الغرب قصدها عقوبات.. لكن العالم يشهد بزوغ فجر التعامل بالروبل
الغرب قصدها عقوبات.. لكن العالم يشهد بزوغ فجر التعامل بالروبل
أرادوا بي شرا.. لكن الرب حول شرهم خيرا.. هذا المضمون الذي يؤمن به ويردده المسيحيون يتجسد من خلال متابعتنا لتداعيات الأحداث في الحرب الروسية في أوكرانيا -والتي يحق لنا أن نصفها بالحرب الروسية الأمريكية- فالفاعلان في هذه الحرب هما روسيا وأمريكا بينما أوكرانيا تظل مفعولا به, هذا بالإضافة إلي أدوار البطولة الثانوية المسندة إلي دول أوروبا الغربية من جانب والصين والهند ومجموعات التكتلات الاقتصادية من جانب آخر.
فلعل من أقسي العقوبات الاقتصادية التي أوقعتها الإدارة الأمريكية علي روسيا قاصدة شل حركتها في الأسواق العالمية كان قرار منعها من التعامل في إطار النظام البنكي العالمي سويفت, وبالتالي حرمانها من التعامل بالعملات الرئيسية كالدولار واليورو, وبينما حبس العالم أنفاسه تحسبا لما سوف يحدث من جراء ذلك, كان رد الفعل الروسي إعلان أن روسيا لن تقبل الدولار أو اليورو نظير سداد مستحقات صادراتها -سواء كانت نفطا أو غازا أو أية سلع أخري- إنما سيكون السداد بالعملة الروسية الروبل… وهكذا أسقط في يد مطلقي العقوبات وعلي رأسهم دول أوروبا الغربية التي وجدت نفسها في موقف لا تحسد عليه من الالتزام بتدبير سيولة كافية من الروبل لسداد احتياجاتها من الواردات الروسية.
وبالتوازي مع هذه المستجدات التي فرضت نفسها علي الأسواق العالمية, وبينما هي تعيد تسطير معايير التعامل فيها, نشهد نحن في مصر بوادر تشكيل ملامح بزوغ فجر جديد للتعامل بالروبل من خلال ما يجري من مفاوضات روسية- مصرية تضع أساس التبادل التجاري بالروبل.
نشرت وطني علي صفحتها الاقتصادية في العدد الماضي مادة بعنوان: في ظل تبعات العقوبات علي موسكو.. مفاوضات روسية مصرية للتبادل التجاري بالروبل.. والمادة تجسد واقع المواءمة بين العقوبات التي تم توقيعها علي روسيا من جانب الغطرسة الأمريكية وبين استخدام أدوات جديدة لرعاية المصالح الاقتصادية والتجارية بين مصر وروسيا… وهذه بعض الملامح في هذا الإطار:
** أعلن المهندس علي عيسي رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين أن الجمعية قدمت مقترحا للحكومة المصرية لفتح حسابات بنكية بالروبل الروسي لإجراء المعاملات التجارية مع روسيا… جاء في المقترح إننا نصدر لروسيا كميات من الخضراوات والفاكهة ونستورد منها كميات كبيرة من القمح, ونقترح أن يتم التعامل في حدود هذه الكميات بالروبل بدلا من الدولار نتيجة إيقاف روسيا التحويلات بالدولار أو اليورو.
** كشفت مصادر رسمية روسية أن هناك تحركات في مصر لتحويل عدد من الفنادق المصرية للتعامل بالروبل الروسي مع السياح, وفتح حسابات بالعملة الروسية, وأن الأمر مرهون بصدور قرار من غرفة السياحة المصرية للأعمال الفندقية للسماح بسداد مستحقات فنادق البحر الأحمر بالروبل.
** بالإضافة إلي المزمع من توقيع اتفاقية التجارة الحرة من مصر وروسيا وسائر التسهيلات التي تتيحها الاتفاقية, فإن السفير الروسي لدي مصر أوضح أن العقوبات التي كان مقصودا منها الحيلولة دون زيادة حجم التبادل التجاري سوف تتحول إلي أدوات جديدة تنشط من التبادل التجاري, علما بأن هناك اتفاقيات عديدة واعدة بين مصر وروسيا, علي رأسها اتفاق لإنشاء محطة الضبعة لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية, علاوة علي مذكرة تفاهم لتشجيع وجذب الاستثمارات الروسية لمصر, بالإضافة إلي مذكرة تفاهم بشأن إنشاء المنطقة الصناعية الروسية في مصر والتي تتضمن صناعات تجميع السيارات والمعدات الزراعية ومعدات الطرق ومواد البناء وصناعات الأدوية وبناء السفن والمنسوجات والملابس والأجهزة الإلكترونية والأثاث والمعدات الهندسية, والعمل في مجالات تكنولوجيا المعلومات وإعادة تدوير المخلفات والخدمات المالية.
*** ما من شك أن مجالات التعاملات الاقتصادية والتجارية والصناعية بين مصر وروسيا خصبة ومتعددة ومتشعبة… لكن ما تشهده تلك المجالات من إعادة تطويع للتعامل بالروبل بدلا من الدولار أو اليورو يؤكد أننا أمام بزوغ فجر جديد يشهده العالم لتحويل العقوبات الأمريكية- الأوروبية إلي بدائل إيجابية, تفتح آفاقا جديدة أمام العلاقات الدولية.