في ظل ازدياد حدة التوترات بين الصين والولايات المتحدة حول تايوان، وبعد موجات العقوبات القاسية والمتلاحقة التي تعرض لها الاقتصاد الروسي رداً على الهجوم الروسي على أوكرانيا في أواخر فبراير/شباط، تسعى الصين جاهدة ومعها بعض الحلفاء للتخلص من هيمنة الدولار على مفاصل التمويل والتجارة على المستوى العالمي، والبحث عن بديل أكثر ملائمة لاقتصادها في طريقها نحو استحداث قطب عالمي جديد منافس للأمريكي المتفرد بالسيطرة على الاقتصاد العالمي منذ انتهاء حقبة الحرب الباردة.

ووفقاً لتقرير نشره موقع Business Insider الأمريكي، الإثنين، يقوم بنك الشعب الصيني ببناء احتياطي باليوان مع خمس دول أخرى بالتعاون مع بنك التسويات الدولية، وذلك ضمن المساعي الصينية الرامية لإيجاد بديل فعال يحل محل صندوق النقد الدولي الذي يهيمن عليه الدولار.

وفي 25 يونيو/حزيران الجاري، صرح البنك المركزي الصيني في بيان له إن الصين تتعاون مع إندونيسيا وماليزيا وهونغ كونغ وسنغافورة وتشيلي، وكل دولة ستساهم بـ15 مليار يوان، أي حوالي 2.2 مليار دولار، في نظام "السيولة رينمينبي" (Renminbi Liquidity).

نافذة سيولة بديلة

وأضاف المركزي الصيني في بيانه قائلاً "عندما تحتاج الدول إلى السيولة، لن تتمكن البنوك المركزية المشاركة من سحب مساهماتها فحسب، بل ستتمكن أيضاً من الوصول إلى تمويل إضافي من خلال نافذة سيولة مضمونة".

وهذا المخزون من العملات يطرح بديلاً لصندوق النقد الدولي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة، ويضم أيضاً مساهمات من دول تكتل "بركس" المكون من: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، والذين أنشأوا سوياً "البنك الجديد للتنمية"، ومقره مدينة شنغهاي الصينية، ليكون بديلاً عن البنك الدولي .

وفي ظل هذه المساعي، أظهرت بيانات رسمية أن احتياطيات الصين من النقد الأجنبي - الأكبر في العالم - نمت الشهر الماضي لأول مرة في عام 2022. وارتفعت احتياطيات الدولة بمقدار 80.6 مليار دولار لتصل إلى 3.13 تريليون دولار. في الوقت نفسه، وصل الدولار الأمريكي إلى أعلى مستوى له في 20 عاماً في الأسابيع الأخيرة.

عملة احتياطية جديدة

الأسبوع الماضي، أفاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإن روسيا والصين تسعيان لتطوير عملة احتياطية جديدة مع دول البريكس الأخرى، وذلك ضمن جهودهم الرامية لخلق توازن دولي في النظام الاقتصادي العالمي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة بسياستها المالية والنقدية.

ويخطط أن تقدم سلة العملات، قيد النقاش، بديلاً لصندوق النقد الدولي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة وتشمل مساهمات من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا.

ووفقاً لتقرير وكالة الأنباء الروسية "تاس" الروسية، قال بوتين الأسبوع الماضي لمنتدى أعمال البريكس: "مسألة إنشاء عملة احتياطية دولية على أساس سلة عملات بلداننا قيد المراجعة". وأضاف: "نحن مستعدون للعمل بشكل علني مع جميع الشركاء المنصفين على مبادئ احترام مصالح بعضهم البعض، والسيادة غير المشروطة للقانون الدولي، والمساواة بين الدول والشعوب".

عالم متعدد الأقطاب والعملات

كانت الفكرة الرئيسة وراء إنشاء تكتل البريكس، هي إنهاء سياسة القطب الأحادي وإيجاد بديل فعال وحقيقي لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ما يمكن الدول الأعضاء من منح وتبادل القروض بشكل لا يؤثر ولا يحدث أي خلل اقتصادي، فضلاً عن تعزيز شبكة الأمان الاقتصادي العالمية بالنسبة إلى تلك البلدان وتجنيبها ضغوط الاقتراض من المؤسسات الغربية وتكبيلها بالفوائد.

ومن خلال تأسيس نظام عالمي ثنائي القطبية تكون فيه الدول الأعضاء أحد مرتكزات الاقتصاد العالمي المستقبلي سواء كانت منفردة أو مجتمعة، تسعى دول بريكس الخمس استغلال نفوذها الاقتصادي والجيوسياسي لخلق تحالف فك قبضة الولايات المتحدة وعملتها عن الاقتصاد العالمي.

ومع ذلك، يرى معظم الخبراء أنه سيكون من السابق لأوانه القول إنه في السنوات القادمة سيتمكن ممثلو هذه الرابطة من تحقيق توازن القوى في العلاقات النقدية والائتمانية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والتغلب على هيمنتهم طويلة الأجل في التمويل العالمي، خصوصاً وأن كل ذلك مرهون بتحويل الوحدات النقدية لدول بريكس إلى أصول احتياطية مؤثرة يمكنها الضغط على الدولار الأمريكي واليورو في خدمة العلاقات الاقتصادية العالمية وإنشاء مراكز مالية دولية كبيرة فيها يمكنها التنافس على قدم المساواة مع لندن أو نيويورك.

TRT عربي