ماجى
ماجى
ضحكت من قلبى كثيرًا حين طرأت تلك الفكرة الغريبة على ذهنى، أظن أن للأمر علاقة بإلحاح أمى علىّ بالزواج، تصف أمى رفضى كل تلك الجميلات ذوات الحسب والنسب بـ«البَطَر»، وللحقيقة لم أكن أعلم سببًا لهذا الرفض.
طردت الفكرة العجيبة التى داهمتنى، لكنها ما لبثت أن عاودتنى بقوة حين حدثتنى أمى من جديد فى أمر زواجى وعرضت علىّ مجموعة جديدة من الصور لفاتنات قالت إنهن من ذوى الحسب والنسب، وإن أقل واحدة منهن تمتلك عمارة ورصيدًا فى البنك. عندها ضحكت كثيرًا فغضبت أمى وانقلب وجهها كمن تقول: «أُجْهد نفسى من أجلك وأنت لا تبالى». كانت تريد أن ترى حفيدًا لها قبل الموت كما كانت تردد دائمًا. عندها وجدت نفسى أستحضر الفكرة العجيبة التى داهمتنى وأبشرها بموافقتى على الزواج، لكنى وضعت شرطًا إضافيًا، وقبل أن تسمع شرطى انفرجت شفتاها عن ابتسامة وهى تقول: «حقك».. اشرط كما تشاء.. المهم إنك وافقت..
وحين أخبرتها بشرطى شردتْ قليلًا كمن تبحث فيمن تعرف عن هذا الاسم قبل أن تعود إلى نفسها وتقول بصوت مرتفع:
وماله، ماجى ماجى، نجيب لك عروسة اسمها ماجى..
ثم انصرفت..
لا أعرف فى حياتى شخصية باسم «ماجى» سوى بطلة مسلسل عُرض منذ زمن ولا أتذكر منه سواها.. كانت جميلة ممشوقة القوام، شعرها كستنائى قصير، عيناها زرقاوان، ترتدى ملابس مبهجة، تتحدث بثقة وبكبرياء، تسير واثقة الخطى مرفوعة الرأس، تحاور وتجادل.. لا أظن أن أمى ستجد «ماجى» إلا إذا تواصلت مع تلك الشخصية بنفسها، ضحكت فى نفسى وأنا أهمس:
حتى تلك، لن يكون بإمكانى الزواج منها، مؤكد أنها قد تزوجت وأنجبت وترك الزمن أثره عليها.
ثم قلت:
المهم أن الكرة الآن باتت فى ملعب أمى، وأنها لن تحدثنى بعد الآن فى أمر زواجى.
لكن المفاجأة التى ألجمتنى حين فاجأتنى أمى بعدها بأيام قليلة ومعها عدد من صور لبنات جميلات قالت: «كلهن ماجى». عندها لم يكن أمامى غير الإذعان، اخترت واحدة منهن وقلت: «هذه نصيبى»، رأيت الفرحة فى وجه أمى، همست لنفسى: «إن لم يكن للأمر من حسنات غير هذا لكفانى». أَفْسَحَت ابتسامتى طريقًا للخادمة لتطلق زغرودة بدت محشورة فى حلقها. وخشيةً من تراجعى عجلت أمى بزيارة العروس.. كانت العروس جميلة، من أسرة محافظة، أصولها قروية، سكنوا المدينة بعد أن سافر الأب إلى الخارج وكوّن ثروة لا بأس بها. كل شىء كان سريعًا، اتفقنا على موعد عقد القران، طبيعة الأسرة المحافظة وقلة ثقة أمى فىّ عَجَّلتا بالأمر. فى الموعد اكتظت الشقة بالمدعوين، جَلستُ فى مواجهة والدها أمام المأذون الذى بدأ بإجراءات عقد القران، لكن شيئًا غريبًا شد انتباهى، لقد ذكر خطأ اسم العروس. فاستوقفته قائلًا:
- اسمها «ماجى».
ضحك الأب وهو يخبرنى أن ماجى اسم الدلع لـ«مجيدة»، حينها انتفضت وانسحبت وسط دهشة الحضور، تبعتنى أمى وقد اكتسى وجهها غضبًا.
فى السيارة أخبرتها أن عليها ألا تغضب، فشرطى الذى كان واضحًا منذ البداية لم يتحقق فى تلك العروس، ثم قلت: «خيرها فى غيرها».. ساد صمت للحظات ثم وجدتها وأنا قد انفجرنا ضاحكين حتى دمعت عينانا.