كتاب الأحد: رواية «اللّبة» لمراد البجاوي إلى كلّ الكادحات: أنتنّ لبؤات هذه الأرض وحارساتها


أملا ونجاحا، هنّ النساء الكادحات والقادرات على التغيير متى أردن ذلك، وتكريما لهنّ جاءت رواية «اللبة» لمراد البجاوي.
«اللبة وتلك الرواية الاهمّ» صدرت عن دار الكتاب في 280صفحة جمعت الفصحى والدارجة هي كتابة في السيرة الذاتية وتكريم للمراة الكادحة من خلال الشخصية الرئيسية «زبيدة»، «اللبة» تجربة روائية مختلفة يخوض غمارها الكاتب والاعلامي مراد البجاوي يستحضر من خلالها طفولة مشاكسة ويحمل قارئه الى مدينة تستور وعاداتها وخصوصياتها الجغرافية والثقافية.
سيرة امراة وقصة لبؤة شامخة
«اللبة» هو عنوان الرواية وبين الصورة المرجعية للبؤة والصورة الواقعية التي رسمها السارد للبؤة الإنسانية تكاد الفوارق تمحى، فكلتاهما أم الى أقصى درجات الأمومة وفكلتاهما حريصة على قوت أشبالها كلّفها ذلك ما كلّفها، وفكلتاهما قوية ومقدامة لا تتراجع إلى الخلف إذا عزمت هكذا كتبت سعدية بن سالم في مقدمة الكتاب، فاللبة في الرواية هي «زبيدة ابنة زغيدة وعمارة» هي تونسية حرة ولدت قبيل الاستقلال من عائلة بسيطة وقررت أن تخوض غمار الحياة وتعاندها انتصارا لنفسها ولأبنائها، «اللبة» ليست فقط زبيدة بل هي كل امرأة قاومت شظف العيش وعاندت الفقر واستطاعت ان تصنع لنفسها عالما مختلفا، هي كل امراة حرصت على تعليم ابنائها وتميزهم الدراسي رغم عدم دخولها الى مقاعد الدراسة ولا خطّ الحرف، هي تحية الى كل كادحات هذا الوطن في المدينة والريف كما كتب محمد مامي.
«هي ظاهرة في عصر صار صعيب وهي عابرة في درب كلّ حبيب
وهي قاطرة في ركب ناشر طيب وهي ناشرة للود شغل محبة
كانت ساهرة تحدات وضع صعيب في عرين بشرة صيد وهي اللّبةّ»
«اللبة» رواية تنطلق تفاصيلها مما خزنته الذاكرة، هي سيرة امّ وسيرة امرأة مختلفة وقوية، تبدأ أحداث العمل قبل ميلاد السارد فينطلق الحكي من قصص الجدة «زغيدة» والخالة «حبيبة» منهما يستشفّ طفولة «زبيدة» المشاكسة والحالمة بالتغيير» حملت معها دلو الماء وغادرت مسرعة، هي العارفة أن أمل الحياة في هذه الزنقة الضيقة التي تفتحت فيها عيناها على حركة باهتة وروتين مقيت اضعف من احلامها المبعثرة ومن شوائب الايام المتشابهة».
تكبر الطفلة ويكبر معها حبها للعمل، فهاهو السارد ينصت إلى إبداعاتها في «المنسج» وقدرتها على صناعة أجمل المنسوجات التقليدية فالمنسج أصبح كما المعزوفة «يتلذّذون إيقاع الخلالة ونقرات الرطاب» وهاهي الطفلة امرأة متزوجة لها غرفتها وأحلامها التي لا تعرف معنى المستحيل»قد يكون تثبيت المنسج من اولوياتها المستقبلية ولعلها في هذه الحالة استثمرت من صنعة يديها وادخرت جزءا من مكتسباتها لاقتناء الة خياطة، انه الحلم الذي راودها منذ شهدت زوجة عمها على كفاءة عملها اتقانا في التصميم والانجاز».
يواصل الكاتب المزج بين الذاتي والموضوعي، يغوص في خبايا الذاكرة ويشرع النوافذ المغلقة ليقترب من زبيدة وصراعاتها اليومية لأجل حياة أفضل، ينصت لتذمرها من حملها المفاجئ «اميمتي الحنانة لا حب يركح ولا يهجع في بلاصتو خضّني وتعّبني من اولو صعيب ودامي» هذا الحمل المتعب سيكون بابنها الثاني مراد «الشقي والمشاغب» وهو سارد الحكاية وكاتب تفاصيلها.
الرواية توثيق لنجاحات النساء
«اللبة» بطلتها امراة، تونسية عاندت الواقع وكسبت الرهان، امرأة تعلمت صنعة المنسج منذ الطفولة لتصبح زادها في مقاومة الفقر، امرأة تحملت تقلب طباع زوجها وكثرة ابنائها وأصرت على التمسك بامالها في تغيير واقع العائلة وكان لها ذلك، «زبيدة» الصبورة تيقنت انّ «الأحلام وحدها لا تكفي ولا تبني رغبة من فراغ ولا تشيّد قصورا من أوهام وإقرار كهذا الذي أيقظ في زبيدة الإحساس بكونها تترجل المعاناة على حبل من قطن» فقررت أن تقود زمام العائلة وتكون صاحبة فكرة التغيير وان عارض الزوج فهي «اللبة» ومن يستطيع الوقوف أمام امرأة تريد الأفضل وتتوق إلى الحياة.
«اللبّة» الرواية السيرة، هي كتابة ذاتية ينطلق فيها مراد البجاوي من ذاكرته وذكريات الطفولة يجمعها في نصّ يمزج بين الفصحى والدراجة، يختار للسارد العربية الفصحى ليتقن الوصف ويحمل القارئ إلى تفاصيله ويقحمه في حكايته، فتراه يتلذذ بالمناظر الطبيعية في تستور المدينة والريف، ينصت لشغب الأطفال ويلتقط التفاصيل المشتركة ويترك لزبيدة لهجتها الدارجة لتكون الشخصية-الشخص أكثر تلقائية، يحترم خصوصيتها ويحافظ على لكنتها وكأنها المسيطرة دائما حتى على لغة كتابة الرواية وطريقة سرد الأحداث.
للمكان دوره في صياغة الأحداث، فنمط العيش في دار «زنقة القوس» يختلف كثيرا عن ريف «مزوغة» و»ضيعة شيل» او «شيعة لادروا»، العيش في المدينة رغم ضيق المكان لها ثقافته وعاداته ونسيجه الخاص، في المدينة تنكب»زبيدة» على المنسج وصناعة الاغطية والفرش للمقبلات على الزواج، في «زنقة

دار القوس» تعلمت الاجتهاد والصبر، اما خارج المدينة فغربة اولا ثمّ اعتياد وعودة للاجتهاد من جديد «محطة اخرى دعاها إليها فجاة، ورغم أنها لم تبد موافقتها من عدمها فانها غير قادرة على استيعاب حجم الصدمة، فمن المدينة الى الريف، من ضياء الكهرباء الى القنديل النفطي ومن حنفية المنزل الى الدلو والصهريج ومن علاقات التواصل مع الاهل الى اقامة القطيعة رغما عنها»، فالمكان في ذاكرة البجاوي له سحره الخاص، المكان ساهم في تشكيل وعي الطفل بالزمن، المكان ساعد الام زبيدة على اكتساب خبرات اكثر في الحياة والمكان دائما هو المحدد لبوصلة النجاح في فكر تلك المراة الشامخة.
بين شخصية «اللبة» و»البلاد» تشابه كبير، فكلتاهما تعرضت للضغوط والانتهاكات وكلتاهما قاومت لتكون رمزا للعزة والبهاء «تخلصت البلاد من عبء الشقاء وترنحت المدائن معلنة فرحة الديار، فزال الخوف وتهادت بشائر الحرية مقتلعة جذور الخصاصة والحرمان، سنوات اعلنت الرحيل الى واقع استجاب له القدر وبثّ في الانفس انتعاشة لا مثيل لها، فصارت مآدب الافراح والمسرات عنوان اقتلاع نصيب الفخر بالانتماء لوطن استعاد ضياء الوجود».
«اللبة» رواية تونسية هي تخليد لنضالات «زبيدة» والدة مراد البجاوي ومنها تخليد نضالات كل النساء، النساء وتد البيت وعماد البلاد، النساء الحريصات على النجاح والتميز بالعمل والاجتهاد، يكرمهن الكاتب برواية شيّقة واسلوب سردي ممتع.

تاريخ الخبر: 2022-05-30 15:19:38
المصدر: جريدة المغرب - تونس
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 57%
الأهمية: 56%

آخر الأخبار حول العالم

السجن 4 سنوات لصاحبي أغنية “شر كبي أتاي”

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 18:26:44
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 52%

الحوار الاجتماعي.. التفاصيل الكاملة لاتفاق الحكومة والنقابات

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 18:27:00
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 69%

السجن 4 سنوات لصاحبي أغنية “شر كبي أتاي”

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 18:26:50
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 52%

الحوار الاجتماعي.. التفاصيل الكاملة لاتفاق الحكومة والنقابات

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 18:27:04
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 59%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية