صدر حديثا كتاب «عبد العزيز مخيون.. المفترد» للكاتب ماهر زهدي، بمناسبة تكريم الممثل النجم عبد العزيز مخيون بالمهرجان القومي للسينما المصرية بدورته الـ24 برئاسة الناقد والكاتب كمال رمزي الذي ينظمه صندوق التنمية الثقافية التابع لوزارة الثقافة.

الكاتب ماهر زهدي وجه في بداية تصريحاته لـ«الدستور» وجه الشكر للفنان عبد العزيز مخيون لما بذله معه من جهد كبير من أجل إنجاز هذا الكتاب، حيث يعد أحد الرموز المعاصرة في الفن المصري لعطائه المميز عبر رحلة طويلة امتدت لما يقرب من نصف قرن، ولصدقه الفني الذي لم يتخل عنه في جل أعماله، دون أن يلتفت إلى حجم ما يقدمه، بل إلى قيمته وتأثيره، وللناقد والكاتب الكبير كمال رمزي رئيس المهرجان لدعمه الكتاب.

ماهر زهدي قدم كتابه، قائلاً: «يطل عبد العزيز مخيون، من منطقة خاصة جدًا، بأسلوبه المتفرد البديع الراقي، الذي يعبر من خلاله عن نفسه وفنه، وعن الحياة بشكل عام دون تكلف أو ضجيج، بل إن الحياة نفسها لديه فن، واختيارات الإنسان فيها فن، لأن الفن في رأيه هو المفتاح، الذي يساعد الإنسان على تفسير ألغاز الحياة، عبر التعبير عن رؤية إبداعية، سواء بكتاب، أو قصيدة شعر، أو رواية، وربما مقطوعة موسيقية، أو لوحة تشكيلية، وبالطبع عمل مسرحي، أو فيلم سينمائي، أو قد يكون أي إنجاز فني، يمكن لكل البشر التعرف عليه وفهمه والتفاعل معه». 

ويضيف: «بعيدًا عن الألقاب العديدة والمتنوعة، التي يصكها محررو الصفحات الفنية في الصحف والمجلات، والحيل التي قد يلجأ إليها بعض شركات الإنتاج، للترويج أحيانًا، لممثلين تم الدفع بهم إلى الصفوف الأولى بشكل عشوائي، من أجل نجومية "مصنوعة"، بعيدًا عن أولئك وهؤلاء، تظل فئة محدودة من الممثلين، على مدار تاريخ السينما، لم نتصور وجود الصناعة دونهم، كانت ولاتزال مواهبهم بمثابة الدماء المتجددة دومًا في عروق السينما المصرية، والشراع الذي يأسر الرياح بمهارة وخبرة، لتصمد السفينة في مواجهتها، في كل مراحل الإبحار».

ويتابع: «ربما لن نجد من بين هذه الفئة من الفنانين، من تصدر اسمه "ملصق" أحد الأفلام، أو "عناوين" المقدمة لعمل فني ما، بل ولم يتصد أيٌ منهم لأدوار البطولة الأولى، أو يسمى بـ"البطولة المطلقة" بمفهوم السوق السينمائية، غير أن وجودهم في الأعمال الفنية، سواء في السينما أو المسرح، أو الدراما التليفزيونية، يكون له فعل السحر في ضبط إيقاع العمل، وخلق حالة اتزان الأداء وتفرده، لدرجة أن الأعمال تصبغ بصبغة أدائهم المتلون والمتجدد من عمل لآخر، باندماجهم في حيوات، هم بالفعل مندمجون فيها، يسكبون تجلياتهم فيما يقدمون، لصنع عوالم تعبر عن الحياة بعفويتها وبساطتها، ويغزلون نسيجًا متشابكًا، يكون هو همزة الوصل بين الفنان وجماهيره، وعلى الرغم من ذلك، تظل هناك مساحة شاسعة بين النجوم المصنوعة، والممثل الموهوب الذي يُعطي أدواره من روحه وموهبته، وإذا كانت هناك عوامل مساعدة تُساهم في صناعة بعض النجوم، حتى لو لم يتمتع أغلبهم بقدر كافٍ من الموهبة، فإن الجمهور بفطرته قادر طوال الوقت، على الفصل بين المصنوع والطبيعي، بين النجم والممثل، لتظل هناك فئة ثالثة استطاعت بموهبتها المتفردة، أن تجمع بين النجومية والتمثيل، قادتهم أعمالهم إلى بلوغ مصاف كبار النجوم، عبر أدوار مميزة أكدت حجم موهبتهم في التشخيص».

ويقول: «من هذه الفئة يطل عبد العزيز مخيون، من منطقة خاصة جدًا، بأسلوبه المتفرد البديع الراقي، الذي يعبر من خلاله عن نفسه وفنه، وعن الحياة بشكل عام، دون تكلف أو ضجيج، بل إن الحياة نفسها لديه فن، واختيارات الإنسان فيها فن، لأن الفن في رأيه هو "المفتاح"، الذي يساعد الإنسان على تفسير ألغاز الحياة، عبر التعبير عن رؤية إبداعية، سواء بكتاب، أو قصيدة شعر، أو رواية، وربما مقطوعة موسيقية، أو لوحة تشكيلية، وبالطبع عمل مسرحي، أو فيلم سينمائي، أو قد يكون أي إنجاز فني، يمكن لكل البشر التعرف عليه وفهمه والتفاعل معه، وقدم مخيون نموذجًا متفردًا للممثل المثقف المهموم بقضايا وطنه، الجاد الذي لا يقبل التنازلات أو أنصاف الحلول، الفاعل في مجتمعه، دون الفصل بين قضيته الخاصة والقضايا العامة، استطاع أن ينسج خيوط لحمته من الموهبة والتجربة، عمل دائمًا على أن يغير المنظومة التي ربطت الفن بمفهومه الراقي ودوره المجتمعي، بالسوق التجارية التي لا هدف لها سوى الربح، معتبرًا أن الفن يحمل رسالة تغيير المجتمع إلى الأفضل، إلى جانب إمتاع الناس وتوعيتهم وتعريفهم بتاريخهم، فضلًا على تحليل الصراع الاجتماعي وحفظ الذاكرة الجمعية، لذا فإن "الكلمة" كانت وستظل من أولويات هذا الفنان القدير فنًا وفكرًا، الذي ربط كينونته بمجتمعه وبشخصياته الفاعلة، التي تحاول أن تثبت وجودها في مواجهة آخر، فصنع شخصية فنية غير مرتبكة، معتمدًا على خصوصية ذاكرته الانفعالية المرتبة، التي تستمد عطاءها من مخزون لا تنضب منابعه، ليضعنا أمام نموذج فريد للتوهج الفني والثقافي».

في الوقت نفسه، كتب "زهدى" كلمة بمناسبة تكريم الفنان عبد العزيز مخيون فى المهرجان القومى للسينما، وذلك تحت عنوان "تكريم مستحق"؛ قائلاً: «لا شك أن المهرجان القومي للسينما المصرية، الذي ينظمه صندوق التنمية الثقافية التابع لوزارة الثقافة، هو المهرجان الأهم في مصر، خاصة إذا كان أهم أهدافه وأولوياته، دفع عجلة تنمية وتطوير السينما المصرية، كجزء من عملية التنمية الثقافية والاجتماعية الشاملة، والنهوض بالسينما المصرية، بأفلامها الروائية الطويلة أو القصيرة أو أفلام التحريك، التي بدأت تفرض نفسها مؤخرًا، فضلًا على تكريم الفنان أو الممثل المصري الذي هو قوام وعصب هذه الصناعة، وتكريم الصناع الذين تقوم عليهم الصناعة في أغلب المهن السينمائية، من إخراج وتأليف وتصوير وديكور، وغيرها، واعتبار ذلك هدفًا قوميًا معني بالحفاظ على هوية السينما المصرية، وقيمة الفنان المصري».

واختارت إدارة الدورة الـ24 من المهرجان، برئاسة الناقد والكاتب كمال رمزي، تكريم الممثل النجم عبد العزيز مخيون، أحد الرموز المعاصرة، في الفن المصري، لعطائه المميز عبر رحلة طويلة امتدت لما يقرب من نصف قرن، ولصدقه الفني الذي لم يتخل عنه في جل أعماله، دون أن يلتفت إلى حجم ما يقدمه، بل إلى قيمته وتأثيره.

يؤمن عبد العزيز مخيون بأن الممثل الحقيقي، هو من يذوب في الشخصية ويدخل تحت جلدها، يعطيها من روحه وإحساسه ومخزونه الفكري والمجتمعي، وربما هو ما جعله في مرحلة البدايات، يبدو قلقًا من ناحية أن مجال إبداع الممثل قد يكون محدودًا لأنه مقيد بالنص والحوار الذي لم يكتبه، واعتباره مجرد صوت المؤلف، وأداة في يد المخرج، ليتأكد من خلال مرحلة النضج أن روح الممثل يمكنها أن تبعث أحاسيس وانفعالات ورؤى لم تكن تخطر في بال المؤلف أو المخرج، بل وفي باله هو شخصيًا، بعد أن يفتح خزائن ذاكرته ويطعمه، سواء عن وعي أو دون وعي، من روحه وذكرياته وأفكاره.

وصل مخيون إلى قناعة بأن الممثل عندما يدخل في إلى الشخصية ويندمج معها، يعرف كيف ينفصل عن كل ما حوله ويمتلك التركيز، تخرج هذه الشخصية في لحظة مقدسة في محراب الفن، لتفجر بداخله الأحاسيس والانفعالات، وتتجسد فيه معانٍ ورسائل وليدة لحظتها، إذ لم تكن موجودة قبلها، لينجح في تحويل مجموعة كلمات على الورق، إلى شخصية من لحم ودم، ينسج كيانًا إنسانيًا جديدًا، أضاف إليه ما لم يكن موجودًا على الورق، وتولد شخصية ربما يفاجأ بها هو نفسه، ويتعرف عليها للمرة الأول مع صناع العمل والجمهور.

يتعامل عبد العزيز مخيون مع شخصيات بدقة غير طبيعية، فهو يرى أن التكوينات البدنية والنفسية والاجتماعية لكل شخصية، يجب أن تخضع إلى دراسة وتحليل دقيقين، حتى يتمكن من الدخول إليها شكلًا وموضوعًا، مشيرًا إلى أن هناك نوعين من الممثلين، الأول يدخل إلى الشخصية التي سيقوم بتمثيلها، والثاني يجلب الشخصية إليه، فالأول قادر على الانتقال بين الشخصيات المختلفة، أما الثاني فهو يمثل الشخصية ذاتها في كل مرة، مؤمنًا بأن الممثل لا بد أن يتماهى في الشخصية التي يؤديها، يحللها ثم يستمد من نفسه وتاريخه أسلوب الأداء الأمثل لخروجها، وإذا كانت الشخصيات لا تتساوى في قدر الاهتمام والبحث، إلا أنها قد تتساوى في قدر التأمل والاستغراق، فهناك شخصيات تاريخية تحتاج إلى القراءة والتحقيق، بل والتدقيق والبحث في أكثر من مصدر، في محاولة لتكوين تصور لها، فيما تتطلب الشخصيات المعاصرة قدرًا من التفكير والتأمل في تكوينها النفسي والجسدي وانتمائها الطبقي والثقافي، ولا يخلو الأمر من بعض البحث والقراءة، خاصة إذا ما كانت الشخصية مشتبكة في قضية مجتمعية، ليخلص من ذلك إلى أنه لا غنى عن التفكير الطويل والتأمل والتخيل، لمعالجة أي شخصية، سواء كانت تاريخية أو معاصرة".