استطاعت الكاتبة الروائية ريم بسيوني ــ الفائزة بجائزة الدولة للتفوق في الآداب عن مجمل أعمالها ــ أن تحجز لنفسها مكانا متميزا بين قراء الضاد، فمنذ عملها الروائي الأول “رائحة البحر”، الصادرة عن دار البستاني عام 2005، وهي تراكم مشروعها السردي الجامع بين مختلف أطياف المتلقين.

فبين قراء ريم بسيوني ستجد الفئات العمرية من الشباب ومتوسطي السن وكباره، نساء ورجال، يقبلون علي رواياتها، يتناولونها بالنقد والتحليل والمراجعات، سواء في الندوات العامة التي تقام لمناقشاتها، أو عبر مجموعات القراءة العديدة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

ستجد قراء ريم بسيوني أيضا يتحلقون حولها دوما، خلال الجولات الميدانية التي تقوم بها وتدعو إليها في مناطق مصر القديمة، حيث العمارة الإسلامية من مساجد ومدارس وسبل، فمن مدرسة السلطان حسن وجامعه، إلى مسجد ابن طولون وغيرها من آثار العمارة الإسلامية المملوكية، يصحبونها في رحلة داخل الزمن والتاريخ الحي سواء ذلك الذي رصدته ووثقته في رواياتها: “ثلاثية المماليك ــ سبيل الغارق ــ ثلاثية القطائع”، أو من خلال حكايات البشر والحجر المتجسدة مازالت في شوارع القاهرة المعزية.

ــ العمل الأكاديمي لا يعني النخبوية بأي حال من الأحوال

رغم ممارستها العمل الأكاديمي عقب حصولها على دراجتي الماجستير والدكتوراه من جامعة أكسفورد، إلا أن ريم بسيوني في مشروعها الروائي تنتهج أسلوب السهل الممتنع، سواء في اللغة السردية ورسم شخوص عوالمها وحكاياتهم، أو في تناولها لموضوعاتها الروائية، التي تتعدد مستويات القراءة وتختلف لها من قارئ إلى قارئ آخر، إلا أنك لن تجد من يشكو بأن لغتها متعالية أو أن نصوصها عصية على الفهم.

ولعل روايتها الثانية “الدكتورة هناء” الصادرة عن مكتبة مدبولي 2007، أوضح مثال على لغة ريم بسيوني الروائية التي تجمع بين لغة الأدب ولغة القارئ العادي، إلا أنها أيضا لا تبتذل تناول الموضوع ــ الرومانسي ــ أم تميعه كما نرى في بعض الروايات.

توالت أعمال الكاتبة الروائية دكتورة ريم بسيوني فكانت روايات: بائع الفستق، الحب على الطريقة العربية، أشياء رائعة، مرشد سياحي. وقد ترجمت أعمالها الروائية إلى العديد من اللغات، من بينها الإنجليزية والفرنسية والأسبانية والإيطالية واليونانية وغيرها.

ــ انطلاقة قوية مع عالم المماليك وتاريخهم

حققت ريم بسيوني نجاحا منقطع النظير في عالم كتابة الرواية التاريخية، فمنذ أن طرحت روايته “أولاد الناس.. ثلاثية المماليك” عن دار نهضة مصر 2018، والتي حققت معدلات قراءة وبيع هي الأعلى في عدة طبعات متوالية، ونجحت في رسم عالم وزمن المماليك وجذب القارئ العادي إلى عالم التاريخ من خلال سردها الروائي، والذي تلحقه بجولاتها الميدانية التي تصحب فيها قرائها ليعيشوا تجربة الانتقال الزمكاني عبر القراءة والمعايشة الحقيقية. 

وإن كانت ريم بسيوني ترى أنه: "لا يمكننا القول إن الرواية مرجع تاريخي٬ فهي في النهاية رواية بها أشخاص وفيها أحداث ممزوجة بين الخيال والواقع٬ ولم يكن لدي أية مشكلة في كتابة الرواية التاريخية٬ بالنسبة لي وخلال قراءاتي في التاريخ أرى شخوصه حية أمامي يتصرفون "كبني آدمين" لهم نقاط ضعف وقوة٬ مما يجعل الأمر أسهل بالنسبة لي خلال الكتابة عنهم٬ كما لم يكن أمامي أي تحد خلال كتابة الشخصيات في أن يطغى التاريخ على الرواية.

ومن ثم توالت أعمال ريم بسيوني في الرواية التاريخية، فكانت روايتيها: “سبيل الغارق الطريق والبحر” 2020، و"القطائع.. ثلاثية ابن طولون" 2021 والروايتين أيضا عن دار نهضة مصر، وفيهما واصلت ريم بسيوني مشروعها في استعادة تاريخ المماليك ورفع الغبن عنهم، في نقل الجانب الآخر من حكاياتهم التي تقدم في التاريخ الرسمي بأنهم مجرد عبيد تحولوا إلي جلادين ومصاصي دماء للشعب المصري خلال فترة حكمهم.

تري ريم بسيوني أن عملها الأكاديمي ساعدها كثيرا في كتابة الرواية التاريخية، خاصة أن البحث العلمي سهل بالنسبة لها٬ خاصة وأن أصعب ما في البحث العلمي القدرة على معرفة المعلومة المهمة التي تنطلق منها الكتابة٬ وليس القراءة فقط التي نمارسها جميعا٬ لكن كيفية اختيار المعلومة التي يجب أن يعرفها القارئ فيحتاج إلى تدريب لسنين.

وتضيف بسيوني: والحقيقة أن البحث العلمي أفادني في كتابة الرواية ولا تتحول إلي بحث أكاديمي٬ خاصة أنني أكتب الرواية بالعربية بينما الأبحاث الأكاديمية فأكتبها بالإنجليزية مما ساعدني في هذا الفصل.

ــ ريم بسيوني.. الروائية صائدة الجوائز

نالت ريم بسيوني العديد من الجوائز الأدبية محليا وعالميا، حيث فازت روايتها “بائع الفستق” على جائزة أفضل عمل مترجم في الولايات المتحدة الأمريكية في العام 2015. والتي كانت قد صدرت في نسحتها الإنجليزية عن دار نشر سيراكيوز 2009.

وعن روايتها “الدكتورة هناء”، فازت ريم بسيوني بجائزة ساويرس الثقافية فرع كبار الأدباء في العام 2010. كما فازت العام الماضي بجائزة نجيب محفوظ للأدب من المجلس الأعلى للثقافة لعام 2019-202 عن روايتها “أولاد الناس.. ثلاثية المماليك”، وتأتي قبل يومين جائزة الدولة للتفوق، لتتوج مسيرة الكاتبة الروائية ريم بسيوني، التي نجحت في موازنة معادلتها، فمن ناحية تقدم مضمون وجوهر روائي يحمل قيمة فنية وأدبية، ومن الناحية الأخرى وصلت إلى قطاعات كبيرة ومختلفة بين القراء، لتثبت أنه ليس دائما العملة الرديئة تطرد الجيدة.