أدركت تركيا منذ عقود حاجتها إلى امتلاك منظومة حديثة ومتطوّرة للدفاع الجوي قادرة على صدّ أي هجوم جوي أو باليستي قادم من الخارج، لتوسّطها منطقة صراعات عسكرية مشتعلة على الدوام. فيما ازدادت الحاجة وأصبحت ماسَّة بعد اشتعال الأزمة السورية قبل عشر سنوات، قبل أن تتنامى بسرعة بعد تفجُّر أزمة شرق المتوسط وما رافقها من مساعٍ يونانية ترمي إلى تعزيز سلاحها الجوي بمقاتلات "F-35" الأمريكية، فضلاً عن خطر اندلاع حرب بين إيران من جهة والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى في أي وقت.

وفي معرض حديثه إلى الإعلام المحلي على هامش معرض "تكنوفست أذربيجان"، النسخة الأجنبية الأولى من مهرجان الطيران والفضاء والتكنولوجيا التركي الرائد، أشار إسماعيل دمير، رئيس مؤسسة الصناعات الدفاعية التركية، إلى أن تطوير نظام صواريخ الدفاع الجوي"سيبار" (Siper) طويل المدى التركي على ارتفاعات عالية مستمر بنجاح، وسيُجرَى اختبار جديد قريباً.

وأردف دمير قائلاً: "لقد كانت جميع اختباراتنا ناجحة للغاية. وهذه الاختبارات جعلتنا نرى بسرور كبير أن مشروع سيبار الخاص بنا يسير على الطريق الصحيح بالفعل، وأنه يسير على ما يرام".

يذكر أن تركيا اليوم باتت أقرب من أي وقت مضى إلى توطين صناعة أنظمة الدفاعات الجوية، وذلك من خلال الجهود التي بذلتها وتبذلها شركات الصناعات الدفاعية التركية التي تمكّنت في فترة قصيرة من تطوير الرادارات والصواريخ والرؤوس الحربية اللازمة للخروج بأنظمة وطنية تنافس نظيراتها العالمية وتساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي لتركيا في الأنظمة الدفاعية التي شهدت نقصاً حاداً قبل أن تلجأ أنقرة إلى شراء منظومة (S-400) الروسية وتُعطي زخماً كبيراً لمشاريعها الوطنية.

"سيبار".. مشروع تركيا الواعد

ضمن مشروع الدفاع الجوي المحلي والوطني اختبرت تركيا بداية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بنجاحٍ صاروخ الدفاع الجوي طويل المدى "سيبار" (Siper) الذي وصل مداه إلى 70 كلم، والذي طوّرته عمالقة الدفاع في تركيا "أسيلسان" و"روكيتسان" ومجلس البحوث العلمية والتكنولوجية في تركيا "توبيتاك" التابع لمعهد أبحاث الصناعات الدفاعية وتطويرها، وهي نفس الشركات التي تُطوِّر وتُنتِج منظومتَيْ "حصار" للمدى القصير والمتوسط.

ويُلبّي صاروخ "سيبار" الذي من المتوقع أن يصل مداه من 30 إلى 150 كلم حاجة ماسّة لدى أنقرة لتطوير قدراتها الدفاعية الجوية محليّة الصّنع، إذ يتمتّع الصاروخ بإمكانيات عالية لحماية المنشآت الاستراتيجية من هجمات العدو في نطاق الدفاع الجوي الإقليمي، وبالأخص على المدى البعيد. وتعمل منظومة "سيبار" على نحوٍ متكامل ومزوَّد برادار الإنذار المبكّر الذي طوّرته شركة "أسيلسان" التركية للصناعات الدفاعية، بالإضافة إلى رؤوس متفجرة من تطوير (TÜBİTAK SAGE).

وستعمل المنظومات الثلاث: "حصار A+" و"حصار O+" إلى جانب "سيبار بلوك 1" الذي يُصنَّف في مستوى يمكّنه من منافسة منظومة "S-400" الروسية، على تشكيل نظام دفاعي متعدّد الطبقات قادر على حماية المنشآت الاستراتيجية من هجمات العدو في إطار الدفاع الجوي الإقليمي.

بدائل وطنية

في نهاية حديثه للصحفيين أعرب دمير عن سعادته وأمله بأن تُنهي هذه المشاريع مناقشات مثل "هل سيعطون تركيا صواريخ باتريوت؟" أو "هل اشترت تركيا صواريخ سامب/تي؟" أو"هل جرى تطبيق حظر أسلحة على تركيا؟" وغيرها من الأسئلة.

وفي إطار السباق الدولي بين القوى العظمى لتطوير أفضل أنظمة الدفاع الجوي وامتلاكها حجزت منظومة "سيبار" التي نجحت أنقرة بالفعل في اختبارها، مقعداً متقدماً لتركيا في نادي الدول المنتجة والمالكة لمثل هذا النوع من التقنيات الدفاعية المتقدمة. وفي هذا الصدّد صرّح رئيس الصناعات الدفاعية إسماعيل دمير في وقت سابق بأنّ بلاده تخطّط لإدراج "سيبار" في قائمة الأسلحة المستخدَمة بحلول 2023، وتابع: "سندمّر كل التهديدات عبر سيبار".

ويقول أنل شاهين الباحث المتخصّص في الصناعات الدفاعية إنّ تركيا تعمل منذ فترة لتجهيز شبكة الدفاع الجوي الوطنية متعدّدة الطبقات، وإنّها تعمل بالتوازي في وقت قياسي على تطوير عدة أنظمة من بينها "كوركوت" (KORKUT) و"غق دنيز" (GÖKDENİZ) إضافة إلى أنظمة "حصار" (HİSAR) و"سونغور" (SUNGUR).

متطلبات ملحة

وحسب خبراء الدفاع فرغم امتلاك تركيا منظومة "S-400" التي تتكون من 4 بطاريات يمكن وضعها في 4 نقاط مختلفة، والتي تمنح تركيا قدرات دفاعية لم تكن تملكها حتى وقت قريب، فإن البطاريات الأربع لن تكون كافية لتوفير الحماية اللازمة، لعدم توافر منظومات دفاعية أخرى مربوطة بـ"S-400" تساعدها في مهامّ المراقبة والحماية، وهنا يأتي دور المنظومات المحلية.

فيما أشار شاهين إلى الأبعاد الاقتصادية في نجاح تطوير منظومة "سيبار" الجديدة وغيرها من المنظومات المحلية، واصفاً ذلك التطوير الأخير بكونه "قضية مليارية"، منوّهاً بأنّه سيقدّم لتركيا عائدات ضخمة جرّاء مبيعاتها من تلك المنظومة الدفاعية المتكاملة.

TRT عربي