متناسياً دعم تركيا التي تحاول إنهاء الحرب منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا صباح 24 فبراير/شباط الماضي، أشاد الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، في كلمة أمام البرلمان اليوناني قبل أيام، بمنظمة فيليكي إيتريا (Filiki Eterya) اليونانية التي تمردت ضد الإمبراطورية العثمانية عام 1821 وقتلت عشرات الآلاف من الأتراك المدنيين في بيلوبونيز وكريت.

كلمات المديح التي انهال بها زيلينسكي على منظمة فيليكي إيتريا اليونانية التي تعني "جمعية الصداقة" باللغة العربية والتي خلدها التاريخ بمجازرها ضد الأتراك المدنيين، ملأت البرلمان اليوناني بالحماسة وأجبرت أعضائه على الوقوف على الأقدام والتصفيق بحرارة لخطاب الرئيس الأوكراني.

ومذكّراً بأن فيليكي إيتريا تأسست في أوديسا التي تقع في أوكرانيا حالياً، قال زيلينسكي: "أطلق الثوار اليونانيون على العالم اسم الاستقلال أو الموت. نقول نفس الشيء اليوم. تماماً كما في الماضي، أصبحت أوديسا، مركز الهيلينية، مهددة الآن. لهذا يمكننا اليوم إنشاء فيليكي إيتريا بين اليونان وأوكرانيا".

ما منظمة فيليكي إيتريا؟

تأسست منظمة فيليكي إيتريا في مدينة أوديسا التي تقع اليوم ضمن الأراضي الأوكرانية وتتعرض لحصار روسي خانق لإسقاطها والاستيلاء عليها بغية فصل أوكرانيا عن البحر الأسود، عام 1814 من قبل ثلاثة يونانيون بهدف تحقيق "فكرة ميغالي"، أي "اليونان الكبرى"، من خلال الاستيلاء على إسطنبول وغرب الأناضول.

بدأ التمرد الأول في والاشيا-مولدوفا، التي كانت تحت الإدارة اليونانية في ذلك الوقت، والتي أصبحت الآن داخل حدود رومانيا. لكن الإمبراطورية العثمانية نجحت في قمع محاولة التمرد هذه التي لم تجد الدعم الكافي من الخارج والسكان المحليين.

في أعقاب ذلك تمكن جزء كبير من المتمردين المشتتين من المرور إلى بيلوبونيز، حيث كانت البيئة هناك مواتية للغاية لمنظمة فيليكي إيتريا لإشعال التمرد اليوناني ضد العثمانيين عام 1821. ونتيجة لذلك، اندلعت الأحداث في شبه جزيرة بيلوبونيز وقتل الآلاف من الأتراك بوحشية.

بيلوبونيز.. نقطة الانطلاق

ضم العثمانيون تحت لواء السلطان محمد الفاتح شبه جزيرة بيلوبونيز "موريا" إلى الأراضي العثمانية عام 1460. وطوال 3 قرون ونصف عاش الناس من مختلف الأطياف والديانات معاً في سلام في تلك المنطقة، فيما كانت مدينة تريبولي بمثابة موقع استراتيجي مهم في شبه الجزيرة الواقعة أقصى جنوب اليونان اليوم.

وما أن اندلعت التمردات في البلقان ودول أخرى حتى بدأ المدنيون الفارون من الثورات التي جرى إخمادها في الشمال التوافد إلى بيلوبونيز التي اعتبروها آمنة نسبياً في تلك الفترة.

وفي أعقاب موجات النزوح التي شهدتها شبه الجزيرة وما رافقها من غياب للقوة العسكرية العثمانية الرادعة في المنطقة سنحت الفرصة للمنظمة اليونانية في إشعال التمرد بشبه الجزيرة في 22 فبراير/شباط 1821، وبدؤوا مهاجمة المسلمين واليهود الذين يعيشون هناك منذ أكثر من 360 عاماً، والذين لم يعتقدوا أبداً أنهم سيقتلون على يد جيرانهم. لذلك لم يكونوا مستعدين لمواجهة الجماعات المتمردة التي تلاحقهم وتقتلهم، ناهيك بالمجزرة التي ستشهدها تريبولي بعد 7 شهور.

مجزرة تريبولي

مجزرة تريبولي عام 1821 (Others)

شهدت الأشهر الـ9 الأولى من عام 1821 نمو موجات التمرد في بيلوبونيز وازداد معها أعداد اليونانيين المشاركين في التعذيب والقتل بشبه الجزيرة واستمرت معها أعمال التدمير والتخريب. وفي يوم 23 سبتمبر/أيلول من عام 1821 دخل الموت بوابة مدينة تريبولي.

وخلال الـ3 أيام التي تلت الاستيلاء على المدينة جرت إبادة المسلمين إلى جانب اليهود والمسيحيين من أنصار الإمبراطورية العثمانية ورعاياها في المدينة المنكوبة، وضُرب باتفاقية خروج المدنيين بأمان من المدينة التي وقعها المتمردون مع ممثلي المسلمين عرض الحائط، وبدأ الموت يجتاح كل ركن في تريبولي.

وتوجد شهادات من قبل العديد من الجنود الأوروبيين والمؤرخين والقادة اليونانيين حول مذبحة تريبولي، أهمها شهادة الكاتب الأمريكي مكارثي الذي وصف ما حدث وقتها بالتالي: "لمدة ثلاثة أيام، استسلم المدنيون الأتراك الفقراء لشهوة حشد من المتوحشين وقسوتهم. لم يفرقوا بين الجنس ولا العمر. حتى النساء والأطفال تعرضوا للتعذيب قبل قتلهم. كانت المذبحة على نطاق واسع لدرجة أن أحد قادة التمرد ويدعى كولوكوتوريس قال إنه عندما دخلت المدينة بدءاً من بوابة الحصن العليا، لم تلمس قدم حصاني الأرض أبداً، إذ كان مسار موكب النصر الذي كان يتقدمه ممهداً بأكوام من الجثث".

وتشير التقديرات إلى مقتل ما يصل إلى 25 ألف مسلم تركي في مدينة تريبولي وحدها. وبينما قُدر أن أكثر من 90 ألف مسلم كانوا يعيشون في بيلوبونيز قبل بدء التمرد، لم يتبقَّ أي أثر لهؤلاء السكان مع إعلان الاستقلال، حيث جرى ذبح معظمهم خلال أعمال الشغب.

TRT عربي