استقبل الرئيس عبدالفتاح السيسي، اليوم، الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، في زيارة رسمية إلى مصر تلبية لدعوة رسمية تلقاها من الرئيس السيسي، فيما تعد هذه الزيارة السابعة للرئيس الصومالي إلى الخارج منذ إعادة انتخابه رئيسًا للبلاد في منتصف مايو 2022.

وفي هذا الشأن أكد خبراء وسياسيون صوماليون، في تصريحات خاصة لـ"الدستور"، أن الزيارة تحمل دلالات مهمة للغاية، ويمكن لمصر أن تساعد الصومال في مجال إعادة بناء مؤسسات الدولة والمؤسسات التعليمية وتدريب الكوادر الفنية في كافة المجالات.

عبدالعزيز أحمد على: شراكة مهمة بين مصر والصومال فى القرن الإفريقى

وأوضح عبدالعزيز أحمد علي، الخبير الصومالي في الشئون السياسية والأمنية في القرن الإفريقي، أن زيارة الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، إلى القاهرة ولقاءه مع الرئيس عبدالفتاح السيسي تحمل أهمية كبرى لكلا البلدين الشقيقين، وتأتي في إطار الزيارات الخارجية التي يقوم بها رئيس الصومال بعد انتخابه رئيسًا للصومال في منتصف مايو 2022، إلى كلٍّ من دول الإمارات العربية المتحدة وتركيا وإريتريا وجيبوتي وكينيا وتنزانيا، والتي تهدف إلى تعزيز العلاقات مع الدول العربية والإفريقية والإسلامية وفي مقدمتها مصر.

وأوضح أن اللافت للنظر أن هذه الزيارة جاءت بعد أن كانت العلاقات بين القاهرة ومقديشو فاترة خلال السنوات الماضية بسبب سياسات الرئيس الصومالي السابق، محمد عبدالله فرماجو، المنحازة إلى موقف إثيوبيا بشأن أزمة سد النهضة، بالإضافة إلى تأييده التدخلات العسكرية الأجنبية في ليبيا وسوريا.

وأشار عبدالعزيز أحمد علي إلى أن الزعيمين ناقشا سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين والتعاون الاقتصادي والدبلوماسي ومحاربة الإرهاب، إلى جانب إعادة إحياء الدور المصري في التعليم فى الصومال، مع التركيز على تعزيز وتعميق العلاقات السياسية والتعاون في المجالات الأمنية، وزيادة الدعم الذي تقدمه مصر للصومال في كافة المجالات، لاسيما التعليم والمنح الدراسية وتدريب الكوادر الصومالية وزيادة التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي.

وشدد الخبير الصومالي على أنه يمكن لمصر أن تقدم الكثير للصومال، خاصة في مجالات تدريب الضباط والمساعدة في إعادة بناء الجيش الصومالي وبناء القدرات العسكرية، وتزويد الخبرة والتجارب في مجال مكافحة التنظيمات الإرهابية.

كما يمكن لمصر أن تساعد الصومال في مجال إعادة بناء مؤسسات الدولة والمؤسسات التعليمية وتدريب الكوادر. 

وفي مجال الصحة يمكن لها أن تساعد في مكافحة الأمراض والأوبئة، خاصة توفير اللقاحات ضد فيروس كورونا، ومن المحتمل أن تمتد الخدمات المصرية في الطيران والبنوك إلى الصومال في المرحلة القادمة، حسب الباحث في الشأن الإفريقي.

ونوه عبدالعزيز أحمد علي إلى أن هناك مجالات كثيرة للتعاون بين البلدين، أهمها مكافحة التنظيمات الإرهابية والقرصنة البحرية، والتعاون بشأن أمن البحر الأحمر كشريان مهم لطريق قناة السويس والعالم في ظل الموقع الاستراتيجي المهم للصومال على مضيق باب المندب والمدخل الجنوبي للبحر الأحمر، كما يمكنهما التعاون في تنسيق القضايا الإقليمية خاصة في قضايا القرن الإفريقي وتعزيز التشاور السياسي بشأنها، والتعاون التجاري والاقتصادي في ظل موافقة الجانب الصومالي على افتتاح فرع لبنك مصر في مقديشو، وفتح خط طيران مباشر للخطوط المصرية إلى الصومال، إذ إن افتتاح فرع لبنك مصر في الصومال سيؤدي إلى تعميق العلاقات الاقتصادية وتعزيز الاستثمارات المصرية في الصومال.

ونوه الباحث الصومالي إلى أن التحديات التي تواجه الصومال كثيرة ومتعددة، لكن أخطرها الأمن والتهديدات التي تشكلها التنظيمات الإرهابية، بالإضافة إلى الوضع الإنساني المتفاقم نتيجة أزمة الجفاف وانعدام الأمن الغذائي، كما تواجه الصومال نقصًا نسبيًا في مياه نهري جوبا وشبيلي، حيث إن إثيوبيا هي بلد المصب على غرار نهر النيل، مما يعيد الذاكرة إلى النزاع القائم الإقليمي بين إثيوبيا ومصر حول أزمة سد النهضة.

محمود محمد حسن: زيارة الرئيس الصومالى للقاهرة تكسر عزلة مقديشو

من جانبه، أكد محمود محمد حسن، مدير مركز هرجيسا للدراسات والبحوث، أن زيارة الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، إلى القاهرة مؤشر على تغيّر في أوليات السياسة الصومالية، أو لنقل استعادتها اتجاهها الطبيعي الذي دأبت عليه منذ ما قبل الاستقلال، والساعي لتوسيع دائرة وعمق العلاقات الصومالية العربية، وحين نطرح فكرة أنّ هنالك تغييرًا، فيجب علينا أن نؤشّر إلى وجود ظروف ومتغيّرات دفعت الإدارة الصومالية السابقة لأخذ مناحٍ بعينها، إبّان إدارة الرئيس السابق محمد عبدالله فرماجو، وقد كان على رأسها محاولة الصومال كسر حالة العزلة والعدائية مع دول الجوار، مع ترافقها بأحداث متسارعة على المستويين الإقليمي والعربي، وأعني بذلك تطوّرات سدّ النهضة في ظلّ التغيير السياسي الذي حدث في مصر، إضافة إلى الأزمة الخليجية التي حجّمت بصورة أو بأخرى التعامل الرسمي ببين الصومال وعدد من الدول العربية المهمة.

وأوضح محمود محمد حسن أنّ الصومال وإنْ استفادت خلال الإدارة السابقة من إذابة الجليد في محيطها الإقليمي، فإنّها اكتسبت قدرة أكبر في التأثير على توازنات العمل السياسي والدبلوماسي في إقليمها "القرن الإفريقي"، وأصبح لديها من الأوراق ما يتيح لها استعادة وضعها الطبيعي ضمن المنظومة العربية، في ذات الوقت الذي تعمل فيه على الانضمام لمنظومة شرق إفريقيا، لذا يمكن القول إنّ زيارة الرئيس حسن شيخ محمود خطوة أخرى موفّقة، لإذابة الجليد المؤقّت الذي فرضته ظروف خارجية على علاقة الصومال بعدد من الدول العربية، كما أن مصر مفتاح أساسي في استعادة الصومال موقعها كعمق استراتيجي عربي في القرن الإفريقي وشرق إفريقيا وخليج عدن والمحيط الهندي.

وقال الباحث الصومالي إنه مع إعلان الحكومة الصومالية عن منح البنك المركزي الصومالي رخصة عمل لـ«بنك مصر»، فإنّ الصوماليين جديّون في اتجاههم لتعميق العلاقات الصومالية المصرية، إلّا أنّ هنالك من يشكّكُ في استجابة الإدارة المصرية بذات الزخم، ويثير أولئك المشكّكون إلى حقيقة أنّه رغم دورية زيارة الرؤساء الصوماليين لجمهورية مصر العربية، فإنّ ما يتوقّعه الصوماليون من أشقائهم في مصر إيجاد السبل لردّ تلك الزيارة بنظيرتها، أسوة بالزيارات التي قام ويقوم بها رؤساء دول آخرون، وذلك لسدّ أيّ ذريعة لتشكّك يمكن أن تكبح التوجّه الحكومي الصومالي المتجدّد، نحو علاقات أقوى مع القاهرة.

وأوضح مدير مركز هرجيسا للدراسات والبحوث أن هناك مستويات متعددة من التعاون يمكن أن تكون مفيدة للقاهرة ومقديشو، فأي علاقة يُرجى لها الاستمرار يجب أن تقوم على الاستفادة المتبادلة، لذا من الضروري وجود قرار سياسي مصري بفتح المجال لتعاون المؤسسات غير الحكومية والقطاع الخاص، فمن الأمور المؤسفة حقيقة عدم وجود خطّ نقل بحري مباشر مع الموانئ الصومالية، ما يزيد من كلفة نقل المنتجات المصرية إلى شبه الجزيرة الصومالية، وغياب الإنتاج الحيواني الصومالي عن السوق المصريّة، رغم جودة المنتج الصومالي من حيث تربيته في المراعي، والسلالات التي تحمل خواص صحية تميزها عن السلالات الأخرى، ناهيك عن عدم انتظام تجارة السلعة التاريخية التي تداولها الصوماليون والمصريون، وأعني بها "اللبان"، رغم حاجة دور العبادة والطقوس الدينية المصرية إليها إلى يومنا هذا.

وشدد مدير مركز هرجيسا للدراسات والبحوث على أن الحضور المصري المباشر في حلّ الخلافات السياسية الصومالية- الصومالية يمكن أنّ يفتح المجال واسعًا لدعم الاستقرار وإعادة بناء الدولة في بقاع الصومال، وقد يكون من المهم الانتباه إلى تذمّر السياسيين والباحثين من ذوى الثقافة العربية حول ما يعتبرونه تراجعًا مصريًا عن دور جدير بها في المنطقة، لنشر الاستقرار وحل بعض الأزمات التي طال أمدها، كملف المحادثات "الصومالية-الصوماليلاندية"، الذي عبّر الطرف الصوماليلاندي عن عدم ثقته ببعض الأطراف التي عرضت الرعاية لتلك المحادثات، لذا فهنالك فراغ محسوس تركته مصر في تلك الملفات، رغم العائد الأدبي والسياسي والاقتصادي الكبير الذي يمكن تحقيقه من خلال الدور الحميد الذي يتوقّعه الصوماليون من أشقائهم المصريين.

وكشف الباحث الصومالي عن أن الصومال سوق واعدة للمنتجات المصرية، وليس السلع والبضائع فقط، بل المجالات الإعلامية والثقافية، وكذلك فإنّ الصومال من خلال شبكة العلاقات التجارية التي تمكّنوا من تأسيسها على مدى ثلاثة عقود، يمكنهم أنّ يضعوا خبراتهم وقدراتهم في إيصال المنتجات المصرية إلى الدول الحبيسة في القارة الإفريقية وصولًا إلى إفريقيا الجنوبية.

وأضاف: "بالعودة لنقطة المنتجات الإعلامية والثقافية، فهنالك سوق صومالية كبيرة للمؤلفات والمنتجات الفكرية للمبدعين المصريين، لكنّ ذلك يقابله شوق صومالي لبروز قرار سياسي مصري واضح وفاعل تجاه تيسير وصول المنتجات في صورتها المادية، كالكتب والدراما، وافتقاد ذلك قد يكون سببًا في تراجع جهود حملة الثقافة العربية من الصوماليين، لإيصال المنتجات المصرية إلى المستهلك الصومالي المتعطّش، بشكل منتظم ومجدٍ اقتصاديًا".

كما أنّ فتح المنابر الإعلامية والصحف المصرية للكتّاب والإعلاميين الصوماليين، حسب مدير مركز هرجيسا للدراسات والبحوث، سيسهم إلى حدّ كبير في اعتماد وسائل الإعلام المصرية مصدرًا للخبر والمعلومة، ليس فقط حول  الصومال بل والقرن الإفريقي بمجمله، وسيسهم إلى حدّ كبير في تصحيح بعض المفاهيم التي تسربت إلى أذهان المجتمعات المصرية حول الصومال والصوماليين، نتيجة لتراجع التواصل الإعلامي والفكري والثقافي بين البلدين على مدى ثلاث عقود.

وأكد مدير مركز هرجيسا للدراسات والبحوث أنه قد تكون من أفضل السبل لتعزيز التعاون بين البلدين دعم مجال الدبلوماسية الشعبية، عبر تذليل عقبات التعاون بين المؤسسات البحثية والإعلامية الصومالية والمصرية من جهة، والجماعات والفعاليات الثقافية، وكذلك منظمات المجتمع المدني ذات الأجندات المتماثلة، لضمان حسن التواصل بين الشعبين الشقيقين، وتبادل الخبرات والأفكار وإيجاد الحلول للمشكلات التي تواجه الشعبين، ما يرفد الجانب الرسمي من العلاقة بموارد معرفية وإنسانية، دون تلك الجهود لا يمكن أن تتحقق.

ونوه الباحث الصومالي إلى أن الوضع الأمني الصعب الذي تعيشه بعض مناطق الصومال ما زال يمثّل حملًا ثقيلًا على الدولة الصومالية، ولا شكّ أن التطرّف والإرهاب يمثلان حجر الأساس للأزمة الأمنية التي تعيشها "مقديشو"، ومع استمرار الصراع الدامي المزعزع للاستقرار، فإنّ فشل القطاع الزراعي بل وتعرّض الفئات المنتجة من مزارعين ورعاة لتبعات مأساوية نتيجة لذلك، تبقى العبء الأكبر الذي يحمله الصوماليون، اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا وحتّى نفسيًا.

وأشار مدير مركز هرجيسا للدراسات والبحوث إلى أن الصوماليين مع أنّهم يبذلون جهود هائلة في إعادة إعمار بلادهم، بل وتحقيق نهضة عمرانية غير مسبوقة في كافة مناطق بلادهم، فإنّهم لا زالوا في حاجة ماسّة للشعور بالدعم المعنويّ أولًا والاستفادة من الخبرات المتراكمة لدى أشقائهم الأفضل حالًا، لتسريع استعادة بلادهم عافيتها، لتكون ظهيرًا لأشقائها فيما يسعون إليه من حفظ حقوق وصيانة مصالح. 

عبدالرحمن سهل يوسف: زيارة الرئيس الصومالى لمصر تفتح آفاق التعاون الشامل 

أما عبدالرحمن سهل يوسف، الباحث في القضايا الأمنية والاستراتيجية في منطقة القرن الإفريقي والمشرف العام على موقع قراءات صومالية، فأوضح أن زيارة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى القاهرة في الوقت الراهن تأتي في سياق تفعيل العلاقات الاستراتيجية المشتركة بين البلدين، وتأكيد دور مصر في القضايا الصومالية، ومنطقة القرن الإفريقي، وهي فتح آفاق التعاون الشامل بين البلدين الشقيقين، مشيرا إلى أن هذه الزيارة تندرج ضمن سلسلة الزيارات الخارجية التي بدأها الرئيس منذ انتخابه رئيسًا للصومال في 15 مايو 2022م.

وأشار عبدالرحمن سهل يوسف إلى أن ملفات الزيارة متعددة، ولكن أبرزها يدور حول تجديد العلاقات الثنائية بين البلدين، وإعادة اعتبار مصر في الصومال، وتقديرها وتصحيح المسار الخاطئ الذي سلكته القيادة الصومالية السابقة حيال مصر، إضافة إلى مناقشة الدور المصري القادم في الصومال المتمثل في دعم الصومال في القضايا التعليمية، والأمنية، والعسكرية، والاستراتيجية، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بتحقيق الاستقرار الأمني في الصومال وهو محاربة الإرهاب وتحرير المناطق الخاضعة لسيطرة حركة الشباب الإرهابية، مشيرًا إلى أن مصر تملك مخزونا من الخبرات المتراكمة في محاربة الإرهاب.

وأكد المحلل السياسي الصومالي أن الصومال لا يستغني عن مصر لمكانتها في العالمين العربي والإسلامي، وكذلك البعد الإفريقي والدولي لها، مشيرًا إلى أن الصومال في مرحلة البحث من جديد عن استقلاله وتأسيس مؤسسات وأجهزة الدولة، مؤكدا أن استعادة مصر دورها في الصومال يتطلب أن تقف مع مقديشو في الوقت الراهن كما وقفت مصر مع الصومال في مرحلة الاستقلال 1960م وهذا له ثمنه وتضحياته سابقًا وفي الوقت الراهن أيضًا.

وأوضح السياسي الصومالي أن أبرز التحديات الماثلة أمام تجديد وتفعيل وإحياء العلاقات الثنائية الاستراتيجية بين البلدين تتمثل في عدة نقاط، من بينها غياب استراتيجية مصرية للتعامل مع الملف الصومالي الثقيل محليًا وإقليميًا ودوليًا وانهيار الدولة الصومالية 1991م، وتداعياتها المستمرة على مؤسسات وأجهزة الدولة وضعت في مسار غير واضح في سياساتها الخارجية المتصلة بالعالم العربي، وهذا يتطلب ضرورة إحياء الدور العربي الاستراتيجي في الصومال عبر جمهورية مصر العربية وحلفائها في العالم العربي.

وأضاف: "من بين النقاط أيضا، تحدي الإرهاب في الصومال، وفي مصر كذلك، وهذا عامل مهم يدفع مصر إلى أن تعرض تجربة مختلفة عن تجربة الاتحاد الإفريقي في الصومال، فالقوات الإفريقية متواجدة في الصومال منذ 2007م، إلا أن القتال والمواجهة العسكرية المفتوحة مع الحركات المسلحة المتشددة مستمرة، الأمر الذي يعني أن الصومال يبحث عن شقيق صادق يخرج البلد من هذا المأزق.. وأعتقد أن أهم ملف بيد الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود هو هذا الملف".