تتوالى التصريحات التركية حول شنّ عملية عسكرية ضد تنظيم PKK/YPG الإرهابي شمالي سوريا، بما يؤكّد عزم أنقرة على مكافحة الإرهاب بأشكاله كافة، بخاصة أن من أبرز الأهداف التي أعلن عنها التنظيم إنشاء ممر إرهابي على حدود تركيا الجنوبية مع سوريا والعراق.

في هذا الإطار أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في كلمة أمام أعضاء كتلة حزبه "العدالة والتنمية" في البرلمان التركي الأربعاء الماضي، عن المناطق المستهدَفة بالعملية العسكرية المرتقبة شمال سوريا.

وقال أردوغان إن بلاده بصدد الانتقال إلى مرحلة جديدة في قرارها المتعلق بإنشاء منطقة آمنة على عمق 30 كيلومتراً شمال سوريا.

وأضاف مخاطباً الدول الغربية، أن الذين يحاولون إضفاء الشرعية على تنظيم PKK الإرهابي وأذرعه تحت أسماء مختلفة ما يخدعون سوى أنفسهم.

ولفت أردوغان إلى أن العملية العسكرية المرتقَبة تهدف إلى تطهير منطقتَي تل رفعت ومنبج من الإرهابيين.

وعلى الرغم من تباين التقديرات حول أهداف العملية العسكرية، فإن تصريحات الرئيس أردوغان بتنفيذ العملية في هذا التوقيت الدوليّ المعقَّد يمنحها زخماً وأبعاداً استراتيجية لتركيا، بخاصة أنها جاءت في وقت تسعى فيه فنلندا والسويد للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي "ناتو"، بالتزامن مع مطالب أنقرة بإقامة منطقة آمنة للاجئين والنازحين في الشمال السوري. وعلى الرغم من ذلك فإن للعملية، وفق مراقبين، 3 أهداف رئيسية.

1- منع إنشاء ممر إرهابي على الحدود الجنوبية

كانت تركيا نفذت بمشاركة الجيش الوطني السوري عمليات “غصن الزيتون” و”درع الفرات” و”نبع السلام” شمالي سوريا، بهدف القضاء على تنظيم PKK/YPG الإرهابي وأذرعه في المنطقة، وعملت على صد عديد من هجماته ضد المدنيين محاولاً إنشاء “كانتون” انفصالي لسرقة موارد المنطقة ونهب خيراتها.

في هذا الصدد يقول محمد وجيه جمعة وزير الصحة الأسبق في الحكومة السورية المؤقتة لـTRT عربي، إن "إنشاء منطقة آمنة بالشمال السوري هو في إطار اتفاقين سابقين حصلا مع روسيا وأمريكا، إلا أنهما لم يُنفَّذا، ولم ينسحب التنظيم بعمق 30 كم كما كان متفقاً".

وواصل: "تنظيم PKK/YPG لديه مشروع انفصالي لا وطني يهدف إلى إنشاء كيان إرهابي يهدِّد سوريا ووحدتها في المقام الأول، إلى جانب تهديد أمن تركيا القومي، بخاصة أن مناطق سيطرته أصبحت بؤراً للإرهاب".

2- عودة اللاجئين

والشهر الماضي كشف أردوغان عن مشروع جديد يضمن عودة مليون لاجئ سوري من المقيمين في تركيا إلى الداخل السوري، مشدِّداً على أن تركيا تعمل على دعم استراتيجية السيطرة على الهجرة عبر الحدود بمشاريع العودة الطوعية.

وأشار أردوغان إلى أن منازل الطوب التي تُنشأ في سوريا على وجه الخصوص هي إحدى هذه الخطوات، بدعم من المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية.

إلا أن إقامة المنطقة الآمنة تتطلب تحقيق أدنى درجات الاستقرار والأمان لسكانها، وهو الأمر الذي تعمل عليه تركيا بالتعاون مع الجيش الوطني السوري.

في هذا السياق قال جمعة إن استكمال إنشاء المنطقة الآمنة في تل رفعت ومنبج يأتي ضمن عمليات متعاقبة توقفت عند "نبع السلام" هدفها تحرير المنطقة، مؤكداً أن الانطلاق من هاتين المنطقتين يخدم الوضع استراتيجياً وعسكرياً.

وأضاف أن "أحد الأهداف الأساسية للعملية هو عودة اللاجئين السوريين، ويشترط لذلك القضاء على التنظيم الذي يهدِّد أمن المنطقة"، مشدداً على أنه "إذا تحررت المناطق فسيكون الأكراد الذين هجّرهم التنظيم أول المستفيدين، إذ سيعودون إلى المناطق التي هُجّروا منها بسبب فرض PKK/YPG الإتاوات والتجنيد القسري والضرائب عليهم".

3- منع إقامة حلف عسكري ضدّ تركيا

وفي حين يتخبّط تنظيم PKK/YPG الإرهابي تارة بين أحضان أمريكا وأخرى بين أحضان النظام السوري وروسيا، تبرز مخاوف لدى سكان الشمال السوري من تشكيل تحالف بين التنظيم والنظام السوري، الأمر الذي يهدّد بموجة نزوح جديدة من مناطق سيطرته ومنطقة إدلب المكتظة بالسكان، بخاصة مع انشغال روسيا بالهجوم على أوكرانيا، بما ينذر بتراجع دورها في سوريا، الأمر الذي قد يُحدِث فراغاً قد يستغلّه التنظيم الإرهابي ومعه المليشيات التي تساند النظام بملء الفراغ في المنطقة وتشكيل تحالف ضد أنقرة.

في هذا السياق قال هشام إسكيف، القائد في الجيش الوطني السوري، لـTRT عربي: "نتقاطع مع تركيا الحليف الأوثق للثورة السورية في تصنيف تنظيم PKK تنظيماً إرهابياً، ونحن نعرف نشأته المشبوهة من نظام الأسد، إذ مارس عمليات القتل والتهجير بحقّ السوريين الأكراد والعرب من أول الثورة".

وأضاف أن "العملية تهدف إلى كسر المشروع الإرهابي الذي يهدف إلى تقسيم سوريا وتهديد أمن تركيا القومي"، لافتاً إلى أن "مدينتَي منبج وتل رفعت عانتا من إرهاب التنظيم، إذ هجّر أهلهما وشرّدهم وغيّر التركيبة السكانية فيهما".

وأكد إسكيف أن "تل رفعت تعبث فيها المليشيات الإيرانية ومليشيات التنظيم، فيما حدث تغير ديموغرافي في منبج وزُرعَت ثقافة غريبة عن أهلها" بالتعاون مع نظام الأسد.

حزام أمني

بعد أن أعلن الرئيس أردوغان نية بلاده "استكمال الحزام الأمني" بعمق 30 كيلومتراً على الحدود مع سوريا، في أسرع وقت ممكن، أعاد تأكيده في اتصال هاتفي مع نظيره الروسي أن هذه المنطقة/الحزام باتت ضرورة ملحَّة.

وأعاد أردوغان التذكير بأن هذه المنطقة الآمنة ستُنشأ وفق اتفاق أكتوبر/تشرين الأول 2019، وهو الاتفاق الذي وقّعه أردوغان وبوتين في مدينة سوتشي الروسية، بهدف "مكافحة الإرهاب وضمان وحدة أراضي سوريا ووحدتها السياسية وعودة اللاجئين، وتنظيم دوريات تركية -روسية، شرق وغرب منطقة عملية نبع السلام، وبعمق 10 كم".

وتقاطعاً مع تصريحات الرئيس التركي قال وزير الدفاع خلوصي أقار لوزير الدفاع الإماراتي، إن "تركيا لن تقبل بوجود إرهابيين على حدودها الجنوبية، وهي مستعدة لأي مهمة بهذا الخصوص".

وأكّد أقار أن القوات المسلحة التركية بجنودها ومركباتها وأسلحتها وتجهيزاتها وبالمعنويات العالية وخبرتها، مستعدة لأي مهمة تُكلَّفها.

وفي ردّه على سؤال عن توقيت العملية المتوقعة شمال سوريا، قال إن القوات التركية بكوادرها البشرية والعسكرية جاهزة لتنفيذ أنواع الأوامر كافةً التي تتلقاها، و"تملك الحزم والعزم والقدرة الكافية".

تأهُّب واستعداد

في المقابل أعلن الجيش الوطني السوري اختبار جاهزيته العسكرية من خلال مناورات بالذخيرة الحية بمناطق "نبع السلام" الخاضعة لسيطرته، استعداداً لانطلاق العملية العسكرية المرتقبة ضدّ مناطق سيطرة تنظيم PKK/YPG الإرهابي.

ونشرت فصائل الجيش الوطني في تجمُّع "هيئة ثائرون للتحرير" عبر معرّفاتها في "تويتر" صوراً لمناورات عسكرية بالذخيرة الحية وبحضور وزير الدفاع في الحكومة المؤقتة، ورئيس الأركان ونائب القائد العامّ للهيئة.

وذكرت الهيئة أن قواتها الخاصة "نفَّذَت مناورات عسكرية متقدمة وبالذخيرة الحية إتماماً للاستعدادات العسكرية للمعركة المرتقبة"، إذ شارك في تلك المناورات نحو ألفين من العناصر و15 آلية عسكرية منوعة (دبابات وعربات)، إلى جانب الاستعراضات العسكرية المنظمة.

TRT عربي