ملف الطاقة النظيفة مليء بالتصدّعات التي ستضع العالم أمام مفاجآت فنية واقتصادية وسياسية واجتماعية بين الحين والآخر، نتيجة السير بلا تروّي في التحول القسري لإحلال أدواتها، ومن ضمنها الحاجة إلى 2 مليار مركبة كهربائية (متنوعة) للمساهمة في الوصول للصفر الكربوني بحلول عام 2050، ولنتساءل هنا، هل يوجد ما يكفي من ليثيوم لبطاريات هذا العدد المهول من المركبات؟
تواجه إمدادات الليثيوم تحديات في زيادة الطلب عليه بسبب أن المركبات الكهربائية بأنواعها تستخدم بطاريات يدخل في مكونها هذا المعدن، وبالرغم من أن احتياطاته في العالم – من الناحية النظرية وعلى الورق – كافية لتلبية الارتفاع المتوقع في الطلب خاصة مع اكتشافات مراقد ضخمة له في أمريكا الجنوبية، إلا أن على أرض الواقع فإن تواجده الحالي والقائم على قدرة التعدين والمعالجة والإنتاج يتمركز في أماكن قليلة في العالم.
حصة الصين من الإنتاج الكيميائي لليثيوم العالمي – على سبيل المثال – يتراوح في حدود 60%، وأكثر من نصف هذا الإنتاج في المناطق ذات الضغط المائي العالي، فاستخراج الليثيوم يتطلب كميات كبيرة جدا من الماء، وهذا يؤدي إلى مشاكل حول الإجهاد المائي بسبب عدم كفاية موارد المياه في المناطق المتواجد فيها للإنتاج، هذا إضافة لخطر تسببه للتسمم البيئي خاصة للتربة أثناء عملية الاستخراج، كما أن العديد من المناطق المنتجة الرئيسية حاليا مثل في أستراليا والصين وأفريقيا تواجه حرارة مرتفعة ومعرضة للفيضانات الشديدة، والتي تشكل تحديات أكبر في ضمان إمدادات موثوقة ومستدامة، حسب تقرير المسح الجيولوجي الأمريكي 2021.
المعلومة الحرجة هنا هو أن العالم سيبدأ في مواجهة أزمة نقص هذه المادة بحلول عام 2025، وهذا التحدي الذي يساهم في ضعف الموثوقية في الطاقة النظيفة – حتى الآن – ربما يقود لأزمة مصداقية في تجارة المركبات الكهربائية بسبب احتمالية أن هذا العجز يتطلب أن تفتح أبواب إعادة اختراع وتدوير المركبات الكهربائية وبطارياتها من خلال تحديد وقت عمري أقصر لها، وهكذا يمكن أن تخفض متطلبات تزويد كمية الليثيوم للمركبة الواحدة بغرض خدمة عدد أكبر من المركبات، ولإعطاء الوقت لإيجاد حلول لموضوع البطاريات المستخدمة لهذا المعدن، ولكن هذا التوجه – لو حصل – فربما يعني تحايل تجاري سينشئ ومن ثمّ تولّد أزمة ثقة في لهذه المنتجات.
التطرف الأعمى للوصول للصفر الكربوني سريعا يرفع من حالة القلق يوما بعد يوم من خطر السير غير الحذر في نفقه، الذي يمكن أن يوصل العالم لنقطة حرجة ربما لا رجعة منها نتيجة مقاومة مبدأ تكاملية مصادر الطاقة، فالطاقة النظيفة مازالت ليست بالقوة العلمية والاقتصادية كما يروج له الإعلام الغربي بسبب معاناة هذا الملف – في شكله الحالي – من تصدّعات كحصيلة لأسلوب إدارته علميا وعمليا، فالتجاوز في أحيان عديدة للخطوط الحمراء في اخلاقيات البحث العلمي بتقديم الفرضيات كحقائق غير قابلة للنقاش، واهمال متعالي للعديد من التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بعقلانية، سيدفع العالم لمواجهة أزمات متنوعة قادمة.
* نقلاً عن صحيفة "مال".
