عذرا «لينين» الحقيقة ليست دائما ثورية


لم يبق سوى شهرين عن ذلك الموعد والغموض مازال يحيط بالعديد من جوانب قرارات الرئيس والخطوات المقبلة ، فلا وجود لحدّ اللحظة للجنة لصياغة الدستور الجديد الذي سيعرض على الاستفتاء، ولم تتوضح الصّورة بالكامل لما سيكون عليه الحوار الوطني شكلا ولا هويّة المشاركين فيه ، ّ وإسباق التأكيد على أنّ محاوره لن تخرج عن خلاصات «الاستشارة الوطنية « وسيكون ترجمة حرفية لها، ممّا سيجعل من المستبعد مشاركة «المنظمات الوطنية» والتي كان في حساب الرئيس أن يعوّض بها الأحزاب السياسية التي سيقصيها من المشهد ، فمن الصعب على الاتحاد العام التونسي للشغل الذي كان محور الحوار الوطني الذي جرى في السابق أن يقبل بدور «الكومبارس» صلب لجنة فرعية في حوار مخرجاته محسومة سلفا، وقيادة الاتحاد ليست بالسذاجة التي تجعلها تسلّم رقبتها للرئيس وأنصاره بالمشاركة في اغتيال الأحزاب كما جاء على لسان أحد أعضائها ومن بعدها تجد نفسها وجها لوجه معه، ورغم علاقة الود بين بعض قياديي الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان مع الرئيس ستجد هيئة الرابطة نفسها محرجة في حال مشاركتها في حوار يكون حضورها فيه صوريا وقد يفضي إلى إرساء الحكم الفردي وعودة الدكتاتورية كما تصف ذلك العديد من الجهات ، حتى المحاماة وهي القطاع الأكثر حساسية للفعل السياسي لوجود عدد كبير من القيادات الحزبية من المحامين ، فإنّه من المستبعد المشاركة باسم المهنة، لأنّ ذلك سيعمّق الخلافات صلب القطاع ويورّطه في جدل قانوني لكثرة المطاعن في العديد من الإجراءات التي اتخذها الرئيس ويعتبرها الكثير من المختصين خرقا واضحا للأساس القانوني الذي تقوم عليه الدّولة ، لذلك استدركت الهيئة الوطنية للمحامين موقف عميدها الذي سبق له أن أعلن مناصرة الرئيس دون قيد ولا شرط، وجاء موقفها أقرب للرفض منه إلى القبول به.
وتبدو الصّورة وكأنّ الخناق ضاق على الرئيس واصبح من الصّعب عليه المضي قدما في ما سطّره إذا لم يكسب دعم تلك المنظمات ، لكن الأقرب للواقع أنّ الرّئيس لن يتراجع ، فكلّ مواقفه وسلوكه السياسي منذ 25 جويلية مبني على التّحدّي وتجاهل رأي الأخرين مهما كان وزنهم ، فالرجل أقدم على حلّ المجلس الأعلى للقضاء وتنصيب مجلس جديد ، وابدى عدم اعترافه بمبدإ التفريق بين السّلط وجعل السّلطة القضائية جهازا وظيفيا في تداخل مع السلطة التنفيذية هذا إن لم يكن خاضعا لها ، وضرب عرض الحائط كلّ التحذيرات الداخلية والخارجية من المساس بهيئة الانتخابات، فوضع يده عليها وأعاد تركيبها وفق تصوّره دون استشارة أي جهة كانت، إذن فالمتوقّع أن لا يثنيه لا اعتراض «أعداء» ولا نصح « أصدقاء عن مواصلة طريقه إلى النّهاية مستندا على الشارع وبعض الكيانات الحزبية الصغيرة التي وجدت في مشروعه فرصة للتموقع وأخذ مكان لها على خارطة الحكم ،
هذا ما يجعل قلق العديد من الفاعلين والمتابعين يتضاعف وهم يرون البلاد كالسفينة تتقاذفها الأمواج ولا مرفأ في الأفق لترسي فيه. وفي الحقيقة فإنّ قلقهم لا يقتصر على ما يقوم به الرئيس فقط، فكلّ القوى تعتمد نفس الأسلوب تقريبا، الجميع يمارس سياسة الهروب إلى الأمام ويرفض الوقوف على مسؤوليته في ما حصل وما سيحصل، الكلّ يتحصّن بالإنكار وإذا أردنا عنونة هذه المرحلة فسيكون العنوان المناسب لها «زمن الإنكار».
فالذين يسمّون أنفسهم أنصار «مسار 25 جولية» يرفضون جملة وتفصيلا الاعتراف بوجود انتكاس أو تراجع للمسار ويرون أنّ الخارطة التي وضعها الرّئيس تسير نحو تحقيق أهدافها بمحاسبة المسؤولين عن «العشرية السوداء» والقضاء على الفساد وبإبعاد الأحزاب من المشهد ثمّ إرساء « الجمهورية الجديدة» التي ستضع البلاد على سكّة الرّخاء والازدهار،
في حين الجزء من المعارضة الذي كان يمسك بمقاليد الأمور يرفض الاعتراف بأنّ ما يسمّيه «انقلاب» هو من مهّد له الطريق بعجزه عن تحقيق وعوده وبالثّغرات التي تركها في البناء القانوني والدستوري وبسياسته التي أصابت الدولة بالعجز والوهن وبعد مرور عشرة أشهر لم يبرح موقفه المتشبّث بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، في حين الجزء الأخر الواقع في كمّاشة المنظومة السابقة والشعبوية الجديدة يتخبّط في اختياراته ويتأخّر كثيرا في بعث خط ثالث يكون هو البديل لشرعية مهترئة ولشبعوية تضع البلاد على طريق المجهول.
أمّا الشارع الذي لعب دورا في العديد من المناسبات المفصليّة في العشرية المنصرمة، فلا يمكن تجاهل مساهمته في نتائج سياسات المرحلة السّابقة بالسّلب وبالإيجاب، لقد تعامل في أغلب الأحيان بصمت مع تعطيل إنتاج الفسفاط والبترول وغلق مؤسسات ومصانع أجنبية وقطع الطرقات وتضخّم الأجور. لقائل أن يقول، هذه مسؤولية الأحزاب التي تولّت الحكم ولا دخل للشارع فيها، لكنّ الشارع هو الذي كان نشيطا في لعب دور الرّقيب وفي أكثر من مرّة هو الذي غيّر مجرى الأحداث، فهل يكون هنالك تواطؤ ضمني بين الأحزاب وجزء من الشارع على أساس «الأصوات مقابل التسيب»، أكيد أنّ الأحزاب كانت أضعف من الشارع بعد أن فشلت في تأطيره والتعاطي معه بعقلانية وتلك خسارتها الكبرى، لكن وجب التخلّي عن النظرة المثالية والقدسية للشارع والبحث في تحديد دوره ومسؤوليته كي لا يصبح فوق كلّ السلطات.
وبالتّالي فكلّ الفاعلين لم يسعوا لإدراك حقيقة الأوضاع لأنّ جميعهم يخافونها ويرون أنّه من مصلحتهم الهروب منها والتعتيم عليها ، وفي هذا السّياق يحكى عن لقاء جمع الرئيس «غورباتشوف» بكاتب شيوعي كبير أيام كان الاتحاد السوفياتي على مشارف الانهيار وكان «غورباتشوف» خلال ذلك اللّقاء يحاول تبرير مواقفه لضيفه وإقناعه بصواب سياسته بقوله « الاتحاد السوفياتي انتهى في شكله الحالي والشيوعية وهم علينا الخروج منها لنتصالح مع الحقيقة « فردّ عليه ضيفه إذا كانت الشيوعية وهما فهي وهم جميل تظلّل بظلالها على ملايين البشر وليس للحقيقة وجه واحد فلكلّ حقيقته يا سيادة الرئيس.

تاريخ الخبر: 2022-05-19 12:19:55
المصدر: جريدة المغرب - تونس
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 50%
الأهمية: 60%

آخر الأخبار حول العالم

"الكاف" تكشف طاقم تحكيم نهائي نهضة بركان والزمالك

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 15:09:53
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 50%

معاناة أعوان الحراسة الخاصة والنظافة تصل البرلمان

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 15:08:58
مستوى الصحة: 65% الأهمية: 76%

بونو يقترب من تحقيق رقم تاريخي

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 15:09:09
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 78%

مدرب ليفربول ينتقد الدوري الإنجليزي

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 15:08:55
مستوى الصحة: 62% الأهمية: 82%

الرسوني يفتي بجواز التصدق بثمن الأضحية لأهل غزة والقدس والضفة

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 15:09:54
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 56%

إطلاق خدمات 14 مركزا صحيا حديثا بمكناس

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 15:09:06
مستوى الصحة: 73% الأهمية: 82%

التايلاند تخرج عن صمتها بشأن “اختطاف مغاربة” عبر فرص عمل وهمية

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 15:08:53
مستوى الصحة: 74% الأهمية: 76%

“الكاف” تختار حكم مباراة نهضة بركان والزمالك

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 15:09:02
مستوى الصحة: 72% الأهمية: 71%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية