داخل مجلس البرلمان برز” نجم نائب برلماني بمداخلاته “الغريبة” التي ينتقد فيه أداء الحكومة عبر توظيف كلمات غابرة عل غرار “نريد حكومة جش عش هش بش، لا حكومة عش مش نش”، وصولا إلى كلمات “تشنشت وحربش”..هي عبارات أسالت لعاب الجدل إذن وفتحت شهية الباحثين عن مشاهد اللغط والإثارة في المسرح البرلماني والسياسي، الذي يفترض فيه إنتاج الفعل والخطاب السياسي، وليس محتويات تحقق مستويات عالية في المشاهدة.
ويصف البعض هذا التسابق نحو الفوز بشرف “البوز” بالبرلمان زمن سيطرة وسائل التواصل الإجتماعي، أنه “تمييع للعمل السياسي والدفع بالقيم السياسي إلى الإنحناء كما تنحني السنابل أمام محراب الربي الحالم، حتى أضحت رهينة ورم “البوز” القاتل في معترك السياسة وامتداد سلكته الكاسحة إلى البرلمان.
ورغم أن لكل برلماني أسلوبه في الدفاع عن مواقفه السياسية، فعبد النبي عيدودي، وجد نفسه غير قادر على التخلص من هويته الثقافية وثقلها على شخصيته، وهو ابن “الدوار” القادم من المغرب العميق، والحامل للإجازة في الدراسات الإسلامية، وأخرى في القانون العام، والذي يملك العديد من الإصدارات أهمها “نظرية الحكم عند ابن خلدون” وحوارات المسلمين والعلمانيين بالمغرب”.. وكل هذا التراكم الثقافي شكل لهذا البرلماني عن حزب “الحركة الشعبية” شخصية سياسية يَعكس من خلالها، على حد تعبير البعض واقع ما تعيشه الساكنة التي يُمثلها من خلال أمثلة شعبية.
عبارات النائب البرلماني، يقول عنها عبد السلام الوردي، الباحث في القانون الدستوري، أنها تستند إلى أرضية لغوية، تعد مرآة عاكسة لما بات يتخلل واقع الممارسة البرلمانية من مظاهر التواضع اللغوي والانحناء السياسي والبؤس التشريعي، ومن مشاهد الصراع الخفي والمعلن، والعناد والإقصاء واللغط والقصف والضرب تحت الحزام، وكلها مظاهر ومشاهد، حولت الساحة البرلمانية إلى ما يشبه “حلبة ملاكمة”، خوض النزال فيها، يقتضي القدرة على الإزعاج والإرباك والقصف والإثارة والبروز، والكفاءة العالية في إنتاج خطاب الجدل.
وفي ظل هذا المشهد، يؤكد الودي في تصريح لـ”الأيام 24″ أن لا غرابة أن تحضر في البرلمان مفردات “الكراطة” و”التقاشر” و”الديبخشي” و”بليكي” و” فوق الحمير” و” تحت البغال” و”التماسيح” و”العفاريت” وقائمة الإبداع طويلة، ولا غرابة أيضا، أن يسطع نجم بعض بعض البرلمانيين، بعدما باتوا يتملكون قدرات في “الكلاشات” ، ما يزيد من النفور من السياسة وعزل ساستها والمساهمة كذلك في خدش صورة البرلمان وتواضع العمل البرلماني، بكل ما لذلك من آثار سياسية وتشريعية.
ويضيف أنه في السياق المغربي المتسم بتهالك قوى المنظومات الحزبية المسؤولة، “صارت الخشية من ظهور نمط تفكير شعبوي عند الجيل الصاعد، خاصة أن المنظومة التعليمية التي من شأنها أن تلقن المتعلم أسس الحس النقدي الهادف ونظم التحليل المنطقي، تمر بمرحلة حالكة، وبالتالي لا يمكن عزل العمل السياسي في جزيرة بعيدا عن السياق المعاش المرتبط بالشق التعليمي أو زمن تردي الخطاب السياسي في البرلمان”.
ويؤكد أن هذه الممارسات هي “نتاج شعبوي يعبر عن فسيفسائية الخطاب وعاطفيته، ولأنها ليست سوى نتاج طبعي لخفوت صدى الخطاب النخبوي، فإن الشعبوية لا ترقى إلى درجة تقديم حلول مهيكلة ومدروسة، بل تبني مصداقيتها على نقد برامج النخبة الفاشلة”.
ومر من عمر البرلمان المغربي، كثيرون ممن تميزوا بأسلوب تدخلاتهم السياسية التي يعكسون بها رسائلهم السياسة.. من فتح الله ولعلو الذي كان يضرب على طاولات البرلمان بشراسة ليمارس معارضته، قبل يترأس حزبه الاتحاد الاشتراكي حكومة التناوب، ويصبح ولعلو وزيرا للمالية حيث توقف عن ضرب الطاولات.. إلى عبد الإله بن كيران الذي كان يوظف الفقه الإسلامي لتمرير رسائله السياسية وهو برلماني في المعارضة، حيث اشتهر بمقولة لعمر بن الخطاب حينما قال: “قرقري أو لا تقرقري لن تتذوقي اللحم حتى يشبع اطفال المسلمين”…