الحياة الغريبة التي تحياها حيوانات الليل
الحياة الغريبة التي تحياها حيوانات الليل
اذا غربت شمس النهار وزحف الظلام علي الدنيا نشطت الحيوانات بعد النهار تسعي إلي أرزاقها مالقارض وهو حيوان مخطط الجسم يسميه العلماء [باكا] يطل برأسه من بين أغصان الشجر وقد لمعن وقد شرع ينظف قدمه بهمة ونشاطر قد تعلق بأمه, وفي مكان آخر يقفز قارض, ضخم إلي بركة من الماء بينما يحلق في الجو خفاش متخصص في أمتصاص رحيق الزهور ويشق الفضاء ثم يضرب صفحة ماء البحيرة بعد أن يكون قد شرف منها شرفة تطفيء ظمأه الطويل.. وتطير هذه الخفافيش في خفة ونعومة لا تحدث صوتا, تهديها حواسها الرادارية فلا تصطدم بشيء ولا تنبه أي مخلوق بوجودها.
أن حياة الغابة, أي غابة, في الليل مسرح لنشاط الحيوانا والطير والحشرات ومعظم الحيوانات ثدبية ومعظم الثدييات ليلية. وقد أستطاع العلماء أخيرا أن يصنعوا غابة من الغابات في مبني من المباني الضخمة المجهزة بالعدد والآلات والأجهزة الحاسبة الدقيقة والقوا فيها بمجموعة من الحيوانات والطيور والحشرات, بحيث تماثل الحياة فيها البيئة الطبيعية لهذه الحيوانات والطيور والحشرات وقاموا بدراسة ما يحدث في الغابة الصناعية في الليل, وعندما طفأ الأنوار تماما ويصبح المبني أو الغابة داكن الظلام, وفي كل صباح وقبل حلول الساعة الحادية عشرة تطفأ الأنوار في الأماكن المختلفة وراء الواجهات الزجاجية العريضة. فإذا شعرت الحيوانات المليونية بحلول الظلام نشطت إلي العمل, وعندما تسطع الاضواء بعد أثنتي عشرة ساعة, أي قبل حلول منتصف الليل بساعة واحدة تري هذه الحيوانات الليلية قد آوت إلي أماكنها لتقضي فيع يوما كاملا, وتشع من وراء هذه المواجهات الزجاجية أضواء حمراء لا تراها الحيوانات الليلية عادة أو تحس بها, وبذلك ترشد المتفرج وتهديه بحيث يستطيع أن يري ما يجري داخل الغابة الليلية بوضوح ولا تراه الحيوانات علي الأطلاق…
ولقد أعجب المبني الحيوانات ووجدت فيه غاية مثالية, وأن الغالبية من هذه الحيوانات استجابت أو تكيفت بالحياة الصناعية الجديدة التي دخلت اليها حتي قال العلماء والمراقبون لها, أنها أصبحت حيوانات مختلفة عما كانت عليه وهي علي الطبيعة. وقد لاحظ هؤلاء العلماء أن الخفافيش كانت أول الحيوانات التي تكيفت بالبيئة الجديدة فأكبرها في العالم الخفاش المعروف بأسم (خفاش الفاكهة الهندي) أو (الثعلب الطائر) ويتعلق الشجر وهو في وضع مقلوب وقد ثنيت جنحته التي يبلغ طولها خمسة أقدام بعناية أمة ومن وقت لآخر يدير هذا الحيوان رأسه كأته يلقي نظرة علي الزائرين الذين يتزاحمون أمام واجهته الزجاجية مذهولين من ضخامته أما الخفافيش الصيادة طرأها بوضوح وهي تتر; أماكنها لتطير في الجو قليلا ثم تنقض علي وجه بحيرة لتخطف منها السمك بمخالبها الطويلة القوية.
والغريب أن عددا من الأنواع يعيش في أقفاص واحدة. ففي إحدي الصحاري التي تمثل الحياة في الجنوب الغربي للولايات المتحدة مثلا تجد الثعالب والظربان وآكل النما تشترك في نفس البيئة وفي منظر آخر يمثل الصحراء الأفريقية تجد زوجين من الغزلان وقنفدا وفي أحدي البحيرات الأمريكية تري التماسيح تسبح في مياهها بينما تلهو أنواع من حيوان الراكون ألواح زجاجية. أما كيف تعيش هذه الأنواع المتنافرة بعضها مع بعض, فيرجع إلي سابق تربيتها وهي صغيرة مع بعضها البعض, فإذا كبرت وترعرعت عاشت في سلام ووئام برغم أنواعها المختلفة.
ولا يمكن أن يقال إن جميع حيوانات المجتمع الصناعي قد أعتادت حياة الظلام الجديدة داخل المبني الكبير, لأن بعضها ينام مدة طويلة كما يفعل في البيئة الطبيعية التي يعيش فيها أصلا, فحيو أن الأرد أ, دوبل الأرض وهو نوع من الخنازير يقضي شطرا كبيرا من النهار نائما في حفرته المزودة بالأضواء الحمراء الخافتة.
ونادرا ما يخرج حيوان الفرفور ـ وهو حيوان بين الكلب والستور ـ من حجرة تجت جذع شجرة من الأشجار الكبير. أما حيوان الكسلان فلا تراه إلا متدليا من غصن شجرة وهو يغط في نوم عميق. وعلة هذه الحيوانات المتنافرة أنها تأخذ عادة وقنا طويلا قبل أن تتكيف بالبيئة التي جلبت اليها, وينوي علماء هذه الغابة الصناعية أن يختفوا من الاضواء حتي تتكيف الحيوانات بسرعة أكثر, لذلك سوف يركبون مصابيح حمراء اللون في باديء الأمر ثم يستبدلونها بأخري زرقاء أو بيضاء وهم يفضلون البيضاء, لأن اللون الأحمر بغير هيئة الاشياء.
والغرض الرئيسي الذي أنشئت من أجله هذه الغابة الصناعية في قلب أكبر مدينة في العالم هو أتاحة الفرصة للناس لكي يشاهدوا حياة الغاب علي حقيقتها في الليل أو في النهار وكيف تتصرف وتعيش فيها الحيوانات بوحي من طبيعتها وغرائزها وأتاحة الفرصة كذلك للعلماء والشبان الذين يغرمون بحياة الغاب للدراسة والتأمل وتدوين الملاحظات.
فما أحوجنا إلي غابة صناعية يستطيع أن يقضي فيها شبابنا فترات من أوقاتهم بدل التسكع في الشوارع أوأعتناق مذهب الخنفسة وتضييع أوقاتهم في مهاترات لا فائدة من ورائها, فالوقت الذي يقضيه هؤلاء في غاية من هذه الغابات أفضل بكثير وبدون شك لأنهم سيخرجون في آخر الأمر بحقائق جديدة عن حياة الحيوان تفيد العلم وموسوعاته.