شكة الدبوس.. والجهل المركب


هاتفتنى مريضة، قائلة «إننى لن أستطيع حضور الاستشارة لأن فتيات كثيرات يتم تخديرهن فى المواصلات والشارع»، قلت لها: بعيداً عن موضوع الاستشارة هذا وهم كبير وكذب لا أساس له من الصحة علمياً وواقعياً، فكيف تصدقينه؟ فتحت صفحتى على «واتس آب» فوجدت البعض أرسل لى هذا التسجيل الصوتى، قلت: هذه قصة ملفقة طبياً وواقعياً. عجبت لتصديق البعض مثل هذه الخرافات رغم مرورنا بسلسلة لا تنتهى من تجارب الخرافات، ولكن للأسف طوائف كثيرة من شعبنا قابلة لتصديق الخرافات والأكاذيب، بل إنها تعشق الخرافة والجدل ولا تحب الصادقين والناصحين. استرجعت شريط ذكرياتى مع الحياة المصرية وكيف صدّق الناس أن بعض العصابات كانت تخطف الأطفال من الشوارع لنقل الأعضاء منهم إلى غيرهم. هذه القصة الخرافية صدّقها ملايين المصريين دون أن يسأل أحدهم عالماً متخصّصاً فى زرع الكلى أو الكبد مثلاً، ويفهم منه أن زرع الأعضاء عملية معقّدة جداً، ولا تتم فى عشية وضحاها وتحتاج إلى تحاليل دقيقة بين المتبرع والمريض. أخطف الطفل ثم آخذ كليته أو كبده أو غيرهما وأزرعها فى آخر وأدفن الطفل فى الصحراء وينتهى الأمر، إنه أشبه بفيلم هندى ردىء لا يُصدق. زارعو الكلى والكبد ومراكز زراعتها معروفة ومعدودة، فهل يغامر عالم كبير بحياته ومستقبله من أجل خدمة عصابة، وهم كبير وخلل علمى فادح فى هذه القصة، ورغم ذلك صدّقها ملايين المصريين. قبلها بفترة ساد بين طالبات المدارس الثانوية أن هناك غازاً مخدّراً فى المدارس وتسبّب هذا الإيحاء القوى فى حالات إغماء هستيرى لبعض الفتيات ممن يعانين من خلل نفسى، وشاع ذلك فترة فى المدارس، ثم توقف وحده، وهى حالة هستيرية نفسية معروفة لن يتسع المقام لشرحها. أعقبها فى بعض محافظات الصعيد شيوع أمر عجيب بين طالبات المدارس الثانوية والجامعات المسلمات أن الطالبات المسيحيات يقمن برش مادة على الحجاب ترسم صليباً، ورغم غرابة الشائعة وعدم منطقيتها إلا أن مئات الطالبات المسلمات كن يتخيلن أن صلباناً رسمت على الحجاب الأبيض، إلى أن أخذت الشائعة وقتها ثم انتهت وحدها بعد أن أدت غرضها فى الفتنة الطائفية. الفتيات أكثر شريحة كانت مقتنعة أن الجن العاشق هو الذى يؤذيها ويسبّب لها كل ما تشكو منه من أعراض نفسجسمانية، مع أن أصغر طبيب نفسى يعرف أن هذه الأعراض هى أعراض أمراض نفسية محدّدة، وعلاجها محدّد وفعال وسريع. وأكثر شريحة تقبل على الخرافة وتذهب للدجالين وعندها تطرف حدى ذات اليمين أو اليسار، يكون فى سنوات مراهقة المرأة. وقد ساعدت شبكات التواصل الاجتماعى فى شيوع هذا الأمر، وهى التى ساعدت فى انتشار التسجيل الصوتى عن «شكة الدبوس» لفتاة ثم تخديرها بهذه الشكة لخطفها، وقد أحسنت رئاسة الوزراء والداخلية بإصدارهما بيانين منفصلين ينفيان هذه القصص الوهمية، وما يحزننى تصديق هذه القصص التى تخالف العلم والطب والمنطق السديد. إن أمتنا المصرية ما زال بعضها يرزخ تحت نير الخرافة والجهل واللامنطق وهذا لا يصيب الأميين فحسب، بل أرى خريجى جامعات يردّدون هذه الخرافات. لقد كون بعض الدجالين ثروات طائلة من وراء معالجة أناس يعانون فقط من أمراض نفسية لها مظاهر غريبة مثل الهلاوس السمعية والبصرية أو الوسواس القهرى، حيث يصورون لهم أن الجن والعفاريت هى التى تصنع بهم ذلك، وبعض هؤلاء المعالجين ضُبط مع سيدات مريضات فى أوضاع مخجلة، وبعضهم طرد من القرى والبيوت والمساجد حينما كانت تتخذ لذلك فى أوقات سابقة. وكانت الفتيات هى القاسم المشترك فى كل هذه القصص المزرية، فهى الأكثر عرضة للأعراض الهستيرية والاكتئاب والأمراض النفسية عامة. علينا أن نعود للعلم مرة أخرى ونحارب الخرافات والشائعات بكل قوة، ليس حماية لأوطاننا فحسب، ولكن أيضاً حماية لأنفسنا وأسرنا.

* نقلا عن " الوطن "

تاريخ الخبر: 2022-06-21 21:17:48
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 81%
الأهمية: 88%

آخر الأخبار حول العالم

دوري أبطال أوروبا.. دياز يواجه مزراوي في ذهاب نصف نهائي

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-30 15:27:20
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 70%

دوري أبطال أوروبا.. دياز يواجه مزراوي في ذهاب نصف نهائي

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-30 15:27:21
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 64%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية