العاصوف.. نقلة الدراما السعودية؟


لثلاثة عقود وأكثر لم تتوافر للدراما السعودية مقومات الصناعة المحترفة، لأسباب كثيرة رغم توافر المواهب والشغف لدى كثير من السعوديين بتقديم أعمال تعكس ما مر به المجتمع السعودي من تحولات ضخمة في فترة تعد قصيرة بعمر المجتمعات، إلا أن كل ما مضى من أعمال تقريبا لم تكن أكثر من محاولات حالفها بعض الحظ، مع غياب أي ملامح لصناعة درامية حقيقية.

ارتبطت الدراما في أذهان السعوديين بالتجربة اليتيمة في "طاش ما طاش" التي نجحت بتفاوت لنحو عقدين في مقاربة المشهد السعودي بكل تعقيداته، لكنها في الوقت ذاته جنت على الصنعة نفسها حتى أصبح ما ظهر بعدها من أعمال يسير في فلكها بشكل لم يحدث فارقا، ولا يصنع مشهدا فنيا يستقطب اهتمام المشاهد، ومن هنا ومع تصاعد الوعي الجمعي وانفتاح السعوديين على فضاءات واسعة في شتى الفنون ومن مختلف أصقاع الأرض، سبقت ذائقة المشاهد كل الإنتاجات التي تبثها الشاشات في الموسم الرمضاني وأصبحت البرامج الساخرة من هذه الأعمال تحقق نجاحات أكبر من الأعمال ذاتها.

غياب الكوادر السعودية -التقنية- والفنية المؤهلة لتقديم منتج درامي منافس كان السبب الأهم وراء العجز لسنوات عن تقديم الصوت السعودي الوازن والثقافة السعودية العريقة والعجز عن توثيق ما مر بأحد أكبر البلدان في المنطقة، فيما صعدت تجارب فنية مجاورة وتراجعت أخرى لظروف مختلفة، دون أن يكون للسعوديين بصمتهم الحقيقية في المجال، رغم أن بلادهم من أكبر الأسواق المستهلكة لهذا الفن وغيره من الفنون، كما عانت الدراما والفنون عموما من سيطرة تيار فكري يرفض كل ما هو فن حتى وصل الأمر إلى التحريم والتكفير من على منابر المساجد، ما جعل كثيرا من الساعين لدخول هذا المجال ينكفئون عنه وكانت الغلبة من العاملين على مسلسلاتنا -ولا تزال- لجنسيات عربية تقدم لنا أعمالا لا تشبهنا، لأن الدراما عمل جماعي لا يقف عند الممثل وحده ولا المخرج الذي يندر أن يكون سعوديا، وبالتالي لا يمكنه تقديم وجهة النظر بعيون سعودية مهما اجتهد في ذلك الممثل السعودي، لو سألت بعض السعوديين من جيلي عن أسماء مخرجين سعوديين قد لا يذكرون لك أكثر من عامر الحمود وعبدالخالق الغانم مثلا لأنهم لا يتذكرون أبعد من تجربة طاش.

في جهة موازية كانت تجارب شابة تنمو ولو باستحياء عبر أفلام قصيرة ومشاركات خارجية أعادت الأمل في وجود صناعة درامية سعودية حقيقية لو تهيأت لها الظروف الصحية التي تتطلبها صناعة بهذه الضخامة، بدأنا نسمع عن مخرجين سعوديين وممثلين حققوا جوائز في مهرجانات لها تاريخها، وهو ما بدأ ينعكس على أعمال سعودية لفتت المشاهد العربي قبل السعودي لأنها قدمت باحترافية عالية في ظل توجه المنصات الحديثة كشاهد لاستقطاب الجمهور السعودي، رشاش واختطاف على سبيل المثال، وكما هو حاصل الآن مع تجارب حققت أصداء جميلة في منهو ولدنا وسكة سفر، وأذكر هنا تجربة هناء العمير وعبدالمحسن النمر في وساوس، وأذكر أيضا بتجربتين لافتتين للفنان مشعل المطيري لم يُكتب لهما الانتشار الذي تحقق في مسلسلي أم القلايد و٤٢ يوم.

هذه الموجة السعودية الجديدة من الدراما لم تكن لتحدث في رأيي لو لم تبدأ ظروف الصناعة في التحسن ولو ببطء، ولم تكن لتحدث لو لم يرفع مسلسل العاصوف جودة الإنتاج بكل تفاصيلها من الصورة إلى النص وصولا للسرد التاريخي لثلاثة عقود مفصلية في حياة السعوديين “رغم نمطية أداء بعض الشخصيات”، هل كانت هناك أخطاء في العمل؟ نعم، هل نتجاهل الانتقادات التي طالت مشاهد أو حلقات أو المسلسل كاملا؟ بالطبع لا، يحق للمشاهد السعودي المطالبة بأعمال على مستوى عالٍ من الجودة تمثله، وهو ما نجح فيه العاصوف إلى المدى الأبعد رغم تفاوت مستوى النجاحات من موسم إلى آخر، لذا من المهم إنصاف التجربة والبناء عليها.

المشهد مبشر بالنسبة لي، ومن متابعة حثيثة لوعي الأسماء الشابة التي دخلت المجال وبدأت تتلمس خطواتها فيه، يمكنني التعويل على تجارب درامية سعودية قريبة ستضع بصمتنا على سوق الدراما عربيا في المدى المنظور، كان لافتا مثلا النجاح الذي حققه إبراهيم الحجاج في الموسم الرمضاني، وهو مستحق لشاب سعودي طور أدواته واشتغل على موهبته لسنوات، وغير بعيد عن تجربة الحجاج، النجاحات والجوائز التي حققتها أسماء سعودية مبدعة مثل يعقوب الفرحان وإلهام علي وفيصل الدوخي، وأحيل هنا إلى سلسلة لقاءات “خام” على يوتيوب مع ممثلين وممثلات ومخرجين سعوديين من الجيل الشاب الذي يعمل على صقل مواهبه حتى قبل الجهود التي بدأتها وزارة الثقافة مشكورة في الابتعاث للخارج في تخصصات فنية مختلفة، كل هذا وأكثر ينبئ بما هو أجمل للدراما في بلادنا.

وعودة إلى سؤال المقال، يعي الفنان الكبير ناصر القصبي تماما تغير المشاهد السعودي وارتفاع سقف توقعاته، وهو ما ذكره في اللقاء الأخير مع المتألقة تغريد الهويش عبر بودكاست العاصوف، يقول القصبي: “ذوق المشاهد بات أرفع من العاملين في الحقل الفني”. وعليه فإن المتوقع حتى من فنان بحجم القصبي ليس عملا بجودة العاصوف بل يتجاوزه بمراحل.

ختاما.. لا يمكنني اعتبار العاصوف نقلة الدراما السعودية، بل فاتحتها وبابها الأوسع.

تاريخ الخبر: 2022-04-23 18:19:51
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 90%
الأهمية: 95%

آخر الأخبار حول العالم

مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال الـ 24 ساعة الماضية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 00:26:28
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 53%

مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال الـ 24 ساعة الماضية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 00:26:34
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 61%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية