تحليل صلاة الشكر طقسياً وموسيقياً (1)


قراء وطني الأعزاء: أحب أن أكلمَكم اليوم في هذا المقال عن دراسة مختلفة عن المقالات السابقة، فلن أتحدث اليوم عن لحن بذاته، ولكن نريد أن نغوص معاً في أجواء جزء أو قسم هام من أقسام القداس الإلهي، وهو يُعتبرأشهر صلاة طقسية وضعتها الكنيسة القبطية في كل مناسباتها وهي صلاة الشكر التي يُصليها الكاهن ويتخللها مردات للشماس ومردات للشعب.

نظام الصلوات الطقسية في الكنيسة:

يقول الأب الورع القمص إسطفانوس سمير: “إن نصوص القداس هي مجموعة من الآيات أخذها الآباء الذين وضعوا “الليتورجيا” (صلاة جماعية طقسية)، وربطوها بأدوات ربط، ثم شَكَلوا من مجموعة الآيات مقاطع بأسلوب متسلسل بديع بإرشاد الروح القدس، وتتخلل هذه المقاطع فواصل عبارة عن مردات الشماس ومردات الشعب، فتصير بذلك صلاة ثلاثية مابين صلوات الكاهن وتنبيه الشماس وتجاوب الشعب في الصلاة،ونجد هذا التركيب أيضاً في جميع أجزاء القداس الإلهي أو في الصلوات الطقسية الإجتماعية الأخرى خارج القداس، وبهذهالطريقة تكتمل هذه الصلوات بهذا الأسلوب الطقسي الرائع.

وبصورة عامة نلاحظ أن “الليتورجيات” عبارة عن مجموعة متناغمة من الكلمات والحركات والألحان تفسر المعنى الروحي المطلوب فهمه أو الصلاة به، وهذا هو الشكل العام للطقس الكنسي.

كما نجد ملاحظة أخرى، وهي أن كل جُملة أو كلمة أو ربما كل حرف في الصلاة هو منغم أو مُلَحَن إلا في حالات قليلة خلال القداس كالقراءات مثلاً، وهذا لأن القداس هو لمحة من لمحات السماء حيث الملائكة وعملهم هو التسبيح الدائم، كذلك لأن الموسيقى لها تأثير كبير على نفس ومشاعر الإنسان فتساعده أن يسمو بروحه في علاقته مع الله.

ونجد في قوانين الكنيسة أنه لا يصح أن يرفع الكاهن ذبيحة دون شماس ودون شعب، وكلنا لاحظنا خلال السنتين السابقتين،عندما كنا نُعاني من ظروف “فيروس كورونا” وأصبح حضور الكنيسة محدود جدا، أن الكنيسة كانت حريصة أن تُقدم القداس بشرط وجود كاهن وعدد قليل من الشمامسة والشعب حتى تتحقق وصية الكنيسة في هذا الصدد ويتواجد الثلاثة أطراف الذين يُقيمون الصلاة.

صلاة الشكر:

تُصَلَى صلاة الشكر في كل المناسبات الطقسية في رفع بخوري عشية وباكر، وبعد رفع الحمل، وفي صلوات العماد والزيجة، ورسامات درجات الكهنوت وتكريس الكنائس، وفي صلوات الأجبية، وحتى في صلوات التجنيز، فنحن نشكر الله في كل الأمور “لأن كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله” (رو8: 28) وكما يقول أبونا المحبوب القمص تادرس يعقوب: “إن الله لا يقبل صلواتنا كرائحة بخور زكية ما لم تخرج من قلب شاكر له، ولكن القلب الجاحد يقف حاجزاً عن صعود البخور خارج سقف الكنيسة، أما الشكر فيٌحَوِل النفس كما إلى بخور لا يحجزه أحد عن الدخول حتى عرش الله”، وكما يقول الآباء: “ليس عطية بلا زيادة إلا التي بلا شكر”؛ ولذلك فإن الكنيسة في كل صلواتها وخدماتها لا تُصَلِي أي صلاة طقسية إلا وتبدأها بصلاة الشكر.

والقداس الإلهي في مُجمَلِهِ يُسَمَى بال”إفخارستيا” وهي كلمة يونانية معناها (شكر)، فقد قدم السيد المسيح جسده ودمه ذبيحة شكر لله الآب، كما أننا نطلب كل طلباتنا من خلال سر الشكر،ويتحول الشكر إلى إطار يحيط بكل صلواتنا فيجعلنا نطلب بروح الثقة في الاستجابة، وفي سر الشكر يُعطينا ابنُ الله ذاتَهُفكيف لا يهبنا معه كل شيء، من هذا المُنطَلَق تحولت كل طلباتنا إلى سر الشكر “الافخارستيا”.

ونلاحظ في بداية صلاة رفع بخورعشية وباكر، وفي باقي الصلوات الطقسية أن الكاهن يمسك الصليب وهو يصلي صلاة الشكر، وذلك لأننا نشكر الله من خلال نعمة الصليب الذي كان سبب الخلاص، فرب المجد فدانا وبذل ذاته عنا فوق الصليب.

أما في تقديم الحمل يكون الكاهن متعاملا مع مادة الافخارستيا نفسها وهي الخبز والخمر مع الماء اللذَين ستحولا إلى جسد المسيح ودمه، وفي هذه الحالة نصلي مع الكاهن صلاة الشكر،فنشكر الرب الذي أهلنا إلى هذه النعمة، وإلى خدمة الأقداس،والتناول من الأسرار المقدسة التي تشتهي الملائكة أن تطلع عليها.

وفي نهاية طقس رفع الحمل نجد أن الكاهن يَصُب الخمر الذي في القارورة في الكأس، ويصب الشماس قليلاً من الماء في القارورة، فيأخذها الكاهن ويَصُبها في الكأس مرة أخرى، وهذا يُذَكِرنا بالدم والماء الذين خرجا من جسد المسيح وقت موته على الصليب بعد طعنه بالحربة، وكل هذا يفعله الكاهن كطقس حتى نتذكر دائماً أن الذي مات عنا هو الله نفسه الذي مات بناسوته(في خروج الماء من الجسد المائت) وهو حي بلاهوته على الدوام (بخروج الدم من جسده المتحد بلاهوته)؛ ولذلك فنحن نشكره لأن الله المُحِب قد أنقذنا وتجسد وتأنس لكي يفدينا، فنشكره على هذه النعمة الفائقة؛ ولذلك يبدأ الكاهن في صلاة الشكر في نهاية تقديم الحمل وخاصة في جزئية مزج الخمر بالماء.

صلاة الشكر تاريخياً:

صلاة الشكر تاريخياً تُعتبر أقدم صلاة تقال في طقس الكنيسة،وربما تكون أقدم من كتابة بعض الأناجيل، والذي يوضح هذا أن في صلاة الشكر تَقِل فيها الاقتباسات المأخوذة من الأناجيل إلى أقصى حد (كما هو موجود في الخولاجي الكبير بالشواهد)،كما وُجِدَت مخطوطة تُشير إلى صلاة الشكر التي للقديس مرقس الرسول أي أنها تسليم من القديس مرقس نفسه.

كلمة الشكر لغوياً:

إن اللغة القبطية تتميز بأنها لغة مُرَكَبَة، أي أن الكلمة القبطية عندما تُتَرجَم تتفكك إلى أكثر من كلمة لتُعطي معنى أوضح،فكلمة أشكرك (وهي أساس هذه الصلاة) باللغة القبطية “تي شيب إهموت إنتوتك”، فهي تُتَرجَم هكذا: “تي” تعني (أنا)،”شيب” ومعناها (أَقبَل)، “إهموت” ومعناها (نعمة)، “إن” معناها (مِن) أو (التي ل)، “توتك” ومعناها (يدك)، وهذا المعنى بالقبطية يختلف تماما عن ترجمته باللغة العربية، فكلمة أشكرك تعني أنني حينما أشكر فأنا أُعطي أو أَهَب لك شيئاً، أي أنا المُتَفَضِل عليك؛ ولكن في اللغة القبطية فالمعنى عكسي، هو أنني حينما أشكر فأنني أستفيد، لأني سأتقبل نعمة من الآخر،فعمل الخير في المسيحية ليس هو عطاء؛ ولكنه عمل يعود عليَ بالخير والبركة والنعمة من الله، فإذا كان الحال هكذا مع كل البشر فكم وكم تكون البركة التي سآخذها من الله عندما أشكره هو نفسه؟، فنحن حينما نقول فلنشكر صانع الخيرات فنحن في هذه الحالة سنتقبل من يديه المباركة النعمة والبركة والمعونة عندما نتصل بالله صانع كل الخيرات.

وهنا نقول ملحوظة هامة: أن اللحن القبطي حينما يُقال بلغته الأصلية يُعطي معنى أعمق وأقوى وأوضح وأدق من ترجمته إلى أي لغة أخرى.

وللمقال بقية بإذن المسيح.

رابط صلاة الشكر للكاهن بصوت المعلم جاد لويس

تاريخ الخبر: 2022-06-16 12:21:44
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 57%
الأهمية: 61%

آخر الأخبار حول العالم

هل يمتلك الكابرانات شجاعة مقاطعة كأس إفريقيا 2025؟

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-29 00:25:42
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 69%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية