جمال الرحمة
جمال الرحمة
ما أجمل أن يحس الإنسان بالغبطة والسرور عندما يشعر أنه جفف دموع أرملة وخفف لوعة يتيم ومد يد المعونة لفقير ومحروم.
إن الرحمة هي الركن الثاني من أركان العبادة بل هي أهم مظاهر المسيحية الحقيقية والتي أشار إليها يعقوب الرسول بقوله الديانة الطاهرة النقية المقبولة عدن الله الآب هي هذه افتقاد اليتامي والأرامل في ضيفتهم وحفظ الإنسان نفسه بلا دنس من العالم.
وقد قدم لنا السيد المسيح أمثلة رائعة في الرحمة فهذا مريض استعصي عليه الشفاء, فما تقدم إلي السيد المسيح إلا ومنحه الصحة والعافية. وذاك أعمي محروم من نعمة الضياء ما تقدم إلي السيد المسيح إلا ومنحه النور والضياء, وآخر أبرص محكوم عليه بأن لا يخالط الناس, فما تقدم إلي السيد المسيح إلا ومنحه نعمة الطهارة.
ولماذا ننسي تلك الأرملة التي مات زوجها فوضعت كل رجائها في ابنها ووحيدها حتي إذا كبر الابن وأصبح شابا يملأ عليها فراغ بيتها بل يملأ عليها فراغ قلبها إذا به يعود يوما يشكو علة جسمه. وجلست الأرملة المسكينة إلي جوار فراش ابنها المريض تقول في نفسها لست أظن أن السماء قاسية إلي هذا الحد. إنها تحرمني نعمة الزوح ثم تعود فتفجعني في ابني ووحيدي. وخاب أملها عندما زادت صفرة الموت تعلو وجه ابنها, بل عندما رأت ابنها ووحيدها يلفظ أنفاسه الأخيرة, وحمل الابن إلي مقره الأخير.
وهناك عند باب مدينة نايين التقت قوة الموت بجمال الرحمة وإذا بقوة الموت تصعق أمام جمال الرحمة. رآها يسوع فأقام ابنها من الموت وعادت الأرملة إلي بيتها تضم ابنها في صدرها بعد أن خرجت من البيت تحمل هما في قلبها.
وللرحمة مآثر ومحاسن فهي تجعل معاملاتنا مع بنك السماء فتمتلئ بيوتنا بالبركة تحقيقا للوعد الإلهي القائل هاتوا العشور وجربوني إن كنت لا أفتح لكم كوي السماء, وأفيض عليكم من بركاتي حتي تقولوا كفانا كفانا. كما أن الرحمة تفتح أمامنا الأبواب المغلقة وتمهد لنا السبيل التي نسير فيها لتحقيق أهدافنا. وفي هذا قال سليما الحكيم من يرحم الفقير يقرض الرب وعن معروفه يجازيه أما إذا أغلقت قلوبنا عن الرحمة فإن السماء تنذرنا بعدم الاستجابة لتضرعاتنا, كما أشار إلي ذلك سليمان الحكيم بقوله من يسد أذنيه عن صراخ المسكين فهو أيضا يصرخ ولا يستجاب.
وللرحمة مظاهرها التي يجب أن لا تغيب عن بالنا فالرحمة يجب أن تكون في الخفاء كما قال السيد المسيح وأما أنت فمتي صنعت صدقة فلا تعرفا شمالك ما تفعل يمينك لكي تكون صدقتك في الخفاء فأبوك الذي يري في الخفاء, هو يجازيك علانية كما لا يجب أن تقتصر الرحمة بالفقراء والمعوزين علي المواسم والأعياد, فالفقراء معنا في كل حين. ولا يجب أن نعطي الرحمة ونحن في ضيق بها بل يجب أن نعطي عن رضا وفرح حتي ننعم بقول بولس الرسول المعطي المسرور يحبه الرب كما أن الرحمة لا تنظر السماء إلي مقدارها بل إلي قيمتها, وكلما جدنا بمالنا الذي نشعر أنه يكاد يكفي حاجتنا كلما زادت بركة السماء. فإن السيد المسيح عندما جلس إلي جوار خزانة الهيكل ورأي الأغنياء يلقون قرابينهم في الخزانة لم يمتدح واحدا منهم بل امتدح أرملة مسكينة ألقت فلسين فقال إن هذه الأرملة ألقت أكثر من الجميع لأن هؤلاء من فضلتهم القوا أما هذه فمن أعواذها ألقت كل معيشتها.
وأختتم حديثي بتلك النصيحة التي يلقيها علينا بولس الرسول بقوله مكثرين في عمل الرب عالمين أن تعبكم ليس باطلا في الرب.