رأى مولده النور في مدينة أريحا، تلك الحسناء الساحرة التي يتدلى جيدها كأعطاف عناقيد بردى، فاتنة بسهولها الخضراء السندسيّة، مدينة عرفت الخير وعرفها، تحتويها، كأم رؤوم، حقول العنب والكرز وأشجار زيتون مشرئبة إلى نور إلاهي، نور زيتونة لا شرقيّة ولا غربية، بيد أنّها خُلقت من هالة مباركة ومن أنواء الأنجم الساطعة، صفراء يسرّ حسنها الناظرين. أريحا بلد الأريحية، بكل ما تحمل هذه الكلمة من معان، بلدة بطعم العطر واللوز، ترقد في سكينة وطمأنينة على سفح جبل الأربعين كامرأة عزيز، في ألق وشموخ وطهر. صاغت رقة نسائمها وعبق أريجها وعنفوانها الحوائيّ وجدانيته فكتب وما فتئ، يغازل الحب وينسج الغزل وينثر الكلم واصفا حواءه وأيّ وصف.
قبل أن تندلع أحداث وطنه المؤلمة التي كانت مفصلاً في كتاباته وحوَّلتها إلى التدوين لترسم خطوات جديدة في تجربته الشعرية، والتي خلق منها مناخاً هيمنت فيه سيرة المكان والزمان اللذين اختزنهما الشاعر ذاكرة شعرية يجعلها للتاريخ شواهد على عمق المرارة والألم. شاعر ومهندس في المجال الكتروني، تخرج في جامعة حلب وعمل بتخصصه أربعة عقود متنقلاً مابين بلده وليبيا والسعودية قبل أن ينتهي به المطاف إلى بلاد الذهب الأبيض والبحيرات: السويد.
يجعل دون لأي من ملكته الشعريّة جسراً ثقافياً يحطم مرارة الغربة ويكسر النأي عن محبوبته، سوريا، التي طواها بين أضلعه كصغيرة، وبآلامه كسفيرة وبمرقده كحصيرة. شارك في العديد من المواقع الأدبية نشراً وسجالاً وحاز على وسام الإبداع في الارتجال الشعري قبل أن يمنحه المجلس الأعلى للإعلام الفلسطيني درجة الدكتوراة الفخرية بالأدب العربي.
يرسم الشاعر محمد خالد نصره اليوم على أوراقه شكل الوطن في مشاركاته الأدبية في بلد الاغتراب، حيث يعلق حنينه لوطنه على مشجب القوافي المركونة خلف صمت الغربة.
ومض من الرؤيـا مليء بالـصـور *** وافى بها الإغـفـاء من بـعـد السهر
وسرت ركـاب الـقـلب في أحيائها *** إسـراء روح قد صَبَتْ منها وطـــر
في كـل زاويـة بهـا ذكـرى هــوىً *** بانت عن المغروم مـن مد الســفـر
شـَـطَّ الـمـزار وما رغـبـت فراقها *** وطغى اشـتياقي للإيـاب المنـتـظـر
والروح أنضت من (أريحا) صبوها *** من كل منـعـطـف بـهـا أو مـنحـدر
وإذا جـرى فـيـهـا الـربـيـع تأنقـت *** ببياض زهر الـلـوز في مد البصر
أنفاسُ طيبٍ في الدروب شــميمها*** وبـيان ســحـر حيـثـما مـد النـظـر
والـطـل في ثـغـر الـزهـور كـأنـه *** نـظـم الجـواهر، سُـبـَّحَاتٌ مـن درر
وتـرى الـزهـور تآلـفـت ألـوانهــا *** والـظـل مـمـدود لـهـا تـحـت الشــــجـر
والشمس تعـلـوهـا كـَلـِيـْـلٌ جفنها *** خلف الـغـمـام دفيء ضرمـتهـا فــتــر