ألقت السلطات المالية، يوم 10 يوليو/تموز الماضي، القبض على 49 جندياً من ساحل العاج، بعد أن حطّت طائرتهم على أراضيها، حيث جرى احتجازهم بدعوى أنهم "مرتزقة" أرسلوا لزعزعة "النظام الدستوري" ودخلوا إلى البلاد "بشكل غير قانوني"، حسب ما قال المجلس العسكري الانتقالي الحاكم في مالي.

بالمقابل، احتجت سلطات أبيدجان على ما أقدمت عليه جارتها الشمالية، مطالبة بإطلاق سراح جنودها الذين كانوا في "مهمة ضمن بعثة حفظ الأمن الأممية"، قائلة إنه جرى إعلام باماكو بوصولهم، وفق ما جاء في بيان صحفي لرئاسة ساحل العاج.

وبين تضارب أقوال الحكومتين حول الحادثة، تتزايد التوترات بين البلدين الجارين، مهددة بالتصعيد الدبلوماسي في حال عدم الوصول إلى حل لمسألة الجنود المحتجزين. فيما يرى مراقبون هذه الأزمة كإحدى أشكال التنافس الفرنسي-الروسي في منطقة الساحل، إذ تعدّ ساحل العاج الحليف الأوثق لباريس، فيما توطد موسكو عبر مرتزقة فاغنر نفوذها في مالي.

مرتزقة أم قبعات زرق؟

حسب الإعلام المحلي المالي، فإن اعتقال السلطات المالية 49 جندياً إيفوارياً وقع في مطار بماكو الذي جاؤوا إليه على متن طائرة مدنية، ثم حجزت السلطات كذلك أسلحة على متن طائرة ثانية تابعة للشركة نفسها. واتهمت باماكو الجنود المعتقلين بأنهم "مرتزقة" كانوا "يخططون للانقلاب" على المجلس العسكري الحاكم، واغتيال رئيسه الكولونيل عاصمي غويتا.

ولفتت حكومة مالي إلى أن الجنود الإيفواريين قدموا لدى استجوابهم، 4 روايات مختلفة لسبب وجودهم على أراضيها، تتمثل في "مهمة سرية، وتناوب في إطار مينوسما، وحماية القاعدة اللوجستية لشركة خدمات الطيران الساحلية، وحماية الكتيبة الألمانية"، ما رجّح تصنيفها إياهم كمرتزقة.

ولم تقف الأزمة عند هذا الحد، بل امتدت لتطال أعضاء بعثة الأمم المتحدة "مينوسما"، الذين طردت منهم السلطات المالية مسؤولاً رفيع المستوى.

ونفت السلطات الإيفوارية في بادئ الأمر ارتباط هؤلاء الجنود بها، ولم تعترف بهم إلا بعد يومين. كما نفت الأمم المتحدة عمل الجنود الإيفواريين لديها، أو أنهم جاؤوا لحماية الكتيبة الألمانية التابعة لها، كما ادعى بعضهم، رغم إقرارها بوجود عقد منذ 2019.

وفي 12 يوليو/تموز المنصرم، دعت سلطات أبيدجان نظيرتها المالية إلى "الإفراج دون تأخير" عن 49 جندياً إيفوارياً "اعتقلوا ظلماً" في باماكو. وقال بيان مجلس الأمن القومي الإيفواري، الذي ترأسه الرئيس الحسن واتارا، إن "هؤلاء الجنود مسجلون بانتظام في القوة العاملة للجيش الإيفواري وكانوا في مالي، كجزء من عمليات عناصر الدعم الوطني".

تنافس روسي-فرنسي

وتقف الدولتان الإفريقيتان الجارتان، مالي وساحل العاج، في خندقين مختلفين من التنافس الفرنسي-الروسي في منطقة الساحل والصحراء. حيث تعدُّ أبيدجان الحليف الأوثق لباريس، خصوصاً بالتزامن مع سحب قواتها من مالي وإنهاء عملية بارخان التي كانت تقودها ضد الجماعات المسلحة.

ويعود الوجود العسكري الفرنسي في كوت ديفوار إلى سنة 2002، إبان الحرب الأهلية الإيفوارية، حيث أطلقت عملية "ليوكرن" العسكرية لحماية الأجانب المقيمين في البلاد. وتملك فرنسا قاعدة عسكرية بمنطقة بورت بوي، جنوبي العاصمة أبيدجان، تضم ما يقارب ألفاً من قواتها. إضافة إلى مركز تدريب "الأكاديمية الدولية لمكافحة الإرهاب"، التي أسستها وتديرها باريس هناك.

وفي وقت سابق من شهر يوليو/تموز المنصرم، زار وزير الجيوش الفرنسي سيباستيان لوكورنو، رفقة وفد عسكري فرنسي رفيع المستوى، أبيدجان والتقى رئيسها الحسن واتارا، بهدف "تعزيز الشراكة الدفاعية بين البلدين والجهود المشتركة في مكافحة الإرهاب" حسب ما جاء في بيان الوزير الفرنسي.

وتأتي هذه الزيارة في غضون أيام من جولة الرئيس إيمانويل ماكرون الإفريقية، حيث أعلن أن بلاده تريد "إعادة تحديد استراتيجيتها العسكرية في منطقة الساحل بحلول الخريف"، ذلك "من خلال وضع قواتها في دعم الجيوش الإفريقية وتحت أوامرها، وتنفيذ المزيد من العمليات المشتركة في هذا الصدد".

بالمقابل، يتزايد النفوذ الروسي في مالي، منذ أول رصد لوجود مرتزقة "فاغنر" المقربة من الكرملين في البلاد، خريف 2021، لدعم المجلس العسكري الحاكم في باماكو. ما نتج عنه بعد ذلك إنهاء السلطات المالية شراكاتها الدفاعية مع الجيش الفرنسي، وإنهاء وجوده على أراضيها.

ويعاني نفوذ فرنسا في الساحل وضعاً لا يحسد عليه، وتتساقط قلاعه تباعاً في أحضان الدب الروسي. فيما تسعى موسكو إلى بناء نفوذ جديد ضخم، يمتد من منطقة القرن الإفريقي حيث مدت ذراعيها على جنوب السودان والسودان، وصولاً إلى إفريقيا الوسطى وغرب إفريقيا، مروراً بدول الساحل والصحراء. إضافة إلى قاعدته الخلفية في ليبيا.

TRT عربي