مضايقات من صيف الكويت الباهت


يعيش المجتمع الكويتي في هذه الفترة في ظروف غير طبيعية سياسياً وليست مريحة مناخياً، ومؤذية صحياً، لا سيما عندما يشتد الغبار القادم من العراق الذي تعرضت أنهاره لعمليات نشل غامض من جيرانه، فجاءت الإسقاطات على أهله وعلينا في الكويت.
ومن صدف التاريخ أن الأحوال السياسية الحالية في كل من الكويت والعراق يغلف مسارها جمود في التوجهات وشلل معطل للتفاهمات، وإذا كانت أحوال العراق معتادة على التنافسات بين السياسيين بسبب الاختلافات في المواقف وفي الفلسفات، فإننا في الكويت اعتدنا على حيوية القرارات وسرعة الخطوات لكي لا تبرز احتمالات التعطيل، وأيضاً من أجل طمأنة أبناء المجتمع على وعي القيادة لمشاكل التأخير والتأجيل، مع تأكيد تواجدها عبر قرارات تريح الاطمئنان الشعبي بجدارة القيادة وأهليتها عند بروز الأزمات.

تاريخ الكويت منذ الاستقلال يدون الكثير من التباينات في الاجتهادات بين ما يريده البرلمان وما ترفضه الحكومة التي اعتادت على اللجوء إلى إجراءات تختارها لمعالجة الوضع، وقد تتعطل الحياة البرلمانية الكويتية لفترات يظل خلالها الاحترام المتبادل فاعلاً ومؤثراً في منع التجاوزات في التعبير ورفض المواجهات مع حرص جميع الأطراف على حماية الوقار المتبادل.

كما ظلت موجات الخلاف بين البرلمان والحكومة ملتزمة بأدب التعبير، مع يقين بحرص الجميع على سلامة الوطن واستقراره وصون وحدته.

انفجرت أزمة اليوم مع أول جلسة يلتئم فيها البرلمان بعد الانتخابات مع قوة الاعتراض على الرئاسة والطعن في سلامة الإجراءات لانتخاب مرزوق الغانم، مع إفرازات سلبية تصاعد التوتر السياسي فيها، موحياً بأن الفصل لن يمر وفق الآمال، فالمؤشرات تميل نحو الشلل مع التشكيك بشرعية مواقف الحكومة في خياراتها، ومن هذا الوضع انفجر الاضطراب في أجواء البرلمان في أول أيامه.

كان صبر الحكومة في مواجهة أساليب المعارضة أكثر مما يجب، مما زاد من شهية المخالفات إلى حد قيام بعض أعضائها باستعراضات مرفوضة رافقت عملية التصويت.

كان الواجب إظهار الرفض والاعتراض على مسار الجلسة، لكن ذلك لم يحدث، الأمر الذي تسبب في اتساع الخرق واهتزاز الصورة وجاءت المفردات الكئيبة غير المألوفة.

كان واجب رئيس الوزراء سمو الشيخ صباح الخالد التحصن بالقانون وقواعد اللائحة وتأكيد حق الحكومة في خياراتها في عملية التصويت.

منذ البداية، لم تناور المعارضة، وإنما كانت واضحة في ما تريده، برفض رئاسة السيد مرزوق الغانم واندفاعها نحو الحل كإجراء للتخلص من الرئيس.

هذا موجز لمنابع الأزمة، جاءت طيبة سمو رئيس الوزراء المهذب والصادق والرقيق في موقع يتطلب شيئاً آخر غير الرقة، ولا بد، في هذا الظرف، أن نشيد بحجم خزينته من الصبر واتساع صورة التحمل لديه في لحظات كان يجب فيها إبعاد النعومة واللجوء إلى الغليظ في المواقف والتعبير، مستنداً إلى قواعد العمل الدستوري ولوائحه، ومحافظاً على هيبة المقام.

من هذا الموقف جاء فراغ اليوم ومن غياب الحزم تصاعدت نبرة الاعتراض، ومن التردد تأثر بريق الحكومة وبان حجم تسامحها، ومن هذه الظروف تكاثرت التساؤلات عن الحالة الكويتية التي نعيشها الآن، وهي الإصرار على إبعاد الرئيس مرزوق الغانم أو دوام الأزمة، كان طلب المعارضة يحتم على الحكومة اتخاذ موقف صلب بالرفض، اعتماداً على عدم دستورية الطلب، لكن الرد كان باهتاً لتلطيف الوضع، ولم تقبل المعارضة هذا الخيار.

منذ أيام ومن ساحة الإرادة، جاء التأكيد ومن عشرة نواب بضرورة غياب كل من رئيس المجلس ورئيس الوزراء، والرسالة المرفوعة للقيادة تحمل معاني غير مسبوقة في إملاءات تريد المعارضة من القيادة تقبلها.

هذه الأزمة المزعجة فتحت أبواباً لاجتهادات تعرض كوصفات لعلاج الحالة الكئيبة الراهنة، قليل منها ما يريح والكثير منها غير مسبوق في تذمره من أزمة اليوم مع طبيعة الحلول غير المعتادة التي يراها البعض علاجاً.

لا أتصور أن استمرار المجلس بتشكيلته الحالية يفيد الكويت، طالما استمرت المعارضة في مخاصمة الرئاسة، وأفضل شخصياً إجراء انتخابات جديدة ستأتي منها مجموعات مغايرة برئيسها وأعضائها، وقد يعود البعض، لكن التوقعات بتغييرات تمكن البرلمان الجديد من مواصلة المسيرة المستقبلية من دون عرقلة.

كان الحرص الكويتي على المحافظة على وحدته الوطنية أهم عامل في تفكيك الأزمات السابقة، ويظل هذا الوضع صلباً لم ينكسر لاعتبارات تاريخية أثبت فيها شعب الكويت ولاءه للوطن ولهويته، معتبراً استمرار الدستور عموداً جوهرياً في استقرار الوطن ووحدته، مدركاً أن الكويت عاشت لقرون بحيوية أفرزتها قاعدة الاستشارة ومتانة شبكة التداخل الاجتماعي الوطني، ولا يقبل أن يتسبب أي طرف في تخريب البيئة الشعبية الجماعية المتداخلة التي صانت الكويت منذ ولادتها، والتي جاءت من كفاح أهل البحر والبر.

هذه حالة تتميز بها دول مجلس التعاون التي بنت مؤسسات حكم تعتمد على شرعية التوافق الوطني، لها الدور الأساسي في تواصلها منذ قرون، وأهم الدروس التي يقدمها تاريخ هذه الدول في تأكيد أن هويتها وبرلماناتها جاءت من حرص هذه الشعوب على ترسيخ شرعية نظامها التاريخي، وهذه واقعة يجب ألا تغيب عن اعتبارات ومداولات البرلمان.

لا بد أن يتعرف المسؤولون في القيادة على المزاج الشعبي الذي أوجدته الأزمة وعلى هوية التفكير في مخارج من الوضع الحالي، وبعض هذه الاجتهادات نشرت في مقالات من كتاب تنشر الصحافة مقالاتهم، وكلها تشير في مجرى الحلول الممكنة، وبعضها يمكن وصفها باجتهادات من أقلام مجتهدة، ضمن المساعي بحثاً عن حلول، ومن أبرزها مشروع اختيار رئيس وزراء من أبناء الشعب، اعتماداً على أن الدستور لا يعترض على أي مواطن يختاره سمو الأمير الذي منحه الدستور وحده الحق في ترشيح من يراه لائقاً من كل الجوانب لتحمل المسؤولية الكبيرة التي تولدت حساسيتها من الأزمة.

لكن هناك حسابات لا تدخل ضمن محتويات الدستور، هناك ضرورة ملحة في توافر أغلبية شعبية تدعم المرشح بصرف النظر عن الهوية التي يحملها، وأهم من كل ذلك تمتعه بالقبول الشعبي من جميع الأطياف ومن أبناء الأسرة، وترتاح إليه المجتمعات الخليجية.

وشعوري الشخصي أن الأفضل لاستقرار الكويت ولصون البنيان الدستوري، الحفاظ على حصر الاختيار من المؤهلين من أبناء الأسرة، والحرص على ذلك التقليد مع إبقاء الاختيار مفتوحاً تمشياً مع قواعد التطور، فما زلنا نحمل تأثير الخلفيات ولم نتخلص من حمولتها المقيدة، وأفضل أن يأتي الاختيار في ضوء دراسة المسببات التي فجرت الأزمة وأسلوب التعامل معها، فقد كانت حاجة الكويت إلى الحزم مع الالتزام بحماية اللوائح بارزة إلى حد لا يمكن تجاهلها للمرحلة القادمة، مع تأكيد احترام حق الحكومة في الاعتراض القوي على المظاهر الاستعراضية التي تبناها بعض الأعضاء من المعارضة.

ومن المفيد أيضاً أن أشير إلى حجم التذمر الشعبي من الإشاعات التي تنتشر عن غياب العقوبات ضد الفاسدين الذين عبثوا بحصانة المال العام، ولا بد من جدية التعامل مع هذا الهاجس الذي يفجر انشقاقات داخل الأسرة الكويتية.

لا مفر من تجاوز هذه الأزمة بأسرع وقت لأن استمرارها يدخلنا في اجتهادات غير مألوفة تتولد من تذمر الناس بسبب جمود الأزمة وغياب التوجيه وندرة التصريح.

نقلا عن القبس

تاريخ الخبر: 2022-06-07 03:17:10
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 80%
الأهمية: 98%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية