هل لا تزال منظمة التحرير "الممثل الشرعي والوحيد"؟


إذا ما كانت "القيادات" الفلسطينية متعددة متناقضة ومختلفة في استراتيجياتها للتعامل مع المستجد، خصوصاً حين تتدافع الأحداث الميدانية، فإن الأمر على عاديته الرتيبة بات يتكشف عن مأزق تمثيل حقيقي لفلسطين والفلسطينيين.
تكمن هذه الإشكالية ليس فقط في ضروراتها المتعلقة بمواجهة الاحتلال، الذي يزداد تطرفاً وشراسة وإجراماً، أو بالوصل مع الدوائر العربية والإقليمية والدولية، بل في حاجة الفلسطينيين أنفسهم، في "فلسطين التاريخية" وفي الشتات إلى واجهة جدية جديدة تضع حداً لمرحلة باتت مترهلة متقادمة فاقدة للمبادرة ملتصقة بشروط وقواعد انتهت صلاحياتها.

ليست ثنائية القيادة بين رام الله وغزة المتناسلة من حالة الانقسام بين "الضفة" و"القطاع" منذ عام 2007 هي كل المشكلة. فإضافة إلى أن غياب الانتخابات يقوّض شرعيات التمثيل لحركتي "فتح" و"حماس" في المنطقتين ويشكك بها ويفرض سلطات الأمر الواقع، فإن الفلسطينيين في فلسطين والعالم، والذين ارتضوا بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً ووحيداً لهم، باتوا لا يجدون بها ولا بسلطة رام الله ولا بخيار "حماس" وحلفائها الواجهات المواتية أو ربما الكافية لهذا التمثيل.

الأمر لا يتعلق فقط بالشرعية والقانون، بل بالأمزجة والمصالح والأولويات التي باتت متباعدة بين فلسطينيي الخارج والداخل، كما بين فلسطينيي غزة والضفة الغربية، وأيضاً بين الجميع وفلسطينيي 48. حتى أن الشريحة الأخيرة كشفت، لا سيما لمناسبة دعم القائمة العربية الموحدة برئاسة منصور عباس لحكومة نفتالي بينيت الإسرائيلية، تصدّعاً إضافياً داخل المجتمع العربي في إسرائيل وجب تأمله بجدية لفهم التحولات التي حصلت له داخل "الخط الأخضر". وإذا ما يبدو "الشتات" هامشاً بعدما كان متناً قبل "أوسلو"، فإن فلسطين باتت مفتّتة إلى مشاريع، بعضها خارجي، لم تعد "المنظمة" وسلطتها والخارجين عنها قادرين بالجملة والمفرق إدعاء تمثيلها وحصريته.

قرر العرب في قمة الرباط عام 1974 أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني. على ضوء ذلك حصلت فلسطين على مقعد "مراقب" في الأمم وتأهلت المنظمة للتحدث باسم فلسطين في المحافل الدولية ونالت اعتراف العالم بها ممثلاً للفلسطينيين. أكثر من ذلك، ذهب العاهل الأردني الراحل الحسين بن طلال لاحقاً إلى اتخاذ قرار فك ارتباط الأردن بالضفة الغربية عام 1988 لإنهاء أي لغط أو لبس في تمثيل "المنظمة" وسعيها لإقامة دولة فلسطينية مستقلة. لكن أين أصبح هذا التمثيل؟

بغضّ النظر عما أصاب منظمة التحرير من تهميش لصالح السلطة الفلسطينية وهياكلها القيادية، وتجاوزاً لأي تقييم لمآلات "أوسلو" ورواج التشكيك بـ"حلّ الدولتين"، فإن الدعوات المُملّة والممجوجة لإعادة انعاش منظمة التحرير باتت بليدة نوستالجية تأتي من خارج سياق الوقائع التي طرأت على "الأجسام" الفلسطينية، والتي لا يمكن للمنظمة أن تستمر بالإدعاء، أولاً، أنها "ممثل" الفلسطينيين، وثانياً، أنها الطرف "الوحيد" الذي يحتكر هذا التمثيل.

ومن حقّ من يريد التمسك بمنظمة التحرير بصفتها منجزاً وطنياً مقدّساً أن يفعل ذلك. من حقّه أيضاً أن يستمر بالغرف من مستودع الذكريات وأن يسكن في كوكب آخر لا يعترف بما تحوّل وطرأ وانقلب وتبدّل وتبخّر في الراهن الفلسطيني. غير أن مسؤولية الإقدام على الإبداع السياسي في هذا الصدد هي على عاتق الفلسطينيين من دون غيرهم، ذلك أن البيئتين العربية والدولية، اللتين لا تملكان مشاريع حلّ ولا تسعيان لذلك، غير معنيتين بإحداث أي تطوير تاريخي لمساحة جديدة تمثل فلسطين القرن الحادي والعشرين.

قبل أيام وفي معرض السعيّ لحلّ معضلة عضوية أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي، خرج الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ باقتراح تأسيس مجموعة سياسية أوروبية "ستسمح للأمم الأوروبية الديموقراطية التي تؤمن بقيمنا الأساسية، بإيجاد مساحة جديدة للتعاون السياسي وللأمن". الاقتراح يتيح لأوكرانيا ودول مثل البوسنة والهرسك وغيرها، أن تصبح أعضاء في المجموعة في انتظار استكمال إجراءات العضوية التي تستغرق أمداً طويلاً، كما يمكن لبريطانيا (بعد البريكست) أن تنضم إليها للتنسيق أكثر مع دول الاتحاد الأوروبي بعد انسحابها منه.

المقصود هنا في الاستعانة بمثال "المساحة الجديدة" التي يقترحها ماكرون، أن فلسطين تحتاج إلى "إبداع" جديد للخروج من الانسداد على منوال ما يسعى الأوروبيون للاهتداء إليه لمعالجة الانسداد في هياكلهم التمثيلية تفاقمُه الحرب في أوكرانيا. وإذا ما كانت قساوة وضراوة التصعيد الميداني في فلسطين ليست رافعة سهلة للخيارات العقلانية في مواجهة الشعبوية والانفعال، فإن أزمات الفلسطينيين، في ما هو هوياتي سياسي وما هو حقوقي معيشي في كل نواحي "الوطن" والشتات باتت تفرض تحرّي خيارات خلاقة شجاعة تحتاجها فلسطين ويستحقها الفلسطينيون أينما وجدوا.

والأمر لا يعني بالضرورة استبدالاً لمنظمة التحرير بواجهة تمثيلة أخرى (رغم أن لا ضير من ذلك أيضاً)، بل اجتهاد في ابتكار آليات تمثيل أخرى تعترف بأجيال تقدمت وباتت في السياسة والفكر والوسيلة والخطاب مغيبة عن الهياكل التقليدية التمثيلية التي تحتكر الخطاب الفلسطيني. والتمرين يتحرى الالتحاق بأدوات العصر حيث لا أيديولوجيات رافدة ولا شعبويات ثورية في العالم والمنطقة تلفق الشعارات والسياسات وتروج لأصحابها.

* نقلا عن "النهار"

تاريخ الخبر: 2022-05-20 21:16:50
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 90%
الأهمية: 100%

آخر الأخبار حول العالم

الضغط على بايدن لمخاطبة الأمة إثراندلاع العنف في الجامعات

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 06:07:18
مستوى الصحة: 80% الأهمية: 100%

السلطات الإسرائيلية تؤكد مقتل أحد الرهائن في غزة

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 06:07:01
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 98%

كتل ضبابية وحرارة مرتفعة ورياح قوية في طقس يوم الجمعة

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 06:08:54
مستوى الصحة: 61% الأهمية: 79%

مع مريـم نُصلّي ونتأمل (٣)

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-03 06:21:38
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 68%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية