تركة بوريس أثقل منه


تركة بوريس أثقل منه

مهند الحاج علي

خلال ساعات، انقلبت الطاولة بأكملها على رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون. كبار الوزراء المقربين منه استقالوا، ولحق بهم آخرون في حزب “المحافظين” ما جعل بقاءه على كرسي رئاسة الحكومة شبه انتحار بما أن الكتلة الأكبر مالت ضده.

يأتي انتهاء ولاية بوريس في لحظة مفصلية بالسياسة البريطانية، بعدما نجح وثلة من زملائه في حزب “المحافظين” في انتزاع استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من رئيس الوزراء السابق ديفيد كامرون، ومن ثم الترويج له وإقناع غالبية بسيطة بالتصويت لمصلحته بناء على حملة كانت مملوءة بالتزوير والأكاذيب عن الهجرة وتكاليف البقاء بالاتحاد.

سلسلة الفضائح تتراوح بين الخيانات الزوجية، وتنظيم حفلات شرب خلال عمليات الإقفال أثناء الجائحة، وبين التستر على حليف سياسي متهم بالتحرش برجلين. فقد نواب ووزراء وفئة واسعة من الناس الثقة في جونسون وقدرته على إدارة البلاد بنزاهة وجدية.

صحيح أن بوريس غير جدي غالباً وكان يكذب ويتجنب الأسئلة الصعبة، لكن الرجل كان قادراً على التعامل مع تناقضات الحزب الحاكم وتوحيدها. بيد أن الحزب الحاكم اليوم يضم عدداً من النواب في شمال بريطانيا، المعقل السابق لحزب “العمال” المعارض، وهؤلاء يميلون لمصلحة تدخل الدولة في الاقتصاد عبر الانفاق، في مقابل الشطر التقليدي الرافض لذلك وهو الأكبر (شمال البلاد هو الصناعي تقليدياً، والأقل تنمية مقارنة بالجنوب). استمالة هذه المناطق “العمالية” الهوى أمنت الفوز لحزب المحافظين بالمرة الأخيرة بغالبية بفارق 86 نائباً.

وسيكون لغياب جونسون أثر كذلك في وحدة الحزب وقدرته على تشكيل حكومة طويلة الأمد تُؤمن بعض الاستقرار السياسي. وهذا الاستقرار ضروري لمعالجة بعض المشكلات المستدامة في البلاد، أولها الوضع الاقتصادي إذ تعاني بريطانيا من أعلى نسبة تضخم في مجموعة السبع، وفقاً لمجلة “ذي ايكونومست”، وكذلك من جمود اقتصادي بنمو منخفض لحوالي عقد ونصف العقد. بحسب المصدر ذاته، بريطانيا ستُسجل أقل نسبة نمو اقتصادي بين كل أعضاء مجموعة هذه الدول، عام 2023. الوضع الاقتصادي لا يُحسد عليه، وهو وراء عمليات الاضراب المختلفة للنقابات في قطاعات تشمل المحامين والأطباء والمصانع والنقل (عمال القطارات).

والتحديات أمام بريطانيا لا تنتهي، وقد عددت بعضها “ذي ايكونومست”، ومنها ارتفاع معدل الأعمار لدى البريطانيين، إذ ازدادت نسبة المتقاعدين بين السكان من 16% عام 1987 الى 19% اليوم، ويُتوقع أن ترتفع الى 25٪ عام 2035. وهذا الارتفاع ينعكس على الأعباء المفروضة على الدولة من رواتب تقاعدية لأعداد أكبر من الناس، الى تكاليف طبية من الضروري تسديدها.

وعلينا أن نُضيف الى كل هذه الأعباء، الآثار المستمرة للخروج من الاتحاد الأوروبي، وتحديداً اليمين البريطاني الرافض للهجرة، والمطالب بقيود إضافية (مثلاً، عمليات ترحيل بعض المهاجرين الى رواندا كانت تلبية لرغبات هؤلاء).

هو يرحل من مقر رئاسة الوزراء في “عشرة داوننغ ستريت”، تاركاً خلفه تركة ثقيلة، تبدأ بالاقتصاد وتنتهي بالسياسة مع خلافات “المحافظين” والرغبة المتصاعدة في ايرلندا الشمالية واسكتلندة في الانفصال، مروراً بضعف في القدرات العسكرية أكان في العتاد أو العديد نتيجة خفض موازنات الجيش.

كان جونسون بالتأكيد ضيفاً ثقيلاً على رأس هرم السياسة البريطانية، لكن تركته دون شك أكثر ثقلاً على من يحل مكانه في رئاسة الحكومة.

تاريخ الخبر: 2022-07-09 06:22:07
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 52%
الأهمية: 55%

آخر الأخبار حول العالم

العالم يسجل ارتفاعا غير مسبوق في درجات الحرارة خلال أبريل

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-09 00:24:57
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 52%

أخنوش..الحكومة استطاعت تنفيذ جل التزاماتها قبل منتصف الولاية

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-09 00:24:54
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 56%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية