30 يونيو, وواقع الأقباط (١)
30 يونيو, وواقع الأقباط (١)
من الإنصاف أن نؤكد أن السنوات الأربع الأخيرة شهدت استقرارا أمنيا, مقارنة بما سبقها من سنوات اضطراب شديد, بسبب إزاحة جماعة الإخوان عن حكم مصر وما أعقب ذلك من أعمال انتقامية وفتح الباب علي مصراعيه لاتفاقات واسعة بين الجماعة ومختلف الجماعات الإرهابية لتنفيذ عمليات تخريبية إرهابية ضد الجيش والشرطة والأقباط تحديدا, منها تفجير الكنائس. ولا يوجد اختلاف علي أن الواقع الأمني للأقباط جزء من الواقع المصري, لذلك فهو الآن أفضل عن ذي قبل, حتي أن الأمن رفع الحراسات المشددة علي الكنائس, لكن هل الواقع الأمني المستقر يكفي؟.
قطعا الإجابة بالنفي, فالاستقرار الأمني هو الحصيرة التي تمهد الأرض وتسمح للمناخ العام بالطمأنينة المشجعة علي العمل علي مستويات أخري, لذلك فالاستقرار الأمي وحده لم يعد كافيا لاعتباره تغييرا في واقع أحوال الأقباط, فالعمل علي صعيد تنوير العقول التي أفسدتها الأفكار الظلامية عمدا صار ضرورة, هذا العمل لن يتأتي بالحديث عنه في القاعات المكيفة, ولا عبر ندوات من يسمون أنفسهم بنشطاء الأقباط, والتي ينشقون فيها علي بعضهم البعض, مع أول خلاف, ولكن لابد من سلسلة إجراءات سنتحدث عنها في حلقات لاحقة, تتضمن التعليم والخطاب الديني وغيرها حتي لا نري الحوادث المتفرقة هنا وهناك والتي يتم تصنيفها علي أنها حوادث فردية, لكنها تعكس استمرار واقع مأزوم فيما يتعلق بحقوق المواطنة, وهذا بيت القصيد.
أحدث واقعة كانت الأسبوع الماضي, حينما هاجم بعض المتشددين كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل بقرية الحلة في إسنا بصعيد مصر, وقذفوها بالطوب, بعد إعلان حصول الكنيسة علي قرار لجنة تقنين الكنائس, وبالرغم من سيطرة الأجهزة الأمنية ووضع حراسات مجددا علي الكنيسة بسبب الشغب الذي وقع في محيطها, لكن التشدد والرفض ليس لديهما خريطة يمكن التنبؤ بها, وهو ما يؤكد أن الاستقرار الأمني لا يكفي لأنه لاحق وليس سابقا علي ما يدور في العقول من أفكار رفض الآخر الديني, وما يختلج في النفوس من إقصاء ونفي حتي لو كان باستخدام العنف.
وبالرغم من أن القمص متاؤس رخاوي وكيل مطرانية إسنا أعلن أن الأحداث لم تسفر عن أية خسائر بشرية, إلا أن هذا أيضا لا ينفي الخسارة وإثارة الذعر والمخاوف والشعور بالنفي في بوتقة الذمية والأقلية. وللأسف هذا الفكر منتشر في قطاع واسع من المجتمع, فمصر ليست قلب القاهرة الساحرة بمثقفيها وكتابها. والإسكندرية الحرة التي تحاكي أوروبا في جزء من مجتمعها, فقط, وإنما أماكن عديدة, أحياء وأزقة, قري ونجوع, فهناك مناطق كاملة أهلها أسري للفكر المتشدد, بسبب زوايا المساجد غير التابعة للأوقاف التي تبث فوق منابرها خطبا, أقل ما توصف به أنها تكفر الآخر الديني وتحرض علي كراهيته ومقاطعته. وإلا فكيف خرج أولئك المتشددون ليقذفوا كنيسة بالطوب ونحن نبني الجمهورية الجديدة.
لذلك نحتاج جنبا إلي جنب مع السيطرة الأمنية إلي إعادة إحياء المسألة التنويرية, التي تتطلب ضبطا للخطاب الديني, وتفعيل تجريم عمل الوعاظ من غير المعتمدين من هيئة الأوقاف, خاصة المقدم ضدهم شكاوي متعددة, وذلك بسبب خطابهم التحريضي علي السوشيال ميديا مواقع التواصل الاجتماعي, وإثارتهم للغط وللحديث بقية الأسبوع القادم.