التنشئة الاجتماعية السليمة تجنب الأسرة آثار وسلبيات العولمة


أكد الأخصائي النفسي العيادي الجنائي د. عبدالله الوايلي أن المختصين وغير المختصين يتفقون على أن الأسرة عبارة عن أجزاء يمثلها الأفراد، وأنها اللبنة الأولى في بناء المجتمعات، بل إنها الإطار العام والمرجعي لأفرادها وما يتمثلون به أمام الآخرين من صور في العالم الخارجي، سواء كانت صورا عقلية أو وجدانية أو سلوكية، وأن من انعكاسات تلك الفكرة أن طبيعة وثقافة وخصائص الأسرة تنعكس بشكل مباشر وغير مباشر على الأبناء من الجنسين، لأنها المركز الأساسي للتنشئة الاجتماعية، فهي ثقافة الأم الحاضنة والمربية والمعلمة ومصدر تكوين الوعي الذاتي والاجتماعي من خلال ما تستند عليه من مبادئ وقيم وأعراف وعادات وتقاليد ثقافية اجتماعية موروثة ومتجذرة عبر الأجيال المختلفة.

هيكل الأسرة


وأوضح أن هذا يتنافى مع العولمة وآلياتها، فعلى النقيض تماما تأتي العولمة التقليدية والحديثة في قالب ثقافي فرعي مستقل ودخيل متدرج ومتطور شامل لكل المجتمعات بما فيها من أسر، ليصبح تأثيرها أعم وأشمل، بل إنها من المسلمات الجبرية التي تفرض على الوالدين مسايرتها ومحاكاتها بين «الممكن واللا ممكن»، وهنا لابد من تحكيم العقل الجمعي والمنطق الاجتماعي المتمثل في البناء عبر مسايرة الأبناء فيما يمكن تأييدهم عليه، وتوعيتهم بما لا يمكن السماح به من أجل الحفاظ على هيكل الأسرة واستقرارها في كل المجالات، خاصة الأمن النفسي والفكري.

تأثير العولمة

وأضاف: ومما لا شك فيه أن تأثير العولمة خطير، لأنه ممتد ومتشعب وشائك ومتسارع، خاصة على المرحلة النمائية للطفل والتطورية للمراهق والتأملية للراشد، وآلياتها المتنوعة والمختلفة والمتداخلة فيما بينها كالانفتاح التقني الإجباري تعد من أهم العمليات وأكثرها تأثيرا في حياة الفرد وفي تكوينه الشخصي، لما فيها من تفاعل وتباين ثقافي وسلوكي متداخل، وبالتالي فإن مشكلات التنشئة الاجتماعية في ظل عصر العولمة الحديثة وآلياتها المعتمدة على التقدم التكنولوجي تعد أكثر صعوبة وتعقيدا، إذ أصبحت الحاجة ملحة إلى وجود الدراسات العلمية النفسية والاجتماعية لدراسة المشكلات الأسرية والتربوية بشكل أعمق لتقديم الحلول المناسبة للتكيف والتوافق والتأقلم المجتمعي.

التنشئة الاجتماعيةوتابع: في المقابل إذا ما أدركنا أن التنشئة الاجتماعية عبارة عن عملية تعلم بالدرجة الأولى، وأنها تعليم وتربية تتركز على التفاعل الاجتماعي، وتهدف إلى اكتساب الفرد المبادئ والقيم والاتجاهات والسلوكيات المناسبة لدوره الاجتماعي، فهذا يعني أنها ليست مجرد تنظير بل تطبيق واقتداء، ومن هنا فهي تفضي إلى إحداث تغيير معرفي وسلوكي إيجابي عن طريق عمليات النمو المختلفة لدى الفرد للوصول به إلى أعلى درجة من التقدم والكفاءة، ولابد من الإشارة إلى أن غياب الريادة الأسرية ودورها في التنشئة والتربية وتساهل الأسر في الأدوار المناطة بهم يقود إلى اضمحلال مبدأ القيم، وإلى انعدامها في المستقبل، إذ إن ريادة العولمة بما لديها من مظاهر متعددة كالتطور التكنولوجي المتسارع والمختلف من وسائل التواصل الاجتماعي المتنوعة، أدى بشكل مباشر وغير مباشر إلى تهديد الوحدة الأسرية والمجتمعية، وبالتالي انتشار ثقافة التقليد والمحاكاة والاستهلاك وسيادة القيم الذاتية الفردية، التي أدت أيضا إلى الجرائم المستجدة والممتدة مكانيا وزمانيا.

المشكلات السلوكيةواستطرد قائلا: من هذا المبدأ فإنه من الطبيعي جدا أن ينتج عن الغياب الأسري وسيطرة العولمة أشكال متعددة ومختلفة من الجرائم، التي تستهدف الأبناء من الجنسين في مختلف المراحل العمرية، ما يؤدي إلى قتل القيم والمبادئ الاجتماعية، وهذا ما أثبتته بعض الدراسات العلمية حول التأثير التقني والتكنولوجي العميق، الذي يحدث اضطرابات في الأسرة الواحدة، ومن تلك الدراسات دراسة «الجالي عام ٢٠٢١م»، التي ذكرت أن النتائج أثبتت أن المشكلات الناتجة عن المتغيرات التكنولوجية الحديثة على التنشئة الاجتماعية للأبناء ككل كما يحددها أولياء الأمور تمثلت في المشكلات السلوكية والاجتماعية والتعليمية، وأنه توجد فروق جوهرية ذات دلالة إحصائية بين استجابات أولياء الأمور الذكور والإناث فيما يتعلق بتحديدهم للمشكلات الاجتماعية، ومثل هذه الدراسات تهتم بالتغيرات والتحولات الثقافية السريعة التي لحقت بالأسرة بسبب العولمة التقليدية والحديثة التي ركزت على تغيير النظام القيمي بما فيه من مبادئ ومفاهيم ومعايير سائدة، ما أثر بشكل واضح وجلي على العرف الاجتماعي ودوره الرئيسي في الموروث الإنساني الثقافي، وبالتالي ضعف نظام التماسك والمساندة والتكامل الاجتماعي في الأسرة وسيطرة الفردية.

غياب القيمواختتم حديثه بالقول: يقودنا هذا إلى استنتاج أن غياب القيم والمثل الأسرية في ظل العولمة أمر طبيعي جدا، لأن مشارب الإنسان فيها كثيرة ومتعددة، بل إنها مشارب حتمية وجبرية في نفس الوقت، إلا أن اللا طبيعي هو الاستسلام لها والانهزامية أمامها، فالعلاج يبدأ بتقبل تلك المتغيرات أولا، ثم العمل على التغيير التدريجي المقنن وفق الخصوصية الاجتماعية، وكل ذلك يتم بالعقلانية البحتة من خلال مخاطبة العقل لا الوجدان، بالإضافة إلى توفير البدائل والأنشطة الاجتماعية الإيجابية والمثمرة، وكذلك إشغال وقت الأبناء بالمفيد والفريد بشكل مباشر وغير مباشر كالمسابقات الرياضية الذهنية منها والبدنية وغيرها، وفي ضوء ما سبق فإن العلاقة بين مقاييس المبادئ والقيم الأسرية وبين مقاييس العولمة الجديدة علاقة عكسية تماما، إذ إن ارتفاع أحدهما يعني انخفاض الآخر مباشرة، ولذلك أصبحت التنشئة في كل المجتمعات تواجه أزمة حقيقية نظرا لما تتعرض له من تغير ثقافي اجتماعي واقتصادي جبري بسبب الانفتاح التقني والتكنولوجي.

طبيعة وثقافة وخصائص الأسرة تنعكس بشكل كبير على الأبناء

عملية تعليم وتربية تعتمد على التفاعل الاجتماعي بالدرجة الأولى

تأثير خطير على المراحل النمائية للطفل والتطورية للمراهق والتأملية للراشد

الغياب الأسري وسيطرة العولمة يسببان أشكالا متعددة من الجرائم
تاريخ الخبر: 2022-05-19 18:24:56
المصدر: اليوم - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 54%
الأهمية: 61%

آخر الأخبار حول العالم

تراجع جديد في أسعار الحديد اليوم الخميس 2-5-2024 - اقتصاد

المصدر: الوطن - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 06:21:03
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 54%

مع مريـم نُصلّي ونتأمل (٢)

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-02 06:21:50
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 50%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية