منذ إعلان الحكومة الإسبانية دعمها مقترح الحكم الذاتي في الصحراء المغربية باعتباره “حلا سياسيا وحيدا” للنزاع، مضى النظام الجزائري نحو سياسة اتّسمت بـ”العدائية” ضد جيرانه الإقليميين، متخذا بذلك جُملة من القرارات المتسرعة، الشيء الذي جعلها محشورا في زاوية ضيقة، بحسب عدد من المتخصصين في العلاقات الدولية.
نيران الأزمة الدبلوماسية بين مدريد والجزائر “المشتعلة” منذ شهور، وصل صداها إلى الصفقات العسكرية المبرمة بين البلدين، حيث إن النظام العسكري الجزائري قد تخلى عن صفقة لشراء طائرات إسبانية خاصة بإطفاء الحرائق؛ وذلك كرد فعل منها إزّاء موقف مدريد من قضية الصحراء المغربية.
وفي هذا السياق، قال خالد الشيات، أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية في جامعة محمد الأول بوجدة، إن “التقارب المغربي الاسباني قائم على عوامل موضوعية، في تحولات العلاقات الدولية الراهنة، وعدم اعتمادها على عنصر واحد في تدبير العلاقات الثنائية مع الدول، وأولوية وأهمية الجوانب الجيوسياسية والإستراتيجية الأمنية على الجوانب الأخرى في هذه العلاقات المعاصرة”.
وأضاف الشيات، في حديثه لـ”الأيام 24″ بأنه “فضلا على ذلك، إن عامل الأمن الاستقرار والهجرة والتنمية الاقتصادية المستدامة والمتواترة مع المغرب أحسن من العلاقات التجارية قائمة على عنصر أساسي وهو الطاقة، خاصة الغاز، في علاقتها مع الجزائر”.
“إن اسبانيا تعتمد في علاقتها مع المغرب على عنصر الثقة في الدولة، وأعتقد أن ثقتها في المغرب أكثر من ثقتها في الجزائر، وثقتها في استمرار علاقة متميزة مع المغرب أكثر من ثقتها في دولة ليس لها مصداقية، تُغير مواقفها كما يغير رئيسها ملابسه كل صباح، بمعنى أنها ليست لديها أي ثقة في هذه العلاقة” يضيف أستاذ العلاقات الدولية، مُردفا “نعم من الممكن أن تتغير وتتبدل اعتبارات اسبانيا مع الجزائر، إلا أن العلاقة المغربية الاسبانية ستظل متميزة لاعتبارات كثيرة”.
إلى ذلك، أكد الشيات، على أن “العلاقات المغربية الاسبانية مبنية أساسا في ديناميتها الجديدة على عنصر محوري هو الأمن الاستراتيجي للبلدين معا، قائم على الهجرة، وضد الجماعات المسلحة وضد الجماعات الإرهابية وضد العصابات العابرة للحدود وغيرها، ولكن أيضا إن هذه العلاقات قائمة على عنصر دينامو هو الاقتصاد والتجارة”، مُرجّحا أن “هذا الأمر سيكون مهما جدا، لأن تنمية هذه العلاقات التجارية والاقتصادية بين المغرب واسبانيا، بالرغم من أن اسبانيا من أوائل الشركاء للمغرب، إلا أن تعزيز هذا الأمر سيُساهم في استمرار الثقة بين البلدين، لذلك هناك مجموعة من الاتفاقيات والبروتوكولات والمسارات الجديدة في هذه العلاقات، وأعتقد ستكون مُهيمنة على باقي الجوانب الأخرى، بما فيها الجوانب السياسية والمواقف من القضايا”.
“إن الموقف الاسباني الأخير من قضية الصحراء المغربية هو موقف تاريخي بالنسبة لاسبانيا، التي لم يكن لها موقف كما تدعي الجزائر بأن هناك تحول 180 درجة” يؤكد الشيات في حديثه لـ”الأيام” موضّحا أن “اسبانيا لم تتحول، بل لم يكن لها موقف، فأصبح لها موقف، ويجب التذكير بهذه النقطة دائما، لأنه أمر مهم جدا في مسار العلاقة بين البلدين، حيث تُعتبر بداية مشوار جديد قائم على عدم التدخل في شؤون الدولة الأخرى وعدم المساس بوحدتها الترابية، وهي أسس جديدة جدا، في تاريخ طويل من الصراع المغربي الاسباني، يجب تثمينه والذهاب فيه بعيدا”.
ويختم أستاذ العلاقات الدولية، حديثه لـ”الأيام 24″ بالقول إن “هناك قضايا ستظل عالقة بين المغرب واسبانيا، بما فيها قضية سبتة ومليلية وباقي الجزر المُحتلة، أعتقد أن المغرب لم يتحدث عن هذا الأمر لأنه ليس أمرا آنيا ومستعجلا، ولكن كما قال الملك الراحل الحسن الثاني، من المهم أن يكون هناك حوار ونقاش بين البلدين، حتى في المواضيع الصعبة بالنسبة لاسبانيا، كما هو الحال بالنسبة لقضية سبتة ومليلية المُحتلتين”.
