محمد الباز يكتب يوميات الاختيار (10): «تسييس المساجد».. كيف انتهك الإخوان حرمة بيوت الله؟

لو سألتك: ما الذى يعنيه المسجد بالنسبة لك إذا كنت مسلمًا؟ وما الذى تعنيه لك الكنيسة إذا كنت مسيحيًا؟ 

دون تفكير ستقول لى إن المسجد أو الكنيسة هو البيت الذى تلتقى مع الله فيه، صحيح أن الله موجود فى كل مكان، لا يغادرنا طرفة عين، لكن بيوته تمثل لنا حالة خاصة، فأنت تذهب إليه وتعرف أنك ضيفه، وعلى المستضيف أن يكرم ضيفه. 

أنت تذهب إلى الله وحده، تصلى له، تتحدث معه، لا أحد يدخل فى المساحة الخاصة بينك وبينه، وعندما تغادر المسجد أو الكنيسة يتجدد شوقك إليهما، فتعود، وأنت على ثقة أن هذه بيوت للعبادة فقط. 

الأمر يختلف عند الإخوان المسلمين، فالمسجد بالنسبة لهم ليس إلا أداة، لا يتورعون عن استخدامها لتحقيق أهدافهم التى كانت كثيرة، وتخيل أنت هذه الجماعة البراجماتية التى كانت وما زالت تتعامل مع الله على أنه سلعة، وتنظر إلى بيوته جميعها على أنها مجرد سوق. 

مشهد واحد فى الحلقة العاشرة من «الاختيار ٣» لخص لنا حقيقة تعامل الإخوان ومن يسيرون على طريقهم مع المساجد. 

يقف خطيب المسجد، قبل الاستفتاء على الدستور الإخوانى ليقول للمصلين: قال الله تعالى «يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم»، وإحنا الحمد لله وقد منّ الله علينا بأولى أمر يعرفون الإسلام حق معرفته، وواجب علينا اتباعهم وعدم إعطاء الفرصة لمعارضيهم أن يهدموا الدين. 

يهاجم الخطيب الإخوانى معارضى الجماعة، فيقول عنهم: معارضوهم اللى اليهود مشغلينهم وبيدفعوا لهم فلوس ليفسدوا دينك ودين نبيك محمد، صلى الله عليه وسلم. 

وبعد التحذير من معارضى الجماعة عملاء اليهود، يصل الخطيب الإخوانى إلى هدفه مباشرة. 

يقول: ومن هذا المنطلق إخوتى وأحبتى فى الله، فإنه واجب على كل مسلم أن يقول نعم للدستور، نعم للدستور تؤدى إلى الاستقرار لا لمزيد من الفوضى. 

ولا يترك الخطيب الإخوانى منبره دون أن يصدر فتوى يقذف بها وجه المصلين، يقول: «واللى هيقول لا للدستور، هتكون شهادته زور، وهيحاسب عليها أمام الله يوم القيامة». 

إذا لم يكن هذا انتهاكًا لبيوت الله، فعلى أى صورة يمكن أن يأتى الانتهاك؟ 

لا أرفض الحديث فى المساجد عن القضايا العامة، فدور الخطباء والوعاظ أن يناقشوا مشاكل الناس، ويتحدثوا إليهم ومعهم فى أزماتهم التى تؤرقهم، لكن دون توجيه، ودون وضع العظات والخطب فى خدمة جماعة سياسية بعيدة كل البُعد عن الله وعن دينه وعما يريده أو يرضاه أو يرضيه. 

علاقة الإخوان بالمساجد ومبكرًا جدًا، لا تمت إلى الإسلام بصلة، فقد حولوها إلى أوكار للتآمر، ومنصات ينطلقون منها للهجوم على خصومهم، وخصومهم هم كل من لا ينتمون إلى الجماعة. 

لقد منح الخطيب الإخوانى نفسه حق الحديث بلسان الله وكأنه وكيل عنه، عندما قال إن من يقول لا للدستور، فشهادته زور، وسيحاسبه الله عليها يوم القيامة، وهو يتسق تمامًا مع ما روجته الجماعة قبل ذلك فى الانتخابات البرلمانية التى قالت خلالها إن صوتك للإخوان يقودك إلى الجنة، وفى الانتخابات الرئاسية عندما قامت بتسويق محمد مرسى على أنه مرشح الله، من يختره يُرضِ الله ورسوله، ومن يرفضه يصب الله عليه غضبه. 

تعرف جماعة الإخوان جيدًا علاقة المصريين بالمساجد، ولذلك حاولت استغلالهم فى كسب قلوبهم. 

كان الجميع يعرفون أن محمد مرسى يصلى، لم يشكك أحد فى ذلك، لكنه وبعد أن أصبح رئيسًا حول الصلاة إلى أداة من أدوات حكمه، فهو يتردد على المساجد فى مواكب من الحراسة التى تسد عين الشمس، ويصلى أمام الكاميرات يحيط به الحرس من كل جانب، وبعد الصلاة يتحدث إلى المصلين، لا يفعل ذلك كواعظ، ولكن كرئيس جمهورية. 

اخترع مرسى «موديل جديد» للحكم، وهو الحكم من داخل المساجد. 

فى أيامه الأولى كان حريصًا على تسجيل تردده على مسجد مجاور لبيته فى التجمع الخامس ليصلى الفجر، وقد تنقل بعد ذلك بين عدد من المساجد، وفى رمضان كان يحرص على أداء صلاة القيام فى أكثر من مسجد، وبين ركعات القيام كان يوجه كلمة للمواطنين، وعندما زار الفيوم وأدى صلاة الجمعة فيها، ألح عليه المواطنون أن يقول كلمة بعد الصلاة، فقد تعودوا عليه وهو يفعل ذلك فى كل المساجد التى يصلى فيها، فلماذا يحرمهم هم من ذلك؟ 

الموديل الذى اخترعه مرسى سار عليه معاونوه، فبعد اختيار هشام قنديل رئيسًا للوزراء، وقبل أن يؤدى اليمين الدستورية، وفى فترة مشاوراته مع من سيختارهم ليشكلوا وزارته، كان يخرج من بيته لصلاة الفجر فى المسجد المجاور لمديرية أمن الجيزة، ومعه كل يوم صحفى من جريدة مختلفة، ولم يكن رئيس الوزراء يتأخر عن التصريح لمرافقيه بأفكار وأخبار التغيير الوزارى الجديد. 

ولم يكن غريبًا بعد ذلك أن يجلس هشام قنديل فى المسجد مع عدد من المواطنين ليشاورهم فى الأمر، ويسألهم عن مواصفات الوزراء الذين يريدونهم، وفى الصور التى سجلت تلك اللحظة بدا رئيس الوزراء، الذى لم يكن متوقعًا على الإطلاق، منصتًا لما يقوله المواطنون إنصاتًا شديدًا. 

وبعد أن أعلن هشام قنديل تشكيل حكومته ظهر مرة أخرى فى مسجد مصطفى محمود فى المهندسين، وكان الغريب أنه كان يتحدث مع المصلين عن خطته فى العمل والنهوض بمصر. 

الأمر نفسه تكرر مع القيادى الإخوانى سعد الحسينى الذى عُين محافظًا لكفر الشيخ. 

بدأ سعد عمله فى محافظته من مسجد الملك، خطب فى الناس قائلًا لهم إن الله ابتلاهم به، وعليهم أن يصبروا على هذا الابتلاء. 

كان الحسينى فى الحقيقة بلاءً وليس ابتلاءً، لكن لم تكن هذه هى المشكلة، فبعد أن أنهى الحسينى خطبته، قام بزيارة الشيخ أبوإسحاق الحوينى الذى كان يلازم فراشه بعد أن أجريت له عملية بتر لساقه بسبب السكر. 

لم تكن الزيارة مجرد واجب يقوم به المحافظ لمجاملة واحد من أقطاب السلفية ليس فى كفرالشيخ فقط، ولكن فى مصر والعالم الإسلامى، وهو معروف ليس بتطرفه فقط ولكن بعجرفته أيضًا، ولكنها كانت أقرب إلى جلسة عمل تم فيها الاتفاق على ما سيفعله المحافظ وما سيقوم به الداعية السلفى. 

قال الحسينى للحوينى والذين معه إن مهمته الأساسية والأولى هى دعم الدعوة والدعاة والمساجد، وجعل المواطنين يحبون دينهم، لا أدرى من أين عرف الإخوان أن المصريين لا يحبون دينهم، وطلب منهم أن يتفرغوا للدعوة، وأن ينشروها فى المساجد والمدارس وأماكن العمل لأنها طريق الإصلاح. 

لم يكن انطلاق الإخوان، وعلى رأسهم رئيسهم، من المساجد تعبيرًا عن تقديسهم واحترامهم لها، فالمصريون يقدسون المساجد ويحترمونها أكثر من الإخوان، لكنها الحيلة التى اعتقد الإخوان أنها يمكن أن تنطلى على المصريين، الذين يتحركون وبيوت الله فى قلوبهم، فالمسلم يحمل فى قلبه مسجده، والمسيحى يحمل فى قلبه كنيسته.

كان الإخوان يتعاملون مع المصريين على أن الإسلام دخل إلى مصر يوم أن تولى محمد مرسى الحكم، وقد فعل مرسى ما يمكننا أن نعتبره تأكيدًا على ذلك. 

لا يلتفت كثيرون إلى أن حملة محمد مرسى فى الانتخابات الرئاسية ٢٠١٢ حرصت على أن يتم تدشين الحملة من مسجد عمرو بن العاص، وهو أول مسجد بنى فى مصر، بناه الفاتح لها باسم الإسلام، وكان هدف الإخوان وقتها هو التأكيد على أن مرسى هو عمرو بن العاص هذا العصر الذى سيدخل الله الإسلام إلى مصر من جديد على يديه. 

لقد دنس الإخوان المساجد طوال تاريخهم، لكنهم عندما وصلوا إلى الحكم أخذوا منها مطية لتنفيذ أهدافهم، ولا يمكن أن ننسى ما فعله عميل الإخوان السلفى محمد حسين يعقوب، الذى جلس فى مسجده بين مريديه يتحدث معهم بعد أن ظهرت نتيجة الاستفتاء على الدستور الإخوانى، وقال لهم: وقالت الصناديق للدين نعم. 

كانت هذه هى الحقيقة، فالإخوان لم يحشدوا الناس للاستفتاء على الدستور، الذى هو فى النهاية من وضع البشر، من يقول له لا لن يعاقبه الله أو يدخله ناره، ولكنهم كانوا يستفتون الناس على الدين، ومن يقول للدين لا حتمًا سيطرده الله من رحمته، وسيطرده الإخوان وأتباعهم من مصر، فقد ختم يعقوب سخافاته التى تحدث بها، بأن من لا يعجبه الأمر فعليه أن يهاجر، أن يترك البلد ويرحل عنه. 

ما يدهشك- رغم أنه لا شىء لدى الإخوان يمكن أن يدهشنا أبدًا- أنهم يتهمون مخالفيهم بأنهم يتجاوزون فى حق بيوت الله، وهو أمر يمكن أن تحسد هذه الجماعة السمجة عليه. 

لقد حولوا المساجد إلى ساحات حرب، اعتصموا بها وهم على باطل، وأحرقوا الكنائس مع سبق الإصرار والترصد، ثم يدعون أنهم ناس بتوع ربنا، رغم أنهم لم يكونوا هكذا أبدًا... ولن يكونوا. 

 

تاريخ الخبر: 2022-04-12 21:21:04
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 50%
الأهمية: 58%

آخر الأخبار حول العالم

80 شركة سعودية تستعرض منتجاتها في قطر السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-05-05 21:24:00
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 60%

هيئة الشورى تعقد اجتماعها الثاني السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-05-05 21:24:01
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 53%

استطلاع صادم.. 41 % من الأمريكيين يتوقعون حربا أهلية ثانية السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-05-05 21:23:58
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 56%

هيوستن تستعد للأسوأ بسبب فيضانات تكساس السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-05-05 21:23:59
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 68%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية