فى رحيل بناءّ حكيم


بعد حياة رائعة مليئة بجليل الأعمال رحل عن عالمنا عن عمر يناهز 91 عاماً المبارك بالحقيقة د. نصحى عبد الشهيد بطرس (28 سبتمبر 1931 – 8 يوليو2022)، مؤسس مركز الدراسات الآبائية المتخصصة بالقاهرة، والذي ترجم العديد من الكنوز الآبائية غير المراجعات والدراسات والمقالات. لم يكتف بنفسه بل أسس المركز وأرسل العديد من الباحثين في بعثات لاستكمال تعليمهم اللاهوتي في اليونان والمانيا وانجلترا، فأثرى بهم المركز الذي أثرى الكنيسة القبطية بل واثرى كل من يقرأ اللغة العربية في العالم.

فكل من عَلّم في الكلية الاكليريكية في قسم الآباء هم من تلاميذ دكتور نصحي عبد الشهيد، وجميع الذين تتلمذوا على يد هؤلاء الأساتذة أفاضل هم تلاميذ هذا العملاق.

تميز د. نصحى عبد الشهيد – كما لمست هذا فيه وعن قرب – أنه لم يعطى أذناً للذين هاجموه، ولم يفرح بكلام المادحين، إذ كانت له رسالة واضحة وهدف لا يحيد عنه. أبتعد تماماً عن الأضواء حتى لا ينشغل عن الرسالة والهدف.

نشأ د. نصحى فى صعيد مصر، وفي القاهرة التحق بكلية الطب وكان رفيقه فى الدفعة د. اميل (الذي صار فيما بعد الأنبا موسى أسقف الشباب). بدأ خدمته بكنيسة السيدة العذراء بالفجالة – القاهرة، تلك الكنيسة التى ضمت مجموعة من الخدام الحقيقيين والمحبين للكنيسة منهم د.جورج حبيب بباوى، والمكرسة د. نادية أمين مرقس، كما خدم معهم الأب روفائيل صبحى ميخائيل (شقيق الأنبا مرقس مطران أفريقيا).

أتذكر أنهم كانوا مجموعة من الشباب الذين تكرسوا بحق لخدمة الكنيسة، وأقاموا في بيت المكرسين بمنطقة حلوان (هذا المنزل كان خاص بالأستاذ نجيب اسكندر يوسف الشقيق الأكبر للأب متى المسكين، وبعد أن هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية مع أنجاله، ترك المنزل لإقامة المكرسين) فكانوا يحيون حياة الشركة الحقيقية والمحبة الصادقة للكنيسة. حدث بعد فترة أن ذهب مجموعة من هؤلاء المكرسين للرهبنة بدير أنبا مقار بوادى النطرون، فأعلن أحدهم أنه بهذا قد أنتهى عصر المكرسين فى الكنيسة!! لكن د. نصحى لم يلتفت لهذا الكلام ولم يتأثر به بل استمر فى رسالته، وقام بتأسيس بيت للمكرسين فى وسط القاهرة فى شارع الخندق والذى ضم عدداً من المكرسين من بينهم المبارك الأستاذ عزت فؤاد.

كان الشغل الشاغل للدكتور نصحى هو كيفية تقديم كتابات الآباء الأولين – والمكتوبة بلغات مختلفة – لشعب الكنيسة القبطية لأن هذه الكتابات هى المصدر الأمين للتعليم الصحيح بالكنيسة، فتعاون مع الأستاذ صموئيل كامل عبد السيد المتخصص فى اللغة اليونانية وتم ترتيب حصص خاصة للراغبين فى دراسة أقوال وكتابات الآباء باللغة اليونانية. وبعد أن أتقن هؤلاء الشباب اللغة اليونانية تمكن د. نصحى من الحصول على بعض المنح للدراسة باليونان، فدرسوا أولاً لدرجة البكالوريوس فى العلوم اللاهوتية بجامعات اليونان المختلفة وبالأخص جامعة تسالونيكى. وبعد ذلك استكملوا دراستهم لدرجة الدكتوراه بجامعات المانيا وانجلترا.

بعد أن حقق هؤلاء الطلبة المباركين هدفهم فى الدراسة عادوا إلى أرض الوطن ملتفين حول معلمهم المبارك، ومن هنا بدأت النهضة الآبائية فى الكنيسة من ترجمات لمحاضرات. فقاموا بالعديد من ترجمات كتابات آباء الكنيسة الأولين، وكانت هذه الكتابات يتم نشرها عن طريق مؤسسة الأنبا أنطونيوس للدراسات الآبائية بالإضافة إلى نشرة شهرية تصدر عن المركز تضم العديد من أقوال آباء الكنيسة الأولين في شرح إصحاحات الكتاب المقدس.

لم يعط د.نصحى راحة لنفسه وهو فى سن متقدم، والصورة المرفقة للدكتور نصحي في عامه التسعين وهو يعمل في مكتبه بلا كلل وعندما كان يشعر بالتعب يرتاح قليلاً على مكتبه ليقوم ويستكمل عمله.

كان نموذجاً رائعاً للإنسان صاحب الرسالة النبيلة والفكر الكنسي النقي البعيد تماماً عن المظاهر الخادعة وحُب الظهور والافتخار بالذات، بل كان دائماً ينكر نفسه لئلا تتعطل رسالته.

وفى يوم السبت 9 يوليو 2022 أقيمت الصلوات الجنائزية بكنيسة السيدة العذراء بالفجالة، تلك الكنيسة التي شهدت الأيام الأولى لخدمته كما كان مواظباً على الصلاة بها.

رحل د. نصحى عبد الشهيد كجبار بأس مقدماً صورة رائعة للخدمة الأمينة والمثمرة. نيح الرب نفسه وعوضه عن كل تعبه المبارك، فقد كان بناءّ حكيماً بالحقيقة.


الأخت الفاضة المهندسة/ سامية أنطون سيدهم
تحياتى ومحبتى من مدينة لارناكا القبرصية.
بالأمس ودعت الكنيسة – فى أحتفال مهيب – الراحل د. نصحى عبد الشهيد بطرس الذى أحب الكنيسة بكل اخلاص، مقدماً صورة رائعة للخادم الأمين والمكرس الحقيقى.
مرفق كلمة عنه مع بعض الصور. أرجو أن تكون مناسبة للنشر.
مع تحياتى ومحبتى.
مينا بديع عبد الملك

تاريخ الخبر: 2022-07-10 12:21:28
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 55%
الأهمية: 62%

آخر الأخبار حول العالم

هل يمتلك الكابرانات شجاعة مقاطعة كأس إفريقيا 2025؟

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-29 00:25:42
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 69%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية