نجيب بوليف: القصر تحفظ على تعييني وزيرا للمالية مع بن كيران


  • محمد كريم بوخصاص

يعتبر محمد نجيب بوليف أحد أكثر الوزراء الذين حافظوا على عضويتهم في الحكومة في العقد الأخير، حيث استمر وزيرا لسبع سنوات وعضوا ثابتا في حكومتي الإسلاميين، وكان من طينة الوزراء الذين يشتغلون في صمت وبعيدا عن الضجيج، رغم أنه كان يتصدر المشهد بين الفينة والأخرى ببعض التصريحات المثيرة للجدل.

في هذا الحوار من سلسلة “ذاكرة وزراء سابقين”، يعود بوليف بذاكرته إلى الفترة ما بين يناير 2012 و 2019 التي قضاها وزيرا منتدبا للشؤون العامة والحكامة ثم وزيرا منتدبا في النقل في حكومة عبد الإله بن كيران، وكاتب دولة مكلفا بالنقل في حكومة سعد الدين العثماني، ليسترجع بعضا من كواليس استوزاره باسم “إسلاميي المؤسسات” في كلتا الحكومتين اللتين ترأسهما حزبه، ويُفصِح لأول مرة عن التحفظات التي أثيرت حول استوزاره في قطاع الاقتصاد والمالية الحساس، قبل أن يتم إسناد حقائب حكومية أقل أهمية إليه، كما يقدم جردا لما يعتبره أهم الإنجازات التي حققها كوزير في سبع سنوات، وبعض الإصلاحات التي لم تر النور وأسباب ذلك.

 

عينت وزيرا منتدبا في حكومة حزب العدالة والتنمية الأولى في 3 يناير 2012، كيف جاء استوزاك؟ وكيف عشت هذه اللحظة على المستوى الشخصي والأسري؟

> بسم الله الرحمان الرحيم، شكرا على الاستضافة. مشوار الاستوزار في حزب العدالة والتنمية يخضع لمساطر، وقد كانت واضحة عندنا ومتتالية في تنفيذها، وبالتالي اقترح اسمي من بين من سيتكلف بوزارة المالية. يمكن القول إن التعيين كان لحظة فارقة في مشواري الحزبي والسياسي، فبعد فترة الانخراط والمسؤوليات الحزبية المختلفة سنة 1993 ثم 1996 وما بعدها، جاءت فترة البرلمان منذ 2002 بولاياته الأربع، ثم لحظة الاستوزار ابتداء من 2012، وبالتالي أعتبره مسارا تصاعديا عاديا لعضو تدرج في صفوف الحزب.

أسريا، بالفعل كان هناك تخوف من المستقبل وكيفية تدبيره، فالأسرة تحملت غياباتي وانشغالاتي لسنوات في العمل الدعوي والسياسي والبرلماني، وبالتالي فقد رأوا في ذلك تكليفا إضافيا، وخاصة أنه سيكون هناك انتقال من طنجة للسكن بالرباط، لكن عموما هم أيضا كانوا يتوقعون ذلك.

المعروف أن اقتراح الأسماء المرشحة لشغل حقيبة وزارية باسم حزبكم لا يعود إلى الشخص، بل إلى لجنة خاصة، لكن هل راودتكم يوما فكرة أن تتقلدوا منصبا وزاريا؟ وهل فاجأكم اختياركم أيضا؟

> عملي بالبرلمان ومناقشاتي في اللجنة المالية وأسئلتي الرقابية والكم الهائل من الأسئلة، حيث صنفت الأول في عديد من السنوات، ومتابعة الملفات والحضور اليومي لمكتب التواصل بالدائرة، وحصولي على نتائج جد مشرفة بالدائرة (مقعدين إلى ثلاثة من أصل خمسة) في كل المحطات، كل ذلك يوحي بأن الأمر لم يكن مفاجأة.

لكن المفاجأة هي التي تخص وزارة المالية، حيث كانت هناك تحفظات. فكما هو معلوم، برزت في البداية تحفظات على الأخ المصطفى الرميد في وزارة العدل ودار نقاش بين رئيس الحكومة والقصر، وتم اعتماد الرميد، ثم جاءت نقاشات أخرى، ومنها النقاش حول وزارة المالية والتحفظ على اسمي. وبعد نقاش في الموضوع، استدعاني الأستاذ عبد الإله ابن كيران لبيته ـ بحضور الأستاذ عبد الله بها رحمه الله ـ وعرضا علي حيثيات التدبير الذي يقومان به لملف الاستوزار، والإشكالات التي تطرأ كل ساعة، فقلت لهما بصريح العبارة: «أنا لا أريد أن أخلق أي مشكل للحزب، وإذا كانت عند الآخر تحفظات، فلهم ذلك، وبالتالي أعتبرا أنني لم أعد معنيا بوزارة المالية، ولو كان التحفظ على شخصي، فلا أرغب في أن تدافعا عني في أي منصب وزاري آخر». ودار نقاش حول تخصصي والملفات الأخرى التي يمكن أن أتكلف بها، ومنها مغاربة العالم نظرا للسنوات الكثيرة التي قضيتها خارج أرض الوطن، ثم الشؤون العامة نظرا لكون ملفاتها تخص المنافسة والأسعار وغيرها، وكلها ملفات اقتصادية، وأيضا حول ضرورة الاحتفاظ بمنصب المالية للحزب بوجه «مقبول».

لم أطل معهما الكلام كثيرا وكنت جد مختصر وواضح، حيث دام اللقاء معهما أقل من ساعة مع شيء من الشاي والحلوى، ورجعت لطنجة في القطار وقد اعتبرت الأمر منتهيا.

ويوما قبل التعيين الملكي، طُلِب مني الحضور للقصر لأكون وزيرا منتدبا مكلفا بالشؤون العامة، ويكون «نزار بركة» الذي يعدونه لمسؤوليات أخرى (ابن الدار وابن المالية) وزيرا للمالية وأخونا «إدريس أزمي» (ابن المالية أيضا) في الوزارة المنتدبة المكلفة بالميزانية.

كنت من الوزراء القلائل الذين حافظوا على عضويتهم لحكومتين متتاليتين، وتقلدتم خلالها حقيبتين اثنتين هما الشؤون العامة والنقل، كيف حصل ذلك؟ وأي من الحقيبتين اللتين كان تدبيرهما أسهل أو لنقل ارتحت فيها؟

> أومن دائما بأن على المرء، وفي السياسة أكثر، أن يكون طرفا في حل الإشكالات عوض أن يخلقها أو يساهم في تطورها، وبالتالي فخروج حزب الاستقلال من حكومة ابن كيران الأولى قصد زعزعتها خدمة لأجندة إرباك العدالة والتنمية، منذ 2013، ما عجل بضرورة إعادة التركيبة إلزاميا، وخاصة أن الأخ الوزير الوفا، رحمه الله، لم يرغب في الالتزام بقرار حزب الاستقلال وقرر الاستمرار بالعمل مع الأستاذ ابن كيران، فأصبح لزاما على ابن كيران أن يجد له منصبا، ليس بحجم وزارة التربية الوطنية التي كان فيها، ولكن أيضا ليحافظ على ماء الوجه. واعتبارا لكون الشؤون العامة كان فيها وزير من العدالة والتنمية، أظن أن ابن كيران رأى من السهل تغيير هذا الأخير لمنصبه على أساس ترك هذا المنصب للوفا، وقد جلست مرة أخرى مع الأخوين ابن كيران وبها رحمه الله برئاسة الحكومة، وأطلعت على هذا المقترح/التغيير قبل التعيين.

ونظرا لكون منصب وزير منتدب بالنقل، لدى وزير التجهيز والنقل، كان يتطلب مني الحرص على معرفة من هو هذا الوزير، فقد أخبرت بأن الأستاذ رباح هو من سيبقى في هذا المنصب، وبالتالي لم أعبر عن أي اعتراض بهذا الخصوص. أما ارتسامات الأخ رباح فأتركها له ليعبر عنها لأني لا أرى ضرورة في التعبير عنها.

 

هيمن على مسارك الوزاري تدبيرك لقطاع النقل، بعدما توليت حقيبة الشؤون العامة والحكامة لسنة ونصف فقط، وذلك في النسخة الأولى لحكومة بن كيران، فما هي الإنجازات التي حققتها في تلك الفترة؟ وهل وجود وزارة مستقلة خاصة بالحكامة ضروري باستحضار تجربة الحكومة الحالية التي دمجت هذا القطاع مع قطاعات حكومية أخرى؟

> لا بد من التذكير أن العمل الحكومي عامة والعمل الوزاري خاصة مرتبط بعدة إكراهات، يمثل الوزير في هذه الحالة فيها طرفا هاما ومؤثرا، لكنها تخص عدة قطاعات وهيئات، فوزير الشؤون العامة والحكامة مثلا مرتبط بوزارة المالية أساسا، وبرئاسة الحكومة التي هو وزير منتدب لديها. وبالتالي فالوزراء المنتدبون، وكتاب الدولة، لهم اختصاصات واضحة من خلال التكليفات المخولة لهم قانونا، لكن إنجازاتهم يجب أن ُتنسب اعتبارا لما سبق. فالفرق بين الشؤون العامة والنقل فرق كبير، وهو الذي جعلني دائما أطالب بإعادة النظر في الهيكلة الحكومية بهذا الشكل. فالشؤون العامة هي جهاز حكومي مكلف بملفات (الأسعار، المقاصة، الحكامة، مناخ الأعمال، المؤسسات المالية الدولية، تدبير المخاطر، العمل التعاوني..)، وليست لها هياكل إقليمية أو جهوية، خلافا لوزارة النقل التي لها هيكلة ترابية وملفات أفقية وعمودية.

ولا شك أن من بين الأعمال التي أنجزتها في مرحلة قياسية بوزارة الشؤون العامة والحكامة – بتلخيص شديد – هي:

إدراج الحكامة كموضوع ذي اهتمام حكومي، وذلك لأول مرة في تاريخ الحكومات المغربية، حيث تمت هيكلة القطاع ووضع الأسس الكبرى لعمله المستقبلي، من خلال سلسلة ندوات علمية وتدبيرية، خلصت إلى الأهداف العامة والتقائية العمل الحكومي وطريقة تدبير ملف الحكامة بين مختلف القطاعات الوزارية.

بالنسبة لملف المقاصة، فقد كانت هذه الفترة هي بداية إعداد وإطلاق ورش الإصلاح الكبير للمقاصة، وقد أنجزنا كل السيناريوهات الممكنة، والبدائل المطروحة، والدعم اللازم توفيره للفئات المتضررة والمعوزة، وكذا طرق تدبير الرقم المعياري الموحد للدعم، وكيفية تنزيل الإصلاح على سنوات، فجزء كبير مما أنجزناه سنة 2012-2013 لا زال تطبيقه وتنزيله خلال 2022 يتم ببطء شديد. وهي فرصة للرد على كل المزاعم التي تتهم حكومة تلك الفترة بضعفها، حيث أنها بالفعل باشرت إصلاح هذا الملف بكل جرأة، وأنقذت ميزانية الدولة من شبح الإفلاس، ونحن نرى الآن ما تعمله الحكومة الحالية لمجابهة ارتفاع الأسعار وأسعار المحروقات أساسا، من موقع المتفرج الذي يرد كل ذلك للمؤثرات والمتغيرات الخارجية.

وللتاريخ، أسجل هنا أني كنت مع تنزيل الإصلاح في «رزنامة كاملة» (package)، وليس فقط التطبيق الآني لتحرير الأسعار، وتأجيل اتخاذ التدابير الوقائية تجاه الفئات الهشة (الدعم). وقد كان بعض الفرقاء السياسيين يحرصون على أن يتم الفصل بينها، لحاجة في نفس يعقوب، وهم الآن «متورطون» بشدة أمامها. وبينما كان ممنوعا علينا في العدالة والتنمية توزيع دعم للناقلين مثلا، لأن الميزانية لا تسمح، أصبحت ميزانية 2022، في الحكومة الحالية تسمح بذلك.

في ملف «مناخ الأعمال»، تم تكوين فريق شاب جد نشيط وجد طموح لتدبيره، ومنذ ذلك الحين والمؤشرات المدرجة لترتيب المغرب في تحسن، وعندما تكلف الأخ الوفا رحمه الله بالقطاع، ارتأى، مع السيد رئيس الحكومة، إسنادها لرئاسة الحكومة. كذلك تم تدبير مكثف لملف الاقتصاد التعاوني، بحيث تم تجديد النصوص القانونية المنظمة والرفع من عدد التعاونيات بحوالي 30 في المائة خلال سنتين.

وأيضا اعتماد ملف «تدبير المخاطر» (gestion des risques) كأحد أهم الملفات بالنسبة للحكومة، حيث أصبحت للمغرب في تلك الفترة، ولأول مرة، خطة عمل واستراتيجية واضحة، وأصبح يُضرَب به المثل في مجال الدول الصاعدة في تدبير هذا الملف. وللإشارة، فقد أحال الأخ الوفا رحمه الله هذا الملف أيضا على قطاع وزاري آخر ليهتم به.

في ما يخص تدبير ملف الأسعار، بما يخدم السياسية السوسيو-اقتصادية للحكومة، فقد تم تجديد النصوص القانونية المنظمة، وخاصة في ما يخص مجلس المنافسة. كما تم الحرص على تدبير الملفات المختلفة مع الشركاء المعنيين (أرباب المخابز، أصحاب النقل، المطاحن…) حفاظا على تثبيت الأسعار وعدم إثقال كاهل المواطنين.

ماذا عن رأيك في بقاء أو حذف وزارة الشؤون العامة والحكامة؟

> من خلال ما سبق، وللجواب على ضرورة إبقاء هذا القطاع مستقلا بذاته، أقول لك بكل صراحة أني ناضلت من أجل أن يُلحق هذا القطاع بقطاع الاقتصاد والمالية في الشق المعني بذلك، وبقطاع الإدارة فيما يخص الحكامة. وللتاريخ أيضا، يمكن القول إني قدمت مقترحا للأخ الدكتور سعد الدين العثماني عندما كان يناقش موضوع تقليص أعضاء الحكومة، وقد اقترحت فيه حذف قطاع الشؤون العامة وقطاعات أخرى، وكذا حذف كتابات الدولة نهائيا، وقد كنت اقترحت هيكلة حكومية بحوالي 24 و25 وزيرا بهذا المنطق، وأحمد الله على أن جزءا كبيرا منها قد اعتمد في حكومة العثماني الثانية، حتى أن العثماني قال في أحد المجالس الوطنية للحزب، إن بوليف اقترح هيكلة حكومية أقصى منها نفسه لأنه حذف كل كتابات الدولة. وكان بديهيا أننا عندما نقترح شيئا للمصلحة العامة، فإننا نُخرِج ذواتنا من الموضوع نهائيا. فلا تسابق على المناصب ولا كولسة لنجد أنفسنا في موقع معين. فما هو مكتوب ومقدر عليك، مكتوب في الأزل ولن يصلك إلا ما كتب الله لك، ولو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوك بمنصب، فلن يأتيك إلا ما كتب الله لك.

 

لم تستطع أنت وحزبك كشف أو مواجهة الريع الموجود في قطاع النقل سواء المتعلق بالكريمات أو غيره، لماذا؟

> بسط المشكل بهذه الطريقة غير صحيح. وباختصار شديد قلت قبل قليل إن قطاع الطاكسيات يجب أن يدمج في قطاع النقل، ولذلك ارتباط وثيق بما تتحدث عنه من ريع وكريمات. لقد كشف الحزب لأول مرة في التاريخ لائحة الحاصلين على الكريمات، وهي متوفرة للجميع ويمكن الاطلاع عليها. ثم إن قطاع النقل التابع للنقل (وليس للداخلية) لم يعرف توزيع كريمات جديدة منذ 2012، فكيف تقول إنه لم يتم الكشف والمواجهة؟

في مجال نقل المسافرين، بدأتُ مسلسل مشاورات مع المهنيين، أفضى إلى الاتفاق شبه التام على عقد برنامج سنة 2014 لإصلاح القطاع، وليلة قبل التوقيع عليه، تم تسريب نسخة منه وتأليب بعض الفاعلين ضده حتى لا توقعه الهيئات التي تحاورت لشهور حوله. ومما يحز في النفس هو أنه تم إشعار السلطات العليا أننا بمقترحنا لإصلاح القطاع، نُريد أن نلغي كل الكريمات السابقة الموزعة، وهذا غير صحيح بتاتا، مما دفع بتوقيف وتجميد التقدم في الملف، وهناك تفاصيل كثيرة جدا حول الموضوع، منها لقاء خاص مع وزير الداخلية والوزير المنتدب لديه، نتركه للمقبل من الأيام للتفصيل فيه وللرد على كل من يقول بأننا لم نستطع إصلاح القطاع.

في مجال نقل المستخدمين، والنقل المزدوج والنقل المدرسي وقطاع تعليم السياقة وقطاع مراكز الفحص التقني، فقد تم إدخال منطق دفاتر تحملات واضحة ومعايير مضبوطة، وتنقيط عوض تسليم الرخص/الكريمات، مما أعطى شفافية أكبر وألغى الريع الموجود سابقا، حيث كان من قبلنا قد ملأ القطاعات بالمنتمين والمتعاطفين الحزبيين.

 

كانت تجربة حكومة سعد الدين العثماني مختلفة بالنسبة إلى الحزب، حيث كانت قياداته منقسمة، فكيف عشتم كوزراء العدالة والتنمية تلك المرحلة؟

> من المؤسف جدا أن بعض قياداتنا الحزبية أخطأت تحديد الخصم (الخصم هو الآخر وليس جزءا من الجسم) وأخطأت كُنهَ المعركة (الملفات المعنية: التدريس بالعربية، الكيف وغيرهما)، وأخطأت توقيتها (مرحلة الكل ضد الحزب، في الداخل والخارج). جزء مما حصل ويحصل للعدالة والتنمية هو مما كسبت أيدي بعض قياداته وأعضائه. وهذا الجزء هو الذي ساعد وأعطى الضوء الأخضر للأجزاء الأخرى التي لم تتجرأ سابقا بهذه الطريقة لإتمام عملية الإجهاض على خصوصيات العدالة والتنمية، التي بدأت سابقا كما وضحت ذلك.

لقد كنا نطلق الرصاص على أرجلنا من حيث يظن بعضنا أنه انتصار لرأي أو توجيه لنصح، لكنها سنن الله التي لا تُحَابي أحدا. كانت هناك تفرقة مفتعلة، حرص عليها البعض عن حسن نية، والبعض الآخر عن سوء نية، عملت على إنهاك الحزب أساسا. أما الحكومة فكانت آليات اشتغالها مختلفة، وتكاد تكون منفصلة عن آليات اشتغال الحزب، لكن فتور الهمم وضعف حسن الظن جعل مهمة عمل وزراء العدالة والتنمية في الحكومة صعبة للغاية.

 

ما دمت من قيادات الحزب القلائل الذين بصموا على تجربة المشاركة في الحكومة لفترة طويلة، هل أنت مقتنع أن الحزب حقق كل ما كان يصبو إليه خاصة ما يتعلق بالشعارات البراقة التي كان يرفعها أيام المعارضة؟

> التغيير يحتاج إلى عوامل أربعة: أناس مؤمنين بالتغيير، ومجتمع مستعد للتفاعل الإيجابي مع التغيير، وموازين قوى تخدم أصحاب التغيير، ووسائل تغيير تكون في مستوى اللحظة التغييرية. وبالتالي إذا نظرنا لمختلف هذه العناصر أو العوامل، فسنجد أنها لم تكن متوفرة بالقدر اللازم لإحداث التغيير المنشود والذي تم التبشير به لسنوات.

وباختصار شديد، ودون الدخول في التفاصيل التي تحتاج منا لتقديم تحليل متكامل ومتناسق لمختلف العناصر أعلاه، يمكن القول إن ترؤس حزب العدالة والتنمية للحكومة جاء قبل أوانه بسنين عديدة، وأنه سيق إلى ذلك دون أن تكون عنده آليات وأدوات التغيير المطلوبة للقيام بمهامه. هذا لا يعني أنه لم تتوفر لديه النية والعزيمة والأطر الكفؤة، بل أعني أن المجتمع المغربي لا يمكنه أن يقفز على سنوات من النضج القيمي والإصلاحي لكي يصل إلى التفاعل الإيجابي والقبول بالإصلاح في سنة أو سنتين. إن الإصلاح مسلسل متواصل لعشرات العقود، وبدأت العدالة والتنمية الدرجات الأولى منه، لكننا لم نُعِد المجتمع الذي يقبل بالإصلاح، وهذا عمل شاق ومضن وطويل الأمد. كان علينا، ونحن جزء ممن يجب عليهم ذلك، أن نقوم بعملية التهيئة هذه قبل الأخذ بزمام الأمور. ثم إن الوصول لرئاسة الحكومة، في وقت كانت فيه كل موازين القوى خارج رئاسة الحكومة لم يكن ليساعد على النجاح في الإصلاح، فالمثقفون ورجال الأعمال والقوى الحية في المجتمع والهيئات المكونة للدولة بمفهومها العام ورجال العدل والقضاء والفئات المهنية الأخرى… كلهم كانت تحكمهم خلفيات كونوها لعشرات السنين، وتخدم نسقا تدبيريا معينا ومصالح مختلفة، لم يكن من السهل قبولهم بالمشروع الإصلاحي بشيك على بياض.

نعم، كان هناك تصويت نسبة من الشعب لصالح العدالة والتنمية (تقريبا 1.5 مليون من أصل 36 مليون مواطن)، لكن في ديمقراطية «هجينة» لا يمكن لهذا التصويت فقط أن يمكنك من القيام بالإصلاح إذا لم تكن موازين القوى لصالحك. ثم إن وسيلة رئاسة الحكومة والحكومة في حد ذاتها، إنما هي جزء من أجزاء أخرى من الدولة، عليها جميعا أن تتوافق على الإصلاح وعلى تدبيره بالطرق التي توافق الجميع. أخذ وعطاء وتفاوض على الممكن والمستحيل. وبالتالي يمكن أن أخلص إلى أننا بدأنا المشوار، كنا قد وضعنا القطار على السكة، لكن مع هؤلاء الجدد، يبدو أن القطار لم ولن ينطلق.

 

طيلة مسارك كوزير، كيف كانت علاقتك مع زملائك الوزراء في حكومتي ابن كيران والعثماني؟ وهل وقع اصطدام مع أحدهم؟

> الاشتغال داخل الحكومة له آلياته الخاصة، والاحتكاك وإن حصل لم يؤد أبدا إلى القطيعة أو الصدام. في بعض مجالس الحكومة كان هناك نقاش صريح وساخن في بعض الأحيان، يمكن أن يؤدي إلى خلاف جوهري. لكن عموما، كل الخلافات التي قد تحدث يتم التعامل معها قبل عقد اللقاءات للحسم فيها. أما التدبير لبعض الملفات المشتركة، فلم تكن فيه تعقيدات كبيرة، وكنا نحتكم لرئيس الحكومة عند الاختلاف. أما الملفات المفصلية فكانت تحتاج لتدبير آخر، يُدرج أحزاب الأغلبية في العملية. لكن، في الحقيقة، وللتاريخ، يمكن القول بأن غالبية وزراء الأحزاب كانوا مؤطرين من طرف أحزابهم في ما يخص التعامل مع الوزراء الآخرين، وهنا لا أتحدث عن العلاقات الشخصية.

وأكتفي هنا بالقول – إشارة وتلميحا – إن أحد الوزراء في الحكومة قال لي يوما ما: «نجيب لا أدري لماذا يقولون لي في الحزب لا يجب أن أتعامل معك، وأن أتعامل مع وزراء العدالة والتنمية الآخرين فلان وفلان… وأنا لا أجد فيك ما يدعو لعدم التعامل معك». فضحكت معه حينها، وقلت له: «لا عليك، أصحابك هؤلاء أعرفهم منذ عقود».

 

تحدثت عن الإنجازات التي حققتها في قطاع الشؤون العامة والحكامة، لكن ماذا عن قطاع النقل الذي قضيت في تدبيره مدة خمس سنوات؟

> وفق المنطق الذي ذكرت والتفاصيل أعلاه جاءت حقيبة النقل، وفيها كنت وزيرا منتدبا في حكومة ابن كيران، ثم كاتب دولة في حكومة العثماني. وإذا كنت تحدثت عن المرحلة الأولى، فلا بأس من التذكير بعجالة بكيفية تولي منصب كتابة الدولة. فقد كنت قررت بعد الولاية الحكومية الأولى الاكتفاء بالسنوات الخمس الأولى من العمل الحكومي، ولما رشحني الإخوة والأخوات لمجلس النواب بطنجة سنة 2016 حصلت على أكبر عدد من الأصوات في تاريخ التجربة البرلمانية المغربية آنذاك، وحصلت على 3 مقاعد من أصل 5، وعندما أصبحت وزيرا عُين المرتب رابعا في اللائحة لعضوية البرلمان. كانت فترة البلوكاج التي دامت أزيد من خمسة أشهر، وقد قمت بكل ما يلزم للاستمرار كنائب بالبرلمان، وباشرت تدبير ملف المالية الذي كلفت به بمكتب المجلس، ورتبت أموري الشخصية كلها على هذا الأساس، ومنها للطرفة فقط، اشتريت سيارة جديدة بـ»الليزنك» لاستعمالها خلال السنوات الخمس البرلمانية، لكن بعد الاستوزار من جديد اضطررت لبيعها بخسارة حوالي 5 مليون سنتيم خلال 5 أشهر (يضحك).

لكن بعد عمل اللجن الداخلية للحزب المكلفة بالاستوزار، تقرر أن أحتفظ بمنصبي بوزارة النقل، وعندما تم الاتصال بي يوما قبل التعيين لألتحق بالقصر، سألتهم: في أي منصب، فقيل لي «بالنقل دائما.. لم يتغير شيء»، ولما استفسرت عن الوزير بعد ذلك، قيل لي بأنه الأستاذ عمارة وليس رباح، فقلت لعله خير. لكن لم يكن يخطر ببالي أني سأكون كاتب دولة، ولو قيل لي ذلك من قبل لما كنت سأقبل، ولم أعلم بذلك إلا حين دخلنا القاعة بالقصر الملكي. وكما يقول المغاربة: «ديك الساعة فات الفوت»، ما بقا ما تخرج من القاعة، وإن كان ذلك قد خالجني لفترة.

بخصوص الإنجازات التي حققتها في القطاع فهي عديدة أيضا، وإن كان القطاع يعرف عدة متدخلين، ويخضع لمنطق يخص كل فئة على حدة، فبالإضافة إلى أنه يشمل النقل الجوي والنقل البحري والنقل البري والنقل السككي، فإن الفاعلين في كل هذه الأصناف من النقل يختلف باختلاف أهدافه. فالوزير في كثير من الأحيان يضطر لتدبير المتناقضات، فعندما تفكر في تدبير لتطوير قطاع نقل المسافرين، تجد نفسك مع إشكالات نقل المستخدمين والنقل المزدوج وسيارات الأجرة والخطوط الصغرى والخطوط الكبرى، وتجد نفسك مضطرا لتدبير صاحب الكريمة، ولكن أيضا المستخدم والسائق والوسيط الذي يدبر الكريمة (كان مهنيا أو فنانا أو رياضيا أو من ذوي الاحتياجات الخاصة أو عسكريا أو مدنيا أو…)، وكل له أهدافه ووسائل اشتغاله.

وعندما تدبر قطاع تعليم السياقة ترتبط بحق أرباب القطاع، ولكن أيضا بحق المواطنين الذين يتعلمون، والرفع من سعر رخصة السياقة سينفع أرباب تعليم السياقة لكنه سيضر بجيوب المواطنين، والحفاظ على أسعار النقل بين المدن جامدة منذ 1996 جيد للمواطنين لكنه سيئ للغاية لأرباب الحافلات لارتفاع المصاريف، وهنا لا بد من التنبيه إلى أنه يجب الحسم نهائيا مع ازدواجية تدبير القطاع.

وفي شق الطاكسيات، فلا زلت شخصيا لم أفهم لماذا لا يدمج قطاع الطاكسيات في اختصاصات وزارة النقل؟ وهو موضوع بحثته عدة مرات مع الجهات المختصة، ولا جواب مقنع.

تدبير تجديد الحظيرة بالنسبة للحافلات والشاحنات وفرض سنوات مقلصة للاستعمال يضر بأرباب الشاحنات والحافلات، لكنه ينفع الصناعة المغربية لأنها ستشتغل أكثر، وتمكن من تحقيق الهدف الاستراتيجي لصناعات العربات بالمغرب.

تم الاشتغال على مؤشرات السلامة الطرقية، وقد كان هذا ديدننا، وحققنا فيه إنجازات كبيرة، ومنها إخراج وكالة خاصة تجمع كل ما تفرع هنا وهناك في قطاعات أخرى في مجال السلامة الطرقية لالتقائية الإجراءات، وكان يؤدي إلى تضارب مصالح العديد من القطاعات، فهناك من يعمل على تطوير عربات سريعة جدا، ولكن السرعة ليست دائما صالحة على الطرقات.

بالنسبة لتدبير قطاع النقل المدرسي فهو مرتبط بشق اجتماعي (التقليل من الكلفة)، وشق مرتبط بالسلامة، مما يضطر لتقليص العدد وتوسيع المقاعد. أما تدبير النقل البحري فمرتبط بقطاعات وزارية أخرى متعددة كالداخلية ومغاربة العالم ومؤسسة محمد الخامس والخارجية والجمارك، وكل له أهدافه وأولوياته.

تدبير النقل المزدوج له ارتباط وثيق بتأهيل المجال وبالرفع من جودة الخدمة، لكن المستفيدين منه من ذوي الدخل المحدود لا يتحملون أسعارا مرتفعة في مستوى جودة أفضل.

وقطاع الطيران لا زالت رؤيته لم تتضح بعد وكانت عندنا إشكالات مع «لارام»، فهل شركة الخطوط الملكية الجوية يجب أن تكون في خدمة القطاع السياحي أم أن القطاع السياحي هو الذي يجب أن يكون في خدمتها؟ ومن ثم برز مشكل إلحاق «لارام» بقطاع السياحة في حكومة العثماني الثانية، وإعادتها للنقل في ظل الحكومة الحالية، وهل أسعار «لارام» يجب أن تكون منافسة أم أن هناك خطوطا حمراء لا يجب تجاوزها في تخفيض الأسعار؟

 

نزلت من سفينة الحكومة في التعديل الحكومي لسنة 2019، فما هي الكواليس التي رافقت مغادرتك الحكومة؟ وهل أخبرك العثماني بذلك مسبقا؟

> إذا تابعت ما قلته آنفا عن كوني لو كنت علمت أني سأكون كاتب دولة في النقل ما كنت لأقبل، ستعلم أني كنت من الأوائل الذين حرصوا على النزول من السفينة في أول تعديل حكومي غير مفروض. وقد ساهمت في اقتراح وثيقة حول الهيكلة الحكومية المقلصة كما أشرت إلى ذلك، وكنت طالبت فيها بإزالة كل مناصب كتاب الدولة. إذ كان الأمر واضحا منذ البداية، وكنا ناقشنا أمر كتاب الدولة في الأمانة العامة للحزب، وكان التوجه آنذاك هو حذفها نظرا للواقع الذي يعيشه البلد، ولعدم جدواها، في ظل الطريقة التي تشتغل بها في الحكومة المغربية، وخاصة بعد الإشكالات الكبيرة التي حدثت بعد اختلاف الاختصاصات المخولة لها، حسب الوزراء المسؤولين، واختلاف انتمائهم السياسي.

كيف عشت المرحلة التي أعقبت خروجك من الحكومة على المستوى الشخصي والأسري؟

> لن تصدق أني كنت أنتظر هذه اللحظة بشغف، وخاصة أن الأسرة الصغيرة، وحتى الكبيرة، كان الغالبية منهم يرون أن هذه المشاركة الحكومية يجب أن تنتهي. وللطرفة فقط، فقد صادف يوم انتهاء مهمتي الحكومية لقاء عزومة عقدته زوجتي مع صديقات لها بالمنزل، فجعلوا منه حفلا لخروجي من الحكومة. ثم إن الاستمرار لثماني سنوات في الحكومة أمر صعب جدا من كل زواياه. والحمد لله أننا خرجنا، ليس بسبب خطأ أو عدم إنجاز أو شيء آخر، بل فقط لأمر تدبيري يتعلق بتقليص عدد وزراء الحكومة.

 

كيف كانت علاقتك بجلالة الملك محمد السادس؟ وهل حصلت اتصالات مباشرة معه خلال مسارك كوزير؟ وما هي الملفات التي طلبت فيها دعم الملك؟

> هذا الملف لا يتطلب تقديم تفاصيل. شخصيا، كانت علاقتي بالملك جيدة وطيبة، وقد كان يتابع ويولي الاهتمام بالقطاعات التي أشرفت عليها. لا يمكن إلا أن أنوه بلطفه وعطفه الخاص عند الاتصال. ولقد كان ملفا «المقاصة» و«إصلاح قطاع النقل» من الملفات الرئيسية التي تطلبت منا بسطها وعرضها عليه لأخذ توجيهاته فيها.

 

بعد مغادرتك الحكومة، أصبحت نشيطا في مواقع التواصل الاجتماعي وأكثر تدوينا خاصة في القضايا التي تهم كرة القدم، ما كان يجر عليك انتقادات، هل ربما نراك مستقبلا وزيرا للرياضة؟

> لعل تعليقك وسؤالك هذا يدل على كيفية تعامل الصحافة مع بعض كتابات وخرجات وزراء العدالة والتنمية. فإحصائيا، وذلك متوفر على مواقع التواصل الاجتماعي، تقل عدد خرجاتي على هذه المواقع بعد خروجي من الحكومة عن فترة مسؤولياتي الوزارية. لكن بعض الخرجات تُحرج بالفعل، وتجعل العديدين يتصلون بي لمحوها أو تعديلها. أما الانتقادات، فهي مرحب بها عندما تكون من متابعين لهم آراء مختلفة. ولِعلمك، فقد حاولت دراسة التعليقات ومن وراءها، فوجدت أن حوالي 40 في المائة منها هي من طرف حسابات وهمية، منشأة للغرض نفسه، وهو التشويش والتأليب، وأن حوالي 30 في المائة منهم يستعملون نفس العبارات، بما يوحي بالتنسيق التام بينهم، وهي معطيات سيأتي الوقت الذي سأفصح عنها.

أما موضوع كرة القدم، فلعلمك أيضا، أنا لاعب جيد لكرة القدم (أو بالأحرى كنت كذلك، دابا بقا غير الفانت…)، وعندما كنت في أيام الشباب كنا نلعب لست وسبع ساعات يوميا، وعند بلوغي 17 سنة، كنت سألتزم مع فريق شباب cadets بهولندا للعب معهم، لولا أن الوالد رحمة الله عليه، لما استشرته قال لي عبر الهاتف بنبرة قوية: «كيف؟ أنا أتعب وأرسلك للخارج للدراسة وأنت تريد أن تلعب الكرة؟ إذا لم تنته عن هذا الأمر فسيكون للأمر ما بعده. رحمه الله رحمة واسعة. وهنا انتهى حلمي بالتخصص الكروي، وبعدها لعبت في بعض الأندية غير المصنفة بفرنسا، وبالتالي فعندما يكون لدي وقت ثالث أخصصه للكرة مشاهدة ومتابعة وغيرهما، و»ما باغي لا وزير الرياضة ولا شي حاجة أخرى»، وهي مناسبة لأقول من خلال هذا المنبر، لا يجب أن يجعلنا التأهل لمونديال قطر ننسى أننا فريق متواضع، لا يتوفر على مدرب طموح، ولا على هوية كروية، فالمنتخب تنقصه القيادة الجسورة، ويجب أن يرفع من حماس حاملي القميص الوطني، والذي يترفع عن حمل القميص ويعلن ذلك لا نلهث وراءه لنأتي به، القميص الوطني أكبر من أي لاعب، وخاصة إن كان من الذين لن يعطوا قيمة مضافة للفريق (لا أريد الدخول في تفاصيل قدرات هذا اللاعب أو ذاك…)، والتدبير والتسيير يجب أن يعطى لمن يحسنه، وأن اللي عندو شي مهمة يكتفي بها.

 

اشتغلت في الحكومة مع رئيسي حكومتين مختلفين هما الأستاذ عبد الإله بن كيران والدكتور سعد الدين العثماني، أيهما كنت على تواصل جيد معه أو كان يمدك بكل ما تحتاجه من دعم؟

> لن أقوم بعملية مفاضلة بين الأخوين، وسأترك ذلك لفرص أوسع بحول الله. لكن، لكل منهما طريقة عمله المختلفة جدا. أحترمهما معا وأؤكد على أنهما حاولا تقديم أقصى ما لديهما من أجل خدمة أفضل للبلد. وأنا شخصيا لا أحب العمل تحت الرقابة، وأفضل العمل بالأهداف وليس بالمباشر، كما أحرص على العمل الأمثل. من هذه الزاوية، لم يكن أي منهما يتدخل في عملي، وإذا كانت هناك توجيهات أو نصائح عمل فتبقى جد نادرة. أما الدعم فكان متوفرا كلما أتيحت الفرصة لذلك، وكان يراعي الوسط الذي يشتغلان فيه، ويمكن القول وللأسف، أنهما كانا يحاولان إرضاء الأطراف الأخرى في الأغلبية الحكومية، إذا ما برز تعارض أو خلاف أو اختلاف مع أي وزير من العدالة والتنمية.

لقد كان منطق المصلحة العامة مقدما على المصلحة الخاصة للحزب، وقد كان هذا الأمر يؤثر على تسيير وذهنية وزراء العدالة والتنمية.

برأيك، ما هي الحكومة التي كانت أكثر تماسكا أو توفرت لديها شروط النجاح؟

> هناك اختلاف كبير بين سياق الحكومتين بصفة عامة. فتوقيت كل منهما والظروف التي حكمتها تعطيك صورة عن التماسك وشروط النجاح.

تجربة ابن كيران الأولى كانت شبه مفاجئة للجميع، وخاصة بعد الربيع العربي، فكان الجميع في البداية يناصرها أو يظهر مناصرتها حتى لا يحسب على أنه ضد التوجه الشعبي، كما أنها جاءت استجابة لمطلب تغيير جماهيري خرج من الصناديق. لكن القوم، ما إن تثبتوا بأن الأمور قد هدأت وأن الحكومة استطاعت والحمد لله «امتصاص» الغضب الشعبي، حتى بدأ التفكير، منذ 2013، في سحب البساط من تحت أقدامها. بدأ حزب الاستقلال بقيادة أمينه العام آنذاك حميد شباط بهذه العملية لأنه كان الأسهل «تحريكا» للقيام بهذا العمل، فهو رجل ذو طموح جامح ويمكن للوعود التي تُقَدم له أن تدفعه للقيام بذلك، فقام بما كُلف به من محاولة لإسقاط الحكومة، متغافلا أن الذين رتبوا لذلك كانوا بالفعل يريدون إدخال حزب الأحرار للحكومة، إعدادا له للمرحلة المقبلة.

وقد حاول هذا الحزب إرباك الحكومة وعدم تبني مختلف قراراتها ليبقى «نقيا» من القرارات الكبرى التي اتخذتها، فأعدوا لمفاجأة المغاربة في الانتخابات الجماعية لسنة 2015 والتشريعية لسنة 2016، لكن المغاربة هم الذين فاجأوهم حقيقة، وأخرجوهم مرة أخرى خاويي الوفاض، وعاد ابن كيران لرئاسة الحكومة، لكن الذين يمسكون بزمام الأمور أرادوا لرئيس التجمع الوطني للأحرار أن يقوم بدور «البلوكاج» لفرض أقصى ما يمكن من تنازلات على حكومة ما بعد 2016، ويستمر البلوكاج، ويرأس الحكومة سعد الدين العثماني، لكن بقي في نفسهم الشيء الكثير، حيث لم يُفلح كل ما قاموا به للإطاحة بـ»الإسلاميين»، لذلك سيعملون لخمس سنوات أخرى، ولكن هذه المرة، بإتقان كبير وبتنويع وسائل التطويق، قانونا وإدارة وإعلاما وقففا للدعم، حتى لا يقع ولو 1 في المائة مما وقع من مفاجآت سنة 2016.

وبالتالي عن أي تماسك تتحدث؟ ما عدا التماسك «الصوري» الذي يلزم الفاعلين الحكوميين في الواجهة، وهذا كان متوفرا، أما الضرب تحت الحزام واللقاءات في الغرف المغلقة للإطاحة بالعمل الحكومي – ولا أقول الحكومة – فهذا لم ينته، بل ازداد مع مرور الوقت، وكان ما كان سنة 2021، وهو من قدر الله سبحانه.

تاريخ الخبر: 2022-05-04 15:19:33
المصدر: الأيام 24 - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 63%
الأهمية: 82%

آخر الأخبار حول العالم

زيارات “سرية” لطائرات بيدرو سانشيز إلى المغرب

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-16 03:09:39
مستوى الصحة: 66% الأهمية: 75%

نهضة بركان يتسبب في حالة طوارئ داخل الزمالك

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-16 03:09:47
مستوى الصحة: 64% الأهمية: 77%

وفاة المخرج السوري عبد اللطيف عبد الحميد عن عمر يناهز الـ70 عاما

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-16 03:06:56
مستوى الصحة: 77% الأهمية: 93%

حقيقة انضمام الجزائر إلى الاتحاد الأسيوي بدلا عن الإفريقي

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-16 03:09:32
مستوى الصحة: 67% الأهمية: 81%

المشروع العملاق بالصحراء المغربية يرى النور قريبا

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-16 03:09:29
مستوى الصحة: 74% الأهمية: 75%

نتنياهو يتهم مصر باحتجاز غزة “رهينة”

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-16 03:09:41
مستوى الصحة: 72% الأهمية: 72%

عملاق ألمانيا يتعاقد مع لاعب مغربي ليجاور مزراوي

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-16 03:09:36
مستوى الصحة: 66% الأهمية: 79%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية