خواطر الإمام الشعراوي| لباس التقوى


يواصل الشيخ الشعراوى خواطره حول الآية 197 من سورة البقرة بقوله: إذن فقوله: (فَإِنَّ خَيْرَ الزاد التقوى) يشمل زاد الدنيا والآخرة. والله سبحانه وتعالى يذكرنا بالأمور المُحَسّة وينقلنا منها إلى الأمور المعنوية، ولكن إذا نظرت بعمق وصدق وحق، وجدت الأمور المعنوية أقوى من الأمور الحسية. ولذلك نلاحظ فى قوله سبحانه وتعالى: (يا بنى ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَاعَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِى سَوْءَاتِكُمْ) «الأعراف: 26».

هذا أمر حسي. ويفيدنا ويزيدنا سبحانه (ريشاً) إنه سبحانه لا يوارى السوءة فقط، وإنما زاد الأمر إلى الكماليات التى يتزين بها، وهذه الكماليات هى الريش، أى ما يتزين به الإنسان، ثم قال الحق: (وَلِبَاسُ التقوى ذلك خَيْرٌ) «الأعراف: 26».


أى أنعمت عليكم باللباس والريش، ولكن هناك ما هو خير منهما وهو (لِبَاسُ التقوى). فإن كنت تعتقد فى اللباس الحسى أنه سَترَ عورتك ووقاك حراً وبرداً وتزينت بالريش منه فافهم أن هذا أمر حسي، ولكن الأمر الأفضل هو لباس التقوى، لماذا؟ لأن مفضوح الآخرة شر من مفضوح الدنيا.

إذن فقوله: (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزاد التقوى واتقون يا أولى الألباب). يعنى أن الحق يريد منك أن تتزود للرحلة زاداً يمنعك عن السؤال والاستشراف أو النهب أو الغصب، واحذر أن يدخل فيه شيء مما حرم الله، ولكن تزودك فى دائرة: (واتقون يا أولى الألباب) أى يا أصحاب العقول.

ولا ينبه الله الناس إلى ما فيهم من عقل إلا وهو يريد منهم أن يُحَكِّمُوا عقولهم فى القضية، لأنه جل شأنه يريد منك أن تُحَكِّمَ عقلك، فإن حَكَّمْتَ عقلك فى القضية فسيكون حُكْمُ العقل فى صف أمر الله.


ولما كان الله سبحانه بسعة لطفه ورحمته يريد فى هذه الشعيرة المقدسة والرحلة المباركة أن يتعاون الناس، أذِنَ لجماعة من الحجاج أن تقوم على خدمة الآخرين تيسيراً لهم. ومن العجيب أن الذين يقومون بخدمة الحجاج يُرخصُ الله لهم فى الحج أن ينفروا قبل غيرهم؟ لأن تلك مصلحة ضرورية. فهب أن الناس جميعاً امتنعوا عن خدمة بعضهم بعضاً فمن الذى يقوم بمصالح الناس؟ إذن لابد أن يذهب أناس وحظهم العمل لخدمة الحجاج.

والله سبحانه وتعالى بين ذلك ووضحه بقوله فى الآية  198من سورة البقرة: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَآ أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فاذكروا الله عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ).


(لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ) أى لا إثم عليكم ولا حرج (أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ) أى أن تتكسبوا فى الحج وهو نسك عبادي، والمكسب الذى يأتى فيه هو فضل من الله. وقديماً كانوا يقولون: فيه (حاج)، وفيه (داجّ)، واحدة بالحاء وواحدة بالدال، (فالداجّ) هو الذى يذهب إلى الأراضى المقدسة للتجارة فقط، ونقول له: لا مانع أن تذهب لتحج وتتاجر؛ لأنك ستيسر أمراً؛ لأننا إن منعناه فمن الذى يقوم بأمر الحجيج؟


ولماذا قال الحق: (تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ) ولم يقل رزقاً؟. لقد أوضح الحق فى الآية التى قبلها: ألاّ تذهبوا إلاّ ومعكم زادكم. إذن أنت لا تريد زاداً بعملك هذا، أى لا تذهب إلى الحج لتأكل من التجارة، إنما تذهب ومعك زادك وما تأتى به هو زائد عن حاجتك ويكون فضلاً من الله سبحانه وتعالى.

وهو جل شأنه يريد منك ألاّ يكون فى عملك المباح حرجٌ؛ فنفى الجناح عنه؛ فأنت قد جئت ومعك الأكل والشرب ويكفيك أن تأخذ الربح المعقول، فلا يكون فيه شائبة ظلم كالاستغلال لحاجة الحجيج، لذلك أسماه (فضلاً) يعنى أمراً زائداً عن الحاجة.


ثم يقول الحق بعد ذلك: (فَإِذَآ أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فاذكروا الله عِندَ المشعر الحرام). وأنت حين تملأ كأسا عن آخرها فهى تفيض بالزائد على جوانبها، إذن فالفائض معناه شيء افترق عن الموجود للزيادة.


قوله: (فَإِذَآ أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ) تدل على أن الله قد حكم بأن عرفات ستمتلئ امتلاء، وكل من يخرج منها كأنه فائض عن العدد المحدد لها. وهذا حكم من الله فى الحج. وأنت إذا ما شهدت المشهد كتبه الله للمسلمين جميعاً. إن شاء الله سترى هذه المسألة، فكأن إناءً قد امتلأ، وذلك يفيض منه. ولا تدرى من أين يأتى الحجيج ولا إلى أين يذهبون. ومن ينظر من يطوفون بالبيت يظن أنهم كتل بشرية.

اقرأ ايضا

التضامن: تفويج 2355 من حج الجمعيات الأهلية إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة

تاريخ الخبر: 2022-06-30 18:18:02
المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 48%
الأهمية: 66%

آخر الأخبار حول العالم

بانجول.. افتتاح سفارة المملكة المغربية في غامبيا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 00:26:34
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 63%

بانجول.. افتتاح سفارة المملكة المغربية في غامبيا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 00:26:27
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 58%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية