العنف والجنس في أفلام العصر؟!
العنف والجنس في أفلام العصر؟!
* من الظواهر الحديثة التي بدت أخيرا في الولايات المتحدة الأمريكية, والتي تعد عجيبة بالنسبة لتلك البلاد قيام مظاهرات مكونة من 28 ألفا من الشباب في ميامي احتجاجا علي عرض فيلم أنا فضولي السويدي, والذي يعالج مسائل الجنس بصراحة, ورفعوا لافتات كتب عليها فلتسقط الأفلام البذيئة وأعقب ذلك حدث مذهل ـ بالنسبة لتلك البلاد ايضا ـ فقد هاجم البوليس مسرحا في نيويورك, وأعتقل كل ممثلي الفرقة بتهمة عرضهم لمشاهد بذيئة ضمن مسرحية جديدة, وقامت منظمة تدعو إلي الالتزام بالأخلاق في وسائل الإعلام, بتنظيم مسيرة للاحتجاج.
واعتبر الحادثان امتحانا للأبعاد التي يسمح بها المجتمع.
وإلي أي حدود يجب علاج المشاكل الجنسية؟.
* والواقع أن هذه المشكلة التي تقلق الرأي العام العالمي الآن, وتقض مضاجع الآباء, والمربين, ليست جديدة, بل إنها سببت نفس القلق منذ أكثر من 2500 عام, ففي سنة 407 ق.م, وضع الشاعرالمسرحي الإغريقي يوربيدس مسرحية باخائي عن اتباع الإله ديونيزوس, إله الخصوبة, والحياة النابتية التي تتجدد كل عام, وخصوصا الكرم وعصيره, وكان له عيدان, عيد في الشتاء يكثر فيه الفرح والمجون, وشرب الخمر. ومن هذا العيد نشأت الكوميديا, وعيد في الربيع, في الوقت الذي تكون فيه أوراق الكرم قد جفت, وتوشك أن تترعرع وتدب فيها الحياة مرة أخري, ومن حفلات هذا العيد نشأت التراجيديا.
* ويقول النقاد المعاصرون إن حلقات الهيبي التي تقام في الغرب اليوم ما هي إلا بعث لأعياد ديونيزوس التي كانت تقام في ساحة معبد هذا الإله, ويكثر فيها الفرح والمجون.
وكانت مسرحية يوريبديس عرضا جنسيا سافرا أشرك فيه ملك طيبة, وكانت صراعا بين الفوضي, والإباحية, والإسراف في الشرب, وبين النظام, والتقاليد.. وعندما تعرض الملك بنثيوس لإله الخمر باخوس, وأهانه, ثارت عليه نساء طيبة, وأتباع باخوس, فقتلنه ومزقن جسده إربا.. قتلن ملكهن دفاعا عن الإباحية, وبينهن أمه التي رفعت رأس أبنها علي عامود.. وبذلك عرض يوريبيديس العنف الدفين الذي ظهر وسط المجون وأدي الي إراقه الدماء.
السادية في هذا العصر
وقد غزت السادية عالم الكتب والأفلام والمسرح, وكان أول من فكر في اشتقاق كلمة السادية من اسم الماركيز دي ساد هو العالم الألماني دكتور كرافت أيبنج, مثلما اشتقت الميكيافيلية من اسم ميكيافيلي وظلت عنوانا علي كل سياسة منافقة, مخاتلة.
والسادية كما عرفها أيبنج ـ وكما وردت في مؤلفات ساد, هي الشعور بالسعادة عند إذلال الغير, وإيقاع العقاب بقسوة علي شخص آخر, حتي ولو كان حيوانا, كما أصبحت الماسوشية تعريفا لحب الإنسان. أن يكون هو موضع التعذيب.
* والواقع أن حب تعذيب الغير, هو جزء من غرائز الانسان, يظهر دائما, وبصفة مألوفة قبل سن الخامسة, فالدوافع الجنسية توجد عند الطفل قبل ولادته, إذ تخرج معه إلي الدنيا, فيعيش في مرحلتها الأولي التي تظهر عليه في صورة أولية من السادية, أي التلذذ بإيذاء الغير, فإذا ما كبر الطفل وأصبح رجلا, ظلت هذه الرواسب تعتمل في نفسه, وعلي المستوي العالمي فأنها تعتمل في نفوس الجماعات, فلا غرابة إذا اكتشفنا السادية في مجتمع السبعينيات, كما كانت في عهد نيرون ـ وعلي سبيل المثال عمليات القتل بالجملة والتعذيب في فيتنام, وفي أبجولا البرتغالية.
* ومنذ أعوام طويلة ألقي البعض مسئولية السادية علي قسوة الادباء, أو المربيات, والمدرسين, علي صغار التلاميذ.. ولكن اليوم.. وقد حرمت العقوبات المدنية في أغلب مدارس العالم, وبعد أن أصبح أكثر لينا مع أطفالهم, وأكثر فهما لنفسياتهم. فلماذا العنف, ولماذا التلذذ بتعذيب الغير؟
والجواب: أن الآباء يشجعون أبناءهم علي العراك مع زملائهم, لكي ينموا فيهم روح الرجولة, والفتوة ـ وليست الشهامة والمروءة! ـ وهذا العراك هو الطريق لبلورة السادية عندما يكبر الطفل.
* وإذا كان العنف موجودا في كل زمان, إلا أنه غير أسلوبه, ونطاقه, فتحول إلي مرحلة عالمية, فبالرغم من تقدم المجتمع, وضمان الأمن: والرفاهية, إلا أن أحدا لا يستطيع تجاهل التهديد الذري القائم علي رؤوسنا, والحقد الذي يترصدنا, والبؤس المتزايد..
وحروب الاستعمار الجديد, مع مايواكبها من تعذيب وتشويه.
إننا نعيش في عالم آخر, ليس به تلك القصور التي تصورها ساد, والتي كانت يرن في أقبيتها صريخ المعذبين والمجلودين, وأصبح جلادونا الذين يهددوننا بالعذاب, غير مرئيين لنا.. فهم كامنون في تلوث الجو بالغبار.. وفي الضجة التي تتلف أعصابنا, وفي سائق السيارة الذي يصمم علي أن تدوس عجلاته أجسادنا إذا لم نفسح له الطريق… وهكذا.. أصبحت لغة العصر تحمل اصطلاحات التعذيب, وفتحت ظروف هذه الحياة شهية الناس علي السادية حتي في الموضة المرأة بحذائها الجلدي الطويل ـ البوت ـ وحزامها المعدني العريض.. إنما تمثل مظهرا من العنف..
لم يصبح الأمر مجرد إباحية جنسية كما حدث في بعض العصور, ولكنها إباحة العنف الذي أنفجر في داخل القطاعات المختلفة للمجتمع, وأصبح تعويضا عن القلق النفسي, وقلق مرتبط بشكل الحياة التي يعيشها إنسان العصر, فهو يخشي في كل ساعة أن يستغني عن خدماته ليحل محله شاب أصغر منه, أو لتحل محله آلة حاسبة, أو عقل إلكتروني.. والقلق.. مهما كانت أسبابه, يجد متنفسا في العنف وفي الجريمة.
والمحرم موجود الي جانبك.. في الأتوبيس, وفي المقهي, في كل مكان, وقد ينفجر فيك في أي لحظة, يصل فيها قلقه النفسي إلي القمة.
فليست المؤلفات, والأفلام مسئولة وحدها عن انتشار الجرائم طالما أن العنف موجود فعلا في عقولنا. متأصل في أخلاقنا وطالا أن مبرراته, مازالت قائمة, من ظلم أجتماعي, وفساد أخلاقي, وتخاصم بين المجتمع, ومادامت الحروب منتشرة في أنحاء العالم.. فالكتب, والقصص, والإفلام أن هي إلا مرآة لحضارتنا, وانعكاس لحياتنا.. وهؤلاء الممثلون إنما يقتلون من أجلك, وقد يقتلونك أيضا بتفجير شحنة القلق الكامنة في نفسك فحذار!.