في سابقة تخالف كل التوقعات، أعلن كل من ألمانيا والنمسا يوم الاثنين أنهما ستعودان لاستخدام الفحم من أجل تخفيف الاعتماد على الغاز الطبيعي، نظراً لتهديد روسيا بقطع وارداتها من تلك المادة. كما من المرجح أن يتبعهما عدد من دول الاتحاد في تلك الخطوة.

هذا ويعد القرار الألماني النمساوي مخالفاً لتعهدات الدولتين بخفض انبعاثات الكربون، بعودتهما إلى مصدر الطاقة الأكثر تلويثاً. كما يعرقل الطموح الأوروبي بخفض الانبعاثات إلى النصف بحلول 2030، وبلوغ مرحلة الحياد الكربوني بحلول 2050.

فيما لا يخلو خيار اللجوء إلى الفحم من عقبات، إذ جاهدت الدول الأوروبية منذ سنوات لإنقاص إنتاجها من الفحم، ما دفعها إلى الارتهان في هذا السياق كذلك للواردات الروسية، ما يضعها مجدداً في خانة التحكم الروسي بمصيرها الطاقي.

عودة إلى الفحم

أعلنت وزارة الاقتصاد الألمانية، في بيان لها يوم الأحد أنه "بهدف تقليل استهلاك الغاز، يجب استخدام كميات أقل من الغاز لتوليد الكهرباء. وبالتالي، سيتعين استخدام محطات الطاقة العاملة بالفحم بشكل أكبر".

وعلَّق وزير الاقتصاد والمناخ الألماني، روبيرت هابيك، على القرار بأنه " أمر مؤلم لكن ضروري من أجل التقليل من استهلاك الغاز"، وأنه "إذا لم نفعل ذلك، فإننا نخاطر بأن مرافق التخزين لن تكون ممتلئة بما يكفي في نهاية العام في موسم الشتاء. وبعد ذلك نتعرض للابتزاز على المستوى السياسي".

وعقب هذا القرار، أعلنت الحكومة النمساوية، بعد اجتماع أزمة، إن السلطات ستعمل مع مجموعة "فيرباند" المورد الرئيسي للكهرباء في البلاد، لإعادة تشغيل محطة مدينة ميلاخ جنوب البلاد، التي كانت آخر محطة تعمل بالفحم في البلاد قبل إغلاقها سنة 2020.

وتتزامن هذه الإجراءات مع دخول الصيف، أي الفترة الزمنية التي ينقص فيها الطلب عن الغاز وتستغلها الدول الأوروبية من أجل تعبئة مخزونها تحسباً للشتاء. وأيضاً التضييقات الكبيرة التي تطال واردات الغاز الروسي نحو هذه البلدان، إذ أعلنت شركة "إيني" الإيطالية أنها لن تتحصل إلا على جزء من طلبية لها من الغاز الروسي يوم الاثنين.

وفي وقت سابق أشارت ألمانيا وإيطاليا والنمسا وهولندا إلى أن محطات الطاقة التي تعمل بالفحم يمكن أن تساعد في رؤية القارة تمر بأزمة أدت إلى ارتفاع أسعار الغاز وزيادة التحدي الذي يواجه صانعي السياسة الذين يكافحون التضخم.

مأزق أوروبي جديد؟

ويصحب هذا التوجه الأوروبي المستجد نحو الفحم منفذاً من مأزق إمدادات الغاز الروسي، نشاط في قطاعات إنتاج تلك المادة. وتحدَّثت وسائل إعلامية يونانية عن عودة الحيوية إلى منجم كوزاني شمال البلاد، والذي ينتج اللغنيت أرخص أنواع الفحم وأكثرها تلويثاً للبيئة.

وفي أبريل/نيسان الماضي، أعلن رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، أن إنتاج بلاده من الليغنيت سيزيد بـ 50% في أفق عام 2024، تعزيزاً لاحتياطياتها في ظل أزمة الطاقة الأوروبية.

من جانبها عبرت بولندا، أحد أكبر منتجي الفحم في أوروبا، عن عزمها تعزيز إنتاجها من الفحم. وقالت وزارة البيئة والمناخ البولندية إنها ستدعم استهلاك الفحم للمنازل والتعاونيات السكنية التي تستخدم الوقود الأحفوري للتدفئة، في وقت تعتمد البلاد في إنتاج 70% من طاقتها على هذه المادة.

في ذات الوقت لا تنقذ هذه التحركات أوروبا من الوقوع في أزمة إمدادات فحم تضاف إلى أزمة إمدادات الغاز، وهي التي خفَّضت إنتاجها من 277 مليون طن سنة 1990 إلى 57.2 مليون طن سنة 2021. وتعتمد في سد فارق الإنتاج هذا على استيراد الفحم الروسي، والذي يسد 46% من حاجتها.

وحسب مكتب الإحصاءات التابع للاتحاد الأوروبي "يوروستات"، استحوذت بولندا على 96% من إنتاج الفحم الأوروبي. بالمقابل عودة الأوروبيين إلى الاعتماد على بولندا في إمدادات الفحم، قد يمنح البلاد التي يديرها حزب "PiS" اليميني المتطرف حجماً سياسياً أكبر داخل المنظومة الأوروبية، ويزيد وتيرة الصدام بينها وبين بروكسل.

TRT عربي