لحن “ليبون أفكاف” (٢)


البُعد الطقسي للحن “ليبون أفكاف”:

تتكون “ليتورجيا” القداس الإلهي من أقسام معينة وهي كالتالي: تسبحة عشية، تسبحة نصف الليل،تسبحة ورفع بخور باكر، صلوات السواعي، الاستعداد ورفع الحمل، ثم قداس الموعوظين وصلاة الصلح،وأخيراً قداس المؤمنين المُسَمَى “الأنافورا”.

وكلمة “ليتورجيا” كلمة يونانية وهي تعبير مكون من مقطعين: “ليئو” بمعنى (شَعب)، و “جيا” التي تعني (عَمَل)، والمعنى العام (العمل الشَعبي الجماعي)، الذي يشترك الشعب والشمامسة مع الكاهن في الصلاة.

ويقع لحن الاسبسمس الواطس في جزئية قداس المؤمنين “الأنافورا”، وكلمة “أسبسمس” كلمة يونانية معناها (ترحيب أو تحية أو قبلة أو سلام)، وكلمة “واطس” في القداس الإلهي هي طريقة لحن على وزن نغمات لحن أيها الرب إله القوات، وهنا نشترك مع الطغمات السمائية في التحية أو التسبحة الشاروبيمية “قدوس قدوس قدوس رب الصباؤت السماء والأرض مملؤتان من مجدك الأقدس”.

وبعد التسبيح بالأسبسمس الواطس يأخذ الكاهن اللفافة التي على الكأس بيده اليمنى ويرشم على ذاته وعلى الخدام وعلى الشعب، وفي كل رشم يقول (قدوس)،وحسب تفسير الآباء تُؤخَذ الِلفافة التي على الصينية(التي تشير إلى القبر) وتستمر الكأس مُغَطاة، إشارة إلى ظهور الرب يسوع لمريم وإخفاء معرفته عنها مبدئيا (يو20: 14، 15)، ثم تُؤخَذ الِلفافة عن الكأس إشارة إلى إعلان ذاته لها (يو20: 16-18).

كما تحدثنا في مقال سابق (لحن المصالحة في عيد السلام) في شرح الاسبسمس الآدام لعيد الميلاد المجيد،عن فكرة إلتجاء الكنيسة إلى ثلاث مجموعات من الألحان من الناحية الموسيقية، فنجد أن لحن “ليبون أفكاف”يندرج تحت المجموعة الثالثة التي تكون موسيقى هذا اللحن ثابتة لا تتغير على مدار السنة حتى في المناسبات والأعياد المختلفة، فنغماته كما قلنا مثل لحن (أيها الرب إله القوات)، والذي يتغير في اللحن هو كلمات الجزء الأول من اللحن، الذي يتكلم عن قبر وقيامة رب المجد، أما الجزء الثاني فلا يتغير في كلامه أو موسيقاه وهي التسبحة الشاروبيمية ( قدوس قدوس قدوس رب الصاباؤت السماء والأرض مملوؤتان من مجدك الأقدس).

هذا اللحن نسبح به في فترة هامة في القداس الإلهي “الأنافورا”، التي تبدأ بحوار بين الكاهن والشعب، وتبدأ بعبارة (الرب مع جميعكم)، وكلمة “أنافورا” هي كلمة يونانية من مقطعين: “أنا” معناها إلى فوق، و “فورا” التي تعني يرفع أو يُقَدِم، فيكون المعنى العام (رفع الإنسان أو الشيء)، أي يرفع القرابين إلى فوق، أو يرفع القلوب إلى السماء، حيث يدخل الإنسان في الأجواء الروحانية أو السماوية، فنلتقي بالسيد المسيح الذبيح القائم من الأموات والصاعد إلى السموات، وفي هذه الحالة يتحقق حلول الروح القدس على الخبز والخمر ليحولهما إلى جسد ودم المسيح، ويحل على المؤمنين الذين سوف يتحدوا بالمسيح عندما يأكلوه ويثبت المسيح فيهم، فينتعشوا روحيا بتناولهم من الأسرار الإلهية بروح التسبيح والفرح.

ولكي تتحقق هذه المعاني الطقسية، والحالة الروحية المقدسة التي نعيشها في هذه الفترة، تتضح لنا بعض الملاحظات:

أولا: مع بداية “الأنافورا” والتي تعني كما قلنا رفع القلب إلى أعلى واتجاهه ناحية السماء وتركيزه في الحالة الروحية المقدسة، ينادي الشماس “بروسخومين” (نُنصت)ليتهيأ الجميع بالهدوء والصلاة، (خاصة أنه في هذه اللحظة كان وقت خروج الموعوظين من الكنيسة في القرون الأولى للمسيحية).

ثانيا: نُلاحظ أن لحن الاسبسمس الواطس يُعتبر آخر الألحان الطويلة التي يقولها الشعب من بداية القداس الإلهي حتى نهاية صلاة الصلح، أما فترة الأنافورا تخلو تقريبا من الألحان الطويلة بعد هذا الأسبسمس، وحتىنهاية مرد الإعتراف للشماس.

ثالثا: الأسبسمس الأدام والأسبسمس الواطس لا يتغير لحنُهُما على مدار السنة حتى في المناسبات المتنوعة.

رابعا: ثبوت ألحان القداس بنغمات لا تتغير حتى في المناسبات كالأعياد السيدية، والذي يتغير فقط هو نوع القداس إن كان باسيلي أو غريغوري أو كيرلسي وكل قداس له ألحان محددة لا تتغير.

خامسا: هذا القسم من القداس الإلهي تكون ألحانه وصلواته مخصصة بصورة أكبر للأب الكاهن من حيث عمله الكهنوتي، حيث تبدأ صلوات التقديس واستدعاء الروح القدس ثم تقسيم الجسد.

سادسا: ألحان الشعب تتقلص لتُصبِح مُجرد مردات بسيطة كتجاوب لصلوات الكاهن ونداءات الشماس في مرداته، وهنا يظهر الأسلوب التجاوبي (responsorial singing) أحد أساليب أداء الألحان في الليتورجيا.

سابعا: تنقطع الدورات الكنسية أو الحركات الكبيرة في هذا القسم من القداس، ويقف الجميع بثبات متجهين إلى الشرق، ويستجمع كل إنسان أفكاره ليعيش في وضع الصلاة.

ثامنا: تكون الحركات الطقسية من الكاهن أمام المذبح فقط، ولا يخرج من الهيكل إلا وقت تناول الأسرار.

وكل هذه الملاحظات تُعطينا فكرة عامة وهامة عن تقليل الحركة في أجواء وحركات طقسية إضافية، أو منع التشتت في نغمات متغيرة، في جزء يحتاج إلى أكبر قدر من التركيز والروحانية، ليتوافق مع حَدَث هام وهو الاستعداد لتحول الأسرار وحلول الروح القدس، فهو أعظم حَدَث تعيشه الكنيسة حتى لو تغيرت المناسبة، لأننا في القداس نعيش هذه الفترات كعيد سيدي نحتفل به يومياً، في مهابة وفرح وخشوع حيث نأكل جسد الرب ودمه ونثبت فيه ويثبت فينا.

يبدأ الكاهن قداس المؤمنين بنداء “أين هي قلوبكم”، فيرد الشعب “هي عند الرب”، ويُصلي الكاهن واصفاً الله تبارك اسمه، فينادي الشماس “أيها الجلوس قفوا”،ويُكَمل الكاهن “الذي يقف أمامه رؤساء الملائكة…”فينادي الشماس “وإلى الشرق أنظروا”، فيُكَمل الكاهن “أنت الذي يقف أمامك الشاروبيم…يسبحون على الدوام”، وبعد كل هذا الاستعداد القلبي، والتركيز الذهني، وتخصيص الحواس لتثبيتها في إتجاه السماء، وتأهيل النفس والجسد لهذه الفترة الهامة اللاحقة وهي تحويل الأسرار، تنتقي الكنيسة هذا اللحن الرائع العميق “الاسبسمس الواطس”، فهو لحن هام من حيث موقعه ومن حيث موضوعه، والذي ينتهي أيضاًبنفس هذه الأفكار حينما يُرتل الشعب قائلاً: “قدوس قدوس قدوس رب الصاباؤت السماء والأرض مملوؤتان من مجدك الأقدس”.

أما بالنسبة لكلمات لحن الأسبسمس الواطس لعيد القيامة المجيد “ليبون أفكاف” (وأيضا وُضع في القبرحسب الأخبار النبوية، وفي اليوم الثالث قام من الأموات)، يبدأ بكلمة (وأيضاً)، أي أنه يُعطي نظرة أخرى لعمل الله، حيث يؤكد اللحن بأننا ننظر إلى الله المهوب القدوس، الذي لم يَستَنكِف (يمتنع)عن أن يتألم ويُوضع في القبر حباً في خلاصنا، ولذلك فنحن لا نشكره فقط لأنه خالق الكل، وضابط الكل، وتمجده كل الكائنات السمائية؛ ولكن لأنه (أيضاً) صنع لنا هذا الخلاص العظيم وقُبِرَ وقام من الأموات مُعطياً لنا أن نقوم معه.

ولذلك فإن هذا اللحن الذي يُقال في عيد القيامة والخماسين المقدسة، يكون متوافقاً تماماً مع كلمات القداس الغريغوري (الذي فيه نخاطب الابن الكلمة الذي قام بكل الأعمال الخلاصية لأجل الإنسان)، الذي خصصته الكنيسة بحكمتها لفترة الأعياد المقدسة، حيث يقول الكاهن في صلاته: “مستحق بالحقيقة وعادل أن نسبحك ونباركك ونخدمك ونسجد لك ونمجدك….الله محب البشر، الذي لا يُنطَق به ….غافر خطايانا منقذ حياتنا من الفساد، مكللنا بالمراحم والرأفات”، ثم يستكمل الكاهن بعد هذا الأسبسمس قائلا: “قدوس قدوس قدوس في كل شيء ….لكن وَضَعتَ ذاتك وأخذت شكل العبد ….احتملت ظلم الأشرار ….أتيت إلى الذبح مثل خروف حتى إلى الصليب ….قتلتَ خطيتي بقبرك، أصعدت باكورتي إلى السماء ….فإذا ياسيدنا فيما نصنع ذكر نزولك على الأرض، وموتك المُحيي، وقبرك ثلاثة أيام،وقيامتك من الأموات ….نُقَرِب لك قرابينك من الذي لك،على كل حال ومن أجل كل حال وفي كل حال”، وهنا نُقدم السجود للحمل كلمة الله، ويحل الروح القدس ليتحول الخبز والخمر إلى جسد الرب ودمه الأقدسين.

إن كنيستنا القبطية الحكيمة استطاعت أن تختار ألحاناًمحددة، متوافقة مع أقسام القداس المتنوعة، ومع المناسبة الطقسية التي تعيشها الكنيسة، واختارت أنواع من القداسات تُوافق مناسبات كنسية خاصة، وتربط كل هذا بالكلمات العميقة التي يُصليها الكاهن، ويتجاوب معها الشعب، فيخرج الإنسان في حالة روحية مقدسة، شاكرا لله على كل أعماله العظيمة التي فعلها للبشرية.

الرابط الخاص بلحن “ليبون أفكاف ” الأسبسمس الواطس لعيد القيامة المجيد.

تاريخ الخبر: 2022-05-16 09:21:29
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 51%
الأهمية: 55%

آخر الأخبار حول العالم

النقابة الوطنية للعدل تدعو إلى إضراب وطني بالمحاكم لثلاثة أيام

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 00:26:11
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 68%

النقابة الوطنية للعدل تدعو إلى إضراب وطني بالمحاكم لثلاثة أيام

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 00:26:17
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 51%

سعيد بنكراد.. يكتب "تَـمَغْربيتْ"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 00:25:52
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 52%

سعيد بنكراد.. يكتب "تَـمَغْربيتْ"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 00:26:00
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 69%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية