في عيد العنصرة طقوس مميزة وألحان مبهجة


بقلم: م. منير وصفي بطــرس

باحث في موسيقى الألحان القبطية

مـدرس مــــادة اللــــحن الكنــــسي

بمعــــهـــد الرعـــــاية والتـــــربيـة

نحتفل في هذه الأيام بعيد العنصرة (لفظة عبرانية معناها اجتماع أو محفل أو عيد) أو”البنديكوستي” Pentecost(باليونانية تعني الخمسين)، وهو أحد أعيادنا السيدية الكبرى،وهو في الأصل كان أحد أعياد اليهود الثلاثة الكبرى (الفصح والحصاد والمظال)، فهو كان عيد الحصاد ويسمى أيضا بعيد الأسابيع الذي كان اليهود يكرسون هذا التذكار شاكرين الله لانتهاء الحصاد ويبدأوا في جمع أبكار غلات الحقل، وكانوا يقربون تقدمات عديدة ويعيدونه بفرح عظيم وكان يأتي بعد عيد الفصح بسبعة أسابيع كاملة.

ثم تحول هذا العيد إلى المسيحية كتذكار لمعجزة حلول الروح القدس على الرسل الذين تكلموا بألسنة مختلفة كبداية لانتشار الإيمان والتبشير لجميع الأمم والشعوب بكل لغاتهم تبعا لأمر الرب يسوع له المجد عندما قال: “فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس وعلموهم أن يعملوا بكل ما أوصيتكم به” (مت 28: 19، 20)، وأصبح العيد من عيد حصاد لثمرات الحقل إلى عيد لحصاد ثمار انتشار الايمان في كل المسكونة، فاليهودية كانت ممهِدة للمسيحية كما قال القديس بولس الرسول “إذ قد كان الناموس مؤدبنا إلى المسيح” (غل3: 24) وكانت شريعة العهد القديم مهمتها أن تهيئنا وتجهزنا لاقتبال المسيح.

ونحن نلاحظ أن عيد حلول الروح القدس يقع في يوم الأحد أول أيام الاسبوع الذي هو يوم قيامة السيد المسيح أيضاً، فكان ذلك تأكيدا لأن يصبح هذا اليوم سبتاً مسيحياً نتهلل فيه قائلين: “هذا هو اليوم الذي صنعه الرب فلنبتهج ونفرح فيه يارب خلصنا يارب سهل لنا سبلنا مبارك الآتي باسم الرب” (مز118: 24-26)، وهذه الآية هي نفسها لحن من ضمن الألحان التي نسبح بها في هذا العيد العظيم.

لقد جاء إلينا الروح القدس بعد صعود المسيح له المجد كي يعزينا (معزي آخر) (يو14: 16) حتى لا يتركنا يتامى، فحل مع هبوب ريح، والريح في الكتاب المقدس رمزاً للقوة الروحية الخلاقة التي تُعطي حياة جديدة، وهي أيضاً رمز للعمل غير المنظور، انسكب مثل ألسنة، واللسان يتميز بالطول ليعطي فكرة اتصاله ومساواتهبالآب والابن، وهذه الألسنة نارية، والنار وظيفتها التنقية والتطهير، نار تحرق الأشواك والآثام والشوائب، نار تنقي وتصفي الذهب، وهذه الألسنة منقسمة لتعطي فكرة تنوع المواهب الروحية كالوعظ والتسبيح والتنبؤ والتكلم بالألسنة…..، وتنوع مواهب الروح القدس من محبة وفرح وسلام وطول أناة….، هذا الروح الناري يقدسنا ويجمعنا ويصيرنا واحداً، ويبكتنا على الخطايا ويدفعنا إلى التوبة، والروح القدس حل في يوم الخمسين بمعجزة التكلم بالألسنة، وكان هدف الروح القدس في بداية التبشير هو وصول الإيمان لجميع الأمم والألسنة والشعوب باختلاف لغاتهم، فالقديس بطرس عندما تكلم في عظته الشهيرة يوم الخمسين تكلم بلغته الأصلية سواء كانت الأرامية أو العبرية الدارجة، وقام الروح القدس بعمل المترجم ليسمع كل شخص كلمات القديس فيفهمها كل شخص بلغته الخاصة، بالإضافة إلى عمل الروح في نفوس المؤمنين في تحريك قلوبهم حتى يؤمنوا؛ولذلك نجد أن الكنيسة بحكمتها وضعت لحن من أجمل ألحانها وأبهجها، وهو لحن “آسومين” (فلنسبح اسم الرب) في نهاية القداس، وهو اللحن الوحيد الذي جعلته يُصَلَى باللغات الثلاث المتاحة في الكنيسة القبطية اليونانية والقبطية والعربية؛ حتى توضح هدف هذا العيد وهو وصول البشارة إلى كل الأمم، وفي رأيي البسيط أن هذا اللحن يُصبح مناسباً أيضاً إذا تُرجِمَإلى لغات عديدة، حتى يتحقق المعنى المطلوب منه كما يقول اللحن (تعالوا ياجميع الشعوب لنُسَبِح رب القوات)، ويتحقق بالتسبيح الوحدة مابين شعوب العالم في تمجيدهم وتسبيحهم لرب الخليقة،الذي وَحَدَ مابين الجميع “ليس يهودي ولا يوناني، ليس عبد ولا حر، ليس ذكر ولا أنثى، لأنكم جميعا واحد في المسيح يسوع” (غل3: 28).

إن عيد العنصرة ممتلىء بالألحان العديدة التي تُعَبِر عن فرحة العيد، كما أن له ألحان وطقوس مُمَيِزَة له ومُعَبِرَة عن أحداثه،فنجد أن ألحان التسبحة تتبع الطقس الفرايحي وتسابيحها ذات كلمات مناسبة لموضوع العيد، فهذا العيد له ذكصولجية،وإبصالية واطس وآدام، وأرباع تُرَتَل بالناقوس في رفع بخور عشية وباكر مخصصة لهذا العيد.

ونلاحظ في هذا العيد مزيج مابين ألحان وطقوس القيامة، وألحان وطقوس عيد العنصرة، ففي باكرعيد العنصرة تسير الطقوس كما هي في طقس رفع البخور ثم يُصلِي الكاهن لحن إفنوتي ناي نان وبعدها يرد الشمامسة لحن كيريليسون باللحن الكبير الذي يقال في المناسبات، ويُقال لحن كاتاني خوروس (وهو لحن القيامة)، وبعدها لحن ياكل الصفوف السمائيين، ثم تُقام دورة مثل دورة عيد القيامة المجيد، الشمامسة حاملين رايات القيامة والصلبان والشموع، والكهنة يدورون بالبخور أمام أيقونة القيامة المجيدة ثلاث مرات في الهيكل وثلاث مرات في الكنيسة، ثم يصعدون ويدورون دورة واحدة في الهيكل، مُكملين بهذا سبع دورات، مثلما حدث أيام يشوع بن نون في دورة بني إسرائيل حول أسوار أريحا، ثم نفخوا بالأبواق وهتفوا(التسبيح)، فسقطت أسوار أريحا رمز لسقوط أسوار الشر والخطية بفعل القيامة المجيدة.

وهذه الدورة تكون في رفع بخور باكر (إشارة إلى القيامة)،وتُقام الدورة في عيد العنصرة، باعتبار أن القيامة والصعود هما أساس حلول الروح القدس، فلولا القيامة ماكان الصعود، ولولا الصعود ما حل الروح القدس؛ ولذلك فالكنيسة رتبت أن يُسَبَح بلحن “خريستوس أنيستي” للقيامة، ثم لحني “خريستوس أناليم إبسيس” و “بي خريستوس أفطونف”، الذين يتكلمان عن فكرة الصعود والجلوس عن يمين الآب وإرسال الروح القدس.

وموسيقى ألحان عيد العنصرة بصورة عامة من مقامات مبهجة مُطرِبَة ذات إيقاع سريع ونشيط، بجمل لحنية غاية في الإبداع،مثل لحن بي بنيفما بكل جمله المُعَبِرَة والمُنطَلِقة في نغمات صادحة، ونغمات أخرى منسابة نحس فيها برفرفة كأجنحة الحمام، وألحان أخرى تأملية تُعَبِرعن كلماته وأفكاره، وبهذه المناسبة نقول أن هذا اللحن أيضاً يُقال في سيامة الآباء الأساقفة والمطارنة، على أساس أن على يديهم يكون إنتشار الكرازة والإيمان كخلفاء للآباء الرسل الذين بشروا العالم بفعل قوة الروح القدس.

وتقال ألحان أخرى، مثل طاي شوري، وأل القربان، وهلليلويا فاي بي بي، ونلاحظ كذلك أن لحن مرد الإبركسيس كما هو فيالطقس السنوي مضافاً إليه بعض النغمات التي وُضِعَتخصيصا لهذا العيد كما يُقال المزمور باللحن السنجاري لحن الفرح.

أما من ضمن الأمور الطقسية الموجودة في طقس هذا العيد الجليل، أنه بعد رفع بخور باكر تُصَلَى صلاة الساعة الثالثة فقط تذكار للوقت الذي حدثت فيه معجزة حلول الروح القدس، مع إرجاء الصلاة بقطع الساعة الثالثة إلى مابعد الإبركسيس حيث تُصَلَى هذه القِطَع بألحان معينة، باعتبار أن هذه القطع تهتم بهذه الفكرة.

كما يمتاز طقس عيد العنصرة بوجود صلاة خاصة في مساء اليوم تُسَمَى صلاة السجدة، وهذه لها قصة تاريخية، فقديماًكانت العادة أن تُتلى الصلوات المسائية وهم وقوف، ولكن يحكي تاريخ الكنيسة أنه في ايام البطريرك الأنطاكي الأنبا مكاريوس،بينما كان يتلو الطلبات التي في نهاية كل صلاة من الصلوات الثلاثة هبت ريح شديدة كما حدث في علية صهيون أثناء حلول الروح القدس على التلاميذ، فأسرع المصلون بالسجود من كثرة الخوف طالبين الرحمة من الله ابتداء من البطريرك إلى كل الحاضرين، وحينئذ سكتت الريح، فقام المصلون ليكملوا بقية الصلوات وقوفاً وإذ بالرياح تشتد مرة أخرى أثناء الطلبة الثانية،فسجدوا للمرة الثانية فهدأت الريح، وهكذا حدث نفس الأمر في المرة الثالثة، فأيقنوا أن مشيئة الله أن تُصَلَى طلبات هذه الصلوات الثلاثة وهم في حالة سجود وخشوع، ومن ذلك الحين أخذت الكنيسة هذه العادة إلى يومنا هذا.

وختاماً نقول أن يوم الأحد أصبح مرتبطاً بمناسبتين مفرحتين ومقدستين، هما يوم عيد القيامة، ويوم حلول الروح القدس، وهذا يتطلب منا أن نُقَدِس هذا اليوم، ولكن بفكر جديد ومفهوم جديد،كما يقول معلمنا بولس الرسول ” وأما الآن فقد تحررنا من الناموس إذ مات الذي كنا مُمسَكين فيه حتى نعبد بِجِدَة الروح لا بعتق الحرف”.

وبهذه المناسبة الجميلة أترككم أعزائي القراء والمستمعون لتستمعوا إلى لحن من أجمل وأروع ألحان كنيستنا القبطية،وهو لحن “بي بنفما”، آداء كورال شباب الأنبا رويس، أداء فردي أفرايم إميل ومنير وصفي.

لينك اللحن

تاريخ الخبر: 2022-06-09 09:21:39
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 47%
الأهمية: 58%

آخر الأخبار حول العالم

وفاة المحامي والحقوقي عبد العزيز النويضي اثر سكتة قلبية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 00:26:04
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 55%

وفاة المحامي والحقوقي عبد العزيز النويضي اثر سكتة قلبية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 00:26:09
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 58%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية