تصريحات قائد انقلاب السودان.. مناورة للخارج أم توجه حقيقي للتسوية


أثارت دعوات قائد الانقلاب في السودان، عبد الفتاح البرهان، للحوار، وتعهداته بإطلاق سراح المعتقلين والنظر في حالة الطوارئ، ردود فعل واسعة وسط القوى السياسية بين الرفض والقبول. 

التغيير: علاء الدين موسى

طرح حديث قائد الانقلاب، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، في الإفطار الذي دعا إليه عضو مجلس السيادة  الانقلابي ياسر العطا، قبل أيام، كثير من التساؤلات حول ما إذا كانت الدعوات مناورة سياسية تستهدف فك العزلة المفروضة على النظام، ام أنها توجه حقيقي للتسوية، لا سيما وأن الرجل تحدث صراحة عن إطلاق سراح المعتقلين والحوار ومراجعة الطوارئ.

وجاءت التصريحات في وقت كثر الحديث عن تسوية سياسية بين الفرقاء السودانيين، بدعم من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي.

وسبق هذه الأحاديث، عمليات إفراج لقادة في صفوف نظام المعزول عمر البشير، لما قيل إنه محاولة للاستقواء داخلياً، والضغط على الحلفاء الخارجيين للمسارعة في دعم الانقلاب اقتصادياً.

وغازل البرهان في تصريحاته آنفة الذكر، القوى السياسية والمجتمع الدولي مجدداً، بالحديث عن تسليم السلطة للمدنيين والعمل لتهيئة مناخ قيام انتخابات مبكرة بمساعدة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي.

وربما تشير التصريحات من ناحية، إلى أن قادة الانقلاب وصلوا إلى طريق مسدود في ظل الحراك الذي يشهده الشارع والمقاطعة الدولية التي تشترط عودة الحكم للمدنيين حتى يتم تقديم  المساعدات التي وعدت بها الدول الصديقة والشقيقة.

مباركة داخلية وخارجية

أكدت مصادر  مطلعة لـ”التغيير” أن الخطوة التي أقدم عليها الفريق البرهان جاءت بمباركة من المجتمع الدولي والاتحاد الإفريقي، وقوى سياسية بالداخل لإنقاذ البلاد من حالة الانهيار.

وقالت إن الأيام القادمة ستشهد انفراجة في الأزمة السياسية بعد أن توصلت كافة الأطراف إلى ضرورة التحاور من أجل الخروج برؤية مشتركة.

وأشارت المصادر إلى إنّ ممثلي الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي اجتمعوا مع أغلب القوى السياسية التي أبدت الموافقة المبدئية على التسوية الجارية.

وقالت إن رئيس حزب الأمة المكلف، فضل الله برمة ناصر، هو من قام بهندسة الاتفاق مع العسكر من أجل عودة الشراكة بين المدنيين والعسكر من جديد، لحين قيام انتخابات في موعد يتم الاتفاق عليه في غضون أيام.

وأعلن حزب الأمة القومي ترحيبه بتصريحات البرهان، ووصفها بأنها إعلان عن حسن النوايا.

ورحب الحزب مبدئياً بالاتجاه نحو تسريع خطى العملية السياسية التي تقودها الآلية الثلاثية (البعثة الأممية، والاتحاد الإفريقي والايقاد)، ودعوتها لملتقى تحضيري.

إطلاق سراح المعتقلين

ووعد البرهان، بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين خلال أيامٍ، وهو أحد الشروط التي تطالب بها القوى المعارضة، والقوى الدولية والإقليمية لإنجاح أي مبادرة لحل الأزمة السياسية.

ويشدد تحالف المعارضة الرئيسي “قوى الحرية والتغيير” على عدم الدخول في أي عملية سياسية ما لم يتحقق شرط إطلاق المعتقلين السياسيين من قادة التحالف ولجان المقاومة، ورفع حالة الطوارئ، ووقف العنف والقتل ضد المتظاهرين السلميين.

وطالب القيادي بالحرية والتغيير، والتجمع الاتحادي، جعفر حسن،  قائد الانقلاب، بإتباع القول بالفعل.

موضحاً في حديثه مع (التغيير) أنّ إطلاق سراح المعتقلين ووقف العنف وإنهاء الطوارئ حق للشعب السوداني، شروط أساسية للدخول في عملية سياسية لإنهاء الانقلاب.

وتابع قائلاً: “البرهان لم يتبع القول بالفعل حتى الآن”.

وأوضح حسن أن القضية الأساسية هي تصميم عملية سياسية تؤدي إلى هدفين هما استعادة مسار التحول الديمقراطي بقيادة مدنية، واستحقاقات الشعب السوداني المتمثلة في العدالة الانتقالية وغيرها.

وحول مقترح الآلية الثلاثية لعقد لقاء جامع، قال حسن إن الحرية والتغيير بصدد دراسة الرؤية المقدمة من الآلية.

وشدد على إن الحرية والتغيير لا ترحب بأي عملية سياسية لا تحقق الأهداف المذكورة.

بلاغات كيدية

وتحتجز السلطات الانقلابية منذ شهرين عضو مجلس السيادة المقال، محمد الفكي سليمان، ووزير شؤون مجلس الوزراء خالد عمر يوسف، ومقرر لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989 وجدي صالح، وأكثر من 200 من أعضاء لجان المقاومة.

وتقول القوى المعارضة للانقلاب إن البلاغات المدونة ضد المسؤولين في الحكومة المقالة  “كيدية ولا تقوم على أي سند قانوني”.

وألقت السلطات الانقلابية القبض على 18 من أعضاء لجنة تفكيك النظام المعزول، فيما تتحدث النيابة عن 204 من أوامر القبض في مواجهة آخرين.

وكانت النيابة العامة قد دونت بلاغاً في مواجهة أعضاء لجنة تفكيك النظام المعزول، تحت مادة 1 من القانون الجنائي السوداني “خيانة الأمانة”، الشاكي فيها وزارة المالية السودانية.

حل عاجل

وترهن بعثة الأمم المتحدة في السودان “يونيتامس” بدء المحادثات بين الأطراف السودانية بوقف العنف ضد المحتجين، والإفراج عن المعتقلين السياسيين، مع إلغاء تدريجي لحالة الطوارئ.

وحذرت الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي من خطورة الأوضاع في السودان، ودعت جميع الأطراف للدخول في مفاوضات لإيجاد حل عاجل للأزمة، بهدف تلافي مخاطر الانزلاق في صراعات وانقسامات تهدد البلاد.

جبهة عريضة

وصف  رئيس حزب المؤتمر السوداني، عمر الدقير، تصريحات البرهان عن قرب إطلاق سراح المعتقلين السياسيين  بأنها  لا تتسق مع حملة الاعتقالات المسعورة التي حدثت خلال اليومين الماضيين وطالت العشرات من لجان المقاومة والناشطين في مناهضة الانقلاب.

وقال الدقير  في صفحته على فيسبوك إن اعتقال قيادات لجنة تفكيك التمكين السابقة، هو اعتقال سياسي تعسفي بامتياز.

وجدد عدم الاعتراف بالانقلاب و بسلطته غير الشرعية أو القبول بها كأمرٍ واقع.

ودعا لانتظام قوى الثورة في جبهة عريضة بقيادة تنسيقية موحدة مع التوافق على ترتيبات دستورية لإنشاء سلطة مدنية كاملة.

تسوية سياسية

يرى القيادي بالحزب الشيوعي كمال كرار، أن تصريحات قائد الانقلاب البرهان، تأتي في إطار التمهيد للتسوية السياسية التي  بدأها الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة  وأكملتها القوى السياسية بالداخل.

وقال كرار لـ”التغيير” إن  ما يحدث الآن هو  مقدمة دعائية وإعلامية لإعادة الشراكة من جديد، لأن هذا المشروع لم يتوقف منذ 25 أكتوبر، مروراً بإعلان حمدوك الذي رفضه  الشارع وعجل بإسقاطه.

واتهم كمال مجموعة من يصفهم بـ”الهبوط الناعم” بالاتفاق  على تشكيل حكومة في ظل الانقلاب تعيد إنتاج الأزمة من جديد.

وقال إن الغرض من هذه الخطوة  هو تقسيم الشارع، للإضعاف من حركة الجماهير وقطع الطريق أمام الثورة الشعبية.

مبيناً أن حديث البرهان أيضاً موجه خارجياً لمخاطبة المجتمع الدولي  (الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي) بأن هنالك عمل يجري لعودة النظام المدني، من أجل الحصول على اعتراف دولي وعودة المساعدات الاقتصادية.

وشدد القيادي بالحزب الشيوعي على تمسك حركة الشارع باللاءات الثلاث (لا تفاوض، لا شرعية، لا شراكة) والتي تبحث عن تغيير حقيقي.

منوهاً إلى أن أي محاولة لإجهاض الحراك الجماهيري عبر التسوية، ستؤدي إلى نتيجة عكسية بتصاعد المد الثوري في الشارع.

وتابع: تبقي المعادلة السياسية أن تكون مع الانقلاب أو أن تكون مع الشارع.

وأكد كرار أن المكون العسكري لا يمثل نفسه وإنما يمثل المؤتمر الوطني والفلول، مذكراً بأن العسكر الحاليين هم أعضاء اللجنة الأمنية للنظام البائد ولا ينكروا انتمائهم للإسلاميين، ولذا كانت أولى القرارات بعد تجميد أعمال لجنة إزالة التمكين، إطلاق سراح قادتهم وفك أرصدتهم البنكية.

ووصف عضو مركزية الحزب الشيوعي إطلاق سراح قادة النظام البائد بأنه يهدف إلى إرجاع المؤتمر الوطني المحلول للمشهد السياسي، وتوقع أن يتم  إطلاق سراح الرئيس المخلوع  قبل عيد الفطر لتكتمل أركان التسوية.

حديث للاستهلاك

من جانبه، قلل القيادي بقوى الحرية والتغيير، وحزب البعث، عادل خلف الله، من تصريحات البرهان، وقال إن تسريب التسجيل الصوتي لحديث قائد الانقلاب، من مناسبة اجتماعية، ولم يتم إعلانه رسمياً، ما يجعله حديثاً للاستهلاك.

وعزز خلف الله أحاديثه لـ(التغيير) بربط حديث البرهان بالقرارات التي اتخذت بتجميد لجنة إزالة التمكين، وإبطال قراراتها وما حققته من مكاسب  للشعب والاقتصاد، متمثلة في استرداد أموال وأصول وشركات وتجميد حسابات مرتبطة بالنشاط الطفيلي المالي أو التجاري لنافذين في الحركة الإخوانية، وواجهتها المؤتمر الوطني وواجهاته المالية والأمنية.

مشيراً إلى أن تصريحات قائد الانقلاب لا ينبغي أن تقرأ بمعزل عن إطلاق سراح قيادات الفلول رغم البلاغات الموجهة ضدهم من النيابة العامة.

مضيفاٍ بأن التصريحات تعبر عن هزيمة الانقلاب ومحنة قواه.

وقال: اعترف البرهان بالفشل، ولكنه بدلاً من تحميل الأمر لانقلابه وما افرزه، تهرب من المسؤولية وعلقها على الآخرين بتعميم وعموميات من شاكله (كلنا يا أخوانا).

واصفاً قائد الانقلاب بالتناقض بزعمه أن قادة الحرية والتغيير ولجنة إزالة التمكين وقوى الشارع، موقوفون بموجب بلاغات جنائية.

وقال خلف الله إن حديث البرهان بين بجلاء أن عمليات الاعتقال سياسية بامتياز، من خلال اعترافه بالتدخل في شأن القضاء بلقاءه للنائب العام ورئيس القضاء، لإطلاق سراح المعتقلين.

وتابع: “أما الحديث التبعيضي لرفع حالة الطوارئ فهو تحصيل لحاصل”.

وفسر قوله بالاستدراك: “جسارة الشعب، واتساع قاعدة مشاركته في الانتفاضة الثورية جعلت الطوارئ مجرد حبر على ورق، أسوة بما فعل المخلوع البشير في نهايات عهده.

وأوضح خلف الله، أن ما تضمنه التسجيل الصوتي المسرب عن الإفطار الرمضاني حول قبوله (بالقعاد) في المكان الذي يصدر عن توافق وطني فهو ضرب من المراوغة التي درج عليها بتأكيده بمناسبة ودون مناسبة، عن استعداده للتخلي عن السلطة وعدم رغبته فيها.

مناورة سياسية

طبقاٍ للمحلل السياسي  محمد تورشين، فإن تصريحات البرهان  ليس بها نوع من المصداقية لأنها  لم تكن المرة الأولى التي  يصرح فيها بمثل ورد في إفطار العطا.

وقال تورشين لـ”التغيير” إن الغرض من تصريحات البرهان  إرسال رسائل للمجتمع الدولي وبعض القوى السياسية باعتبار أن المكون العسكري لديه رغبة  ورؤية سياسية متمثلة في تسليم السلطة للمدنيين في المرحلة المقبلة عقب إجراء انتخابات.

وأضاف: “مجمل القول إن كل هذه القضاياالغرض منها هو المناورة السياسية لكسب مزيد من الوقت، لأن الإستراتيجية العسكرية تعتمد على تقسيم الشارع وكسب الوقت”.

وأشار المحلل السياسي  إلى ضرورة وجود حوار وطني شامل، مع أهمية عزل المؤتمر الوطني وإبعاده من المشهد السياسي.

وأوضح أن إطلاق قيادات المؤتمر الوطني يقرأ في مساقين، الأول: “ربما البيانات القضائية التي قدمت من أجل إدانة هؤلاء القيادات كانت ناقصة، إلى جانب أن المنظومة القضائية في السودان فيها إشكاليات كبيرة جداً”.

والثاني، بأن إطلاق سراحهم بغرض محاولة الضغط على المجتمع الداخلي والخارجي، وكذلك القوى السياسية الأخرى، بأنه في حال تعنتها بوجود إمكانية لتحالف العسكر مع  المؤتمر الوطني.

لافتاً إلى أن ذات إطلاق السراح، يقرأ خارجياً كمحاولة للضغط على المجتمع الدولي، بأنه في حال لم يتم دعم الانقلاب مالياً، فمن الممكن جداً إعادة المؤتمر الوطني للسلطة.

ومعلوم –والحديث ما يزال لتورشين- أن الوطني محسوب على تيار الإسلام السياسي في المنطقة والتهديد بعودتهم ينطوي على مغازلة لتركيا وقطر، وفي المقابل يمثل تهديداً للسعودية والإمارات لحملهم على الدعم الانقلاب مالياً واقتصادياً.

لم الشمل

ذهب أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، د. عبد الرحمن أبو خريس، إلى أن  تصريحات البرهان تصب في إطار الجهد الذي تقوده جهات داخلية وخارجية للم  الشمل، من خلال خلق حاضنة جديدة، وبدء حوار  عريض لا يستثني أحد،  للخروج من الأزمة.

وقال لـ(التغيير): ذلك يصب في مصلحة الجيش والبرهان، بعد رأي المجتمع الدولي والاتحاد الإفريقي عدم جدية قوى الحرية والتغيير وتمسكها بالجلوس في حوار مع المكون العسكري باعتباره شريك في الفترة الانتقالية توافقت معه في وقت سابق.

وحول الحديث عن إطلاق سراح الإسلاميين، يرى أبو خريس أن الحديث عن الإسلاميين كفزاعة حديث مبتذل وبعيد عن الواقعية وتجاوزه الزمن.

قائلاً إن الإسلاميين تعاملوا مع الجميع وحققوا للمجتمع الدولي مصالح لم تحققها  قحت”.

وأضاف: “الإسلاميون متعطشون للسلطة فقط وليست لديهم ايدولوجيا تهدد عرش هذه الدول”.

تاريخ الخبر: 2022-04-19 18:23:22
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 60%
الأهمية: 52%

آخر الأخبار حول العالم

مع مريـم نُصلّي ونتأمل (٣)

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-03 06:21:38
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 68%

السلطات الإسرائيلية تؤكد مقتل أحد الرهائن في غزة

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 06:07:01
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 98%

الضغط على بايدن لمخاطبة الأمة إثراندلاع العنف في الجامعات

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 06:07:18
مستوى الصحة: 80% الأهمية: 100%

كتل ضبابية وحرارة مرتفعة ورياح قوية في طقس يوم الجمعة

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 06:08:54
مستوى الصحة: 61% الأهمية: 79%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية