يعد المسجد الأزرق بالقاهرة، أحد المساجد الأثرية المحظوظة؛ فقد لاقى من عناية الحكومة في السنوات الأخيرة ما جعله آية من آيات الجمال الأولى التي كان عليها حين نشأته!
يعرف هذا المسجد، بالأزرق بين مرتاديه غير أنه في الأصل يُسمى: مسجد الأمير آق سنقر الفارقاني، وهو مسجد أثري يحمل رقم (193) بسجلات وزارة الآثار، ويقع في درب سعادة بالدرب الأحمر خلف محكمة جنوب القاهرة الابتدائية.
يقول الباحث الأثرى د.حسين دقيل: قام بإنشاء المسجد في الأصل الأمير شمس الدين آق سنقر الفارقاني السلحدار عام (676هـ/ 1277م)، وألحق به سبيلا، وخصصه لتدريس المذهبين الشافعي والحنفيّ. حيث كان في بدايته مدرسة.
والأمير آق سنقر الفارقاني، كان مملوكا للأمير نجم الدين ثم تملكه السلطان الظاهر بيبرس البندقداري فترقى عنده وصار أحد الأمراء الأكابر. وتقلد الأستادارية وكان نائب السلطان في مصر عند تغيبه، وقاد جيشا فتح به بلاد النوبة.
ولم يمهل القدر الأمير آق طويلا، ففي العام الذي أتم فيه بناء مسجده كان على موعد مع غضب من السلطان حاجي، ابن السلطان الناصر، الذي أمر بالقبض عليه وحبسه بالقلعة، ولم يكتمل العام، إلا وقد فاضت روحه إلى بارئها بينما دُفن جسده في مقام بمسجده.
وبعد ذلك بثلاثة قرون؛ وبالتحديد عام (1080هـ/ 1669م). كان المسجد قد تهدم فأمر بإنشائه من جديد - على ما هو عليه الآن - الأمير محمد كتخدا مستحفظان أحد كبار القادة العسكريين في مصر، في عهد الوالي العثماني قرة قاش علي باشا.
ويعرف المسجد بالمسجد الأزرق؛ نظرا لمجموعة القيشاني الضخمة ذات اللون الأزرق والتي كُسي بها جدار القبلة والقبة الملحقة، وقد جلب محمد كتخدا مستحفظان القيشاني من تركيا، وهو قيشاني يحمل زخرفات عثمانية من شجرة السرو، وزهرة القرنفل، وزخرفة الهاطاي، وأوراق الساز، وغيرها من الوحدات الزخرفية العثمانية المتميزة.
يتكون المسجد كما يشير د. حسين دقيل من شكل مستطيل يتوسطه صحن مكشوف، وبه صهريج تحيط به أربعة إيوانات أكبرها إيوان القبلة، وقد ألحق به سبيلا في الركن الغربي من الواجهة الشمالية الغربية ذو شباك واحد للتسبيل.
وللمسجد واجهتان إحداهما جنوبية؛ بنهايتها الشرقيّة مئذنة أسطوانية عثمانية الطراز تقوم على قاعدة مربعة، والواجهة الثانية غربية بنهايتها الجنوبية السبيل، وبالطرف الشمالي منها الباب الرئيسي للمسجد.
وإيوان القبلة ويتألف من رواقين؛ الرواق المطل على الصحن مكون من عقدين كبيرين مرتكزين على عمود من الرخام، والرواق الثاني المواجه للمحراب يتكون من ثلاثة عقود ترتكز على عمودين حلزونيين. والمحراب بسيط يجاوره منبر من حشوات خشب مجمعة.
أما المئذنة فقد جمعت بين البساطة والتناسب وتتكون من ثلاث طبقات أولاها أسطوانية تنتهي بالدورة الأولى بمقرنصاتها البديعة والثانية أسطوانية ذات تضليع تنتهي بالدورة الثانية بمقرنصاتها المماثلة للأولى والطبقة الثالثة مثمنة بأضلاعها ثماني فتحات تنتهي بدورة ثالثة تعلوها خوذة بهلال نحاسي.
تعرض المسجد للانهيار كغيرة من المباني الـثرية بسبب زلزال 1992 فتم إغلاقه وترميمه، وافتتح عام 2015 بعد ترميم استمر لأربع سنوات وتكلفة مالية قُدرت ب 2 مليون جنيه.
وقد ورد المسجد في الخطط التوفيقية، كالتالي: "هذا الجامع بدرب سعادة على رأس عطفة النبوية تجاه سور سراي الأمير منصور باشا، وهو مقام الشعائر، وبه منبر وخطية وست أساطين من الرخام، وفي صحنه صهريج، وله مئذنة مرتفعة ومطهرة".
ودرب سعادة، الذي يقع به المسجد؛ يُنسب إلى "سعادة بن حيان" غلام الخليفة الفاطمي المعز لدين الله، أرسله المعز إلى القاهرة عام 360هـ تعزيزا للقائد جوهر الصقلي في حربه ضد القرامطة، وخرج جوهر لاستقباله استقبالا حافلا من أحد أبواب القاهرة من ناحية شارع الخليج المصري ومن وقتها عرف الباب بباب سعادة. وقد خرج سعادة بن حيان لحرب القرامطة في الشام وهُزم وعاد لمصر حيث توفى بها سنة 362 هـ ودفن بترابها. وله مقام داخل مديرية الأمن يعرف باسم سيدي سعادة.
