وما يتطلبه من مهارات تعليمية ومستوى جاهزية من نوع آخر، وما فرضته جائحة كوفيد 19 من تغييرات، بالإضافة إلى الاختلالات الهيكلية التى يعاني منها سوق العمل المصرى وارتفاع معدلات البطالة، وهو ما يتطلب رفع الجاهزية المصرية لمواجهة هذه التطورات المتسارعة من خلال القيام بمجهود مضاعف في استيعاب المفاهيم الجديدة والتعامل مع تطورات سوق العمل.

وأوضح التقرير أن التغيرات التكنولوجية المتسارعة، وتنشيط الطلب على المهام الوظيفية الجديدة وما تحمله من تنوع فى المهارات، إلا أنه قد يتم تثبيط هذا الأثر الإيجابي لما تسببه تلك التقنيات من إرباك للقوى العاملة، حيث سيؤثر التبني التكنولوجي سلباً على وظائف العمال من خلال إزاحة بعض المهام التي تؤديها القوة البشرية، ويقدر عدد الوظائف التي قد يتم استبدالها بالآلات بحلول عام 2025، بنحو 85 مليون وظيفة، بينما قد يظهر 97 مليون وظيفة جديدة أكثر تكيفا مع التقسيم بين البشر، الآلات والخوارزميات.

واستعرض التقرير أبرز 20 وظيفة يتوقع تراجع الطلب عليها، وعلى رأسها: موظف إدخال البيانات، و السكرتارية الإدارية والتنفيذية، وأعمال المحاسبة وموظفي كشوف جداول المرتبات، والمحاسبين، وعمال المصانع، وعمال البناء، فى مقابل أبرز 20 وظيفة يزداد الطلب عليها يأتى على رأسها: محللو وعالمو البيانات، وأخصائيو الذكاء الاصطناعى، وأخصائيو البيانات الضخمة، وأخصائيو التسويق الرقمى، وأخصائيو التحول الرقمى، وهو ما يشير إلى تراجع الطلب على الوظائف التقليدية، مقابل زيادة الطلب على نوعية جديدة من الوظائف تتطلب مهارات متخصصة جديدة.

واستعرض التقرير تجارب ثلاثة دول نجحت فى التعامل مع التغيرات الحديثة لسوق العمل، وهى الصين كنموذج لدولة رائدة، وتركيا مثال لدولة منافسة لمصر، والإمارات كدولة مجاورة لمصر، وارتكز التقييم على ثلاثة أركان لمنظومة التكيف مع التغيرات التكنولوجية فيما يخص سوق العمل بشكل مباشر، والأوجه الأخرى للنشاط الاقتصادى بشكل غير مباشر، وهم: الإطار المؤسسى، والإطار المعلوماتى، وإطار ثالث يرتبط بمنظومة المتابعة والتقييم لمواكبة التطوير التكنولوجى وضمان استدامته.

وأكد التقرير أنه من واقع قراءة هذه التجارب، فقد تبين أن تركيز هذه الدول لم ينصب على تطوير العمل لديها بقدر ما ركزت جهودها بشكل أساسي في تطوير المنظومة الأم والتى ترتكز على تطوير منظومة التعليم، وما يخدم عليها من بنية تكنولوجية محدثة، واستكمال كل ذلك بمدن تكنولوجية ذكية، وهو ما نتج عنه توليد تلقائي لفرص عمل ملائمة وتكيف تدريجي لسوق العمل مع الواقع الجديد، ومن هنا تحديدا جاء نجاح هذه الدول كنتيجة مباشرة للنظرة الشمولية والذكية لمنظومة التغيير.

وأوضح التقرير أن أهم مقومات النجاح من واقع التجارب السابقة، تتمثل فى: أن الخطة التنفيذية تتم بتوجيه من الحكومة المركزية وبمساعدة المنظمات المدنية والإدارات التعليمية، وإشراك الشباب في الإدارة المؤسسية لعملية التطوير التكنولوجي، مع البدء بإدراج المهارات الحديثة في مؤسسات التعليم العالي أولاً وخاصة في تخصصات التربية والتعليم ثم المراحل الأساسية من التعليم، بالإضافة إلى شراكات أجنبية مع أكثر من دولة فيما يتعلق بتوطين المهارات الحديثة.

كما تضمنت مقومات نجاح التجارب الدولية: الانتقال بمستوى التعليم الفني إلى المستويات الدولية بما يخدم التجارة الخارجية، ووجود قاعدة بيانات قوية وشاملة وموحدة على مستوى المراحل التعليمية منذ الصغر، ووجود وحدات تقييم بصفة دورية للمنظومة ككل، بجانب تحقيق مستوى متكافئ من الفرص بين المناطق التعليمية.

واستعرض التقرير واقع سوق العمل المصري الذي يعاني من اختلالات كبيرة تمثل فى وجود فائض فى العرض والطلب فى نفس الوقت، وضعف الأطر المؤسسية الحاكمة له وعدم استجابته للتحديات التي طرأت على سوق العمل نتيجة التغيرات المحلية والعالمية، وهو ما انعكس على خصائص سوق العمل فى مصر من ارتفاع لمعدلات البطالة بين المتعلمين خاصة خريجى التعليم الجامعى، وتدني وضع المرأة فى سوق العمل، وارتفاع معدلات البطالة فى المناطق الحضرية بمرتين ونصف عن المناطق الريفية، رغم تمركز الأنشطة الصناعية بالحضر.

وأشار التقرير إلى أن التأثير السلبى لضعف منظومتي التعليم والعمل على فرص مصر المستقبلية فى الأجيال القادمة، يظهر بشكل مضاعف، حيث تعكس طبيعة الحلقة المفرغة التي يدور في محيطها طلاب التعليم والخريجين، خاصة الحكومى، والمتمثلة فى البطالة والفقر والقطاع غير الرسمي.

واقترح التقرير عدد من التوصيات المطلوب القيام بها فى مصر للنجاح فى التعامل مع الواقع الجديد لسوق العمل وفق 3 أبعاد، الأول يتمثل فى إطار مؤسسى متماسك، والثانى يتمثل فى البعد المعلوماتى، والثالث هو البعد الخاص بمنظومة المتابعة والتقييم.

بالنسبة للبعد الأول، يشير التقرير إلى 4 مقومات للنجاح تتمثل فى تصميم سليم يتضمن الحوكمة السليمة لخطة التطوير، وخطة تنفيذية موحدة وشاملة فى أهدافها ومتنوعة فى إطارها الزمنى، وخطط تمويلية متسقة ومستدامة، ومنظومة متكاملة لتطوير المعلم.

وفيم يتعلق بالبعد المعلوماتى، فتتمثل مقومات النجاح فى: توطين مستدام للمهارات الحديثة، وتطوير شامل ومحدث للمحتوى التعليمى، وتعميم النظام التعليمى على مستوى الجمهورية بشكل تدريجى لضمان تكافؤ الفرص.

وأخير البعد الخاص بمنظومة المتابعة والتقييم، فتتمثل أهم مقومات النجاح فى وجود قاعدة بيانات موحدة وشاملة وساء على مستوى المراحل التعليمية وربطها ببيانات سوق العمل، ووجود منظومة شاملة للمتابعة والتقييم على مستوى الجمهورية، وآلية تقييم موضوعية تتحقق خلالها الحوكمة السليمة.