شاعر «المترار» بدوي إبراهيم لـ«التغيير»: حراك الشارع متقدم على القيادات وعلى عموم المنتج الإبداعي


الشاعر اللطيف بدوي إبراهيم، صاحب النص الشهير «المترار» والذي لحنه الفنان الراحل مصطفى سيد أحمد، من منطقة الفريجاب غرب الحصاحيصا، له إسهامات مهمة في الشعر الدارجي، وتميّز بكتابة شعر «الهايكو»- شكل شعري يتكون من 17 مقطعاً لفظياً تحتوي على ثلاث وحدات منظومة ويخلو من القافية والوزن.

«التغيير» التقته في عجالة وأدارت معه حواراً خفيفاً تطرق خلاله لنشأته ولبعض أعماله ولتجربة «الهايكو» معه ولذكرياته مع الراحل مصطفى سيد أحمد ولبعض الهموم العامة التي تشغل الناس.

حوار- عبد الله برير

* الشاعر بدوي إبراهيم.. النشأة والبدايات؟

بدوي إبراهيم.. مسقط رأسي الجزيرة الفريجاب.. مراتع الصبا بيوت الري الأنيقة مكان عمل الوالد عليه الرحمة والمغفرة …… كتبت الشعر في سن باكرة وفازت قصيدتي (بت دفع الله) بالمركز الأول في الدورة المدرسية على مستوى الجزيرة وكنت وقتها في الصف الثاني الثانوي………

الثورة المجيدة أبهرت العالم بنفسها الطويل وزخمها الكبير

* تجربة الشعر المغنى/ نموذج «المترار»؟

مشروع الجزيرة بمكاتبه الفخيمة وسراياته الخضراء وقناطره الغناء بالـ موريس ماينر الأبيض بالمفتشين الأنيقين والترماج المحمّل بالقطن طويل التيلة.. كل تلك الصور الزاهية والإيقاعات الموزونة شكّلت وجداني وأترعت روحي بفيوض القصيد.. لذا جاءت «المترار» التي صاغ لحنها الحائك الماهر مصطفى سيد أحمد والذي رحل قبل أن يكمل نسج خيوطها.. لكنه خلّد النص بصوته الشجي ولحنه الفريد..

التجربة الغنائية الثانية (حبيبتي وطن) تغنت بها “أبنوس” الفتية.. ثم (ياها الحبيبة) والتي تم تلحينها مؤخراً لنفس المجموعة الغنائية.

الأستاذ علي الزين أكمل تلحين نصي (بين بين):

أرمي من خيلك سروجها

أطلعي السلّم خماسي

حاكي العصافير في عروجها

«الهايكو» عندي عربة مزخرفة تسع ثلاثة ركاب

* كثير من جمهور الشعر في السودان قد عرف «الهايكو» عن طريق إسهاماتك، ويبدو أن «الهايكو» أخذ مساحةً مقدّرةً من الانتباه مؤخراً.. كيف تراه..!؟

يقول النفري: كلما أتسعت الرؤية ضاقت العبارة.. «الهايكو» عندي عربة مزخرفة تسع ثلاثة ركاب يجلسون بكامل أناقتهم تجرها خيول جامحة تركض  في البساتين والحقول والغابات والجبال راصدة بروح الشاعر الخلاقة حركة الطيور وحفيف الشجر وغناء العنادل وهزيم الرعد ولمعان البرق والنجوم..

يطيب لي في هذا المقام أن أحيي صديقي الشاعر “محمد بابكر” أول من دلني وهداني إلى هذا الطريق..

نصوص هايكو

عرس ريفي

على فستان الزفاف المؤجر

عطر قديم!

مشفى قديم-

مريض الملاريا

لا يهش البعوض!

بعد الدفن

يتأمل المساحات الفارغة

حفار القبور!

بين الخمارةِ والقرية

يتعرجُ

الدربُ القديم!

أجمل ما في ذكرياتي مع مصطفى سيد أحمد «قصة البت السمحة واللبن»

* ذكريات مع مصطفى سيد أحمد؟

في العام 1992م وصلت القاهرة وفي النفس توق كبير للقاء مصطفى سيد أحمد. زارني بشقتي بالعجوزة بعض الأصدقاء من طلبة الأسكندرية وقالوا لي إنهم ينوون الذهاب لعين شمس للقاء الراحل العظيم مصطفى فحمّلتهم تحياتي وأشواقي و(المترار) فدعاني لزيارته. زرته استقبلني ببشاشته المعهودة وغمرني بكرمه الفياض. كانت الشقة تعج بالضيوف والعازفين وبمن تقطّعت بهم السبل.

في عين شمس حضرت لقاءً صحفياً بالصدفة مع مصطفى (جريدة الشرق الأوسط).. سأله الصحفي: بمن تأثرت من الفنانين العرب.. رد قائلاً: بالشيخ إمام ومرسيل خليفة. ثم قال: أنا قريب جداً من مرسيل خليفة، فلكل منا قضاياه ونضالاته وأحلامه وجنوبه……..

1992م رحلت إلى اسكندرية وأقمت بشقة بسيدي جابر الشيخ. جاء مصطفى إلى الاسكندرية برفقة أسرته الكريمة. ومكث أياما بشقتي ثم عاد إلى القاهرة.

بدوي إبراهيم

زيارة مصطفى الثانية للاسكندرية كانت لإقامة حفل لكلية الهندسة جامعة بيروت واختار أن يقيم بسيدي جابر الشيخ.

أجمل ما في ذكرياتي مع مصطفى «القصة بتاعت البت السمحة واللبن»: «ﻛﻨﺎ ﻓﻲ ﺟﻠﺴﺔ ﺍﺳﺘﻤﺎﻉ لي مصطفى، ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺿﻤﻦ ﺍﻟﺤﻀﻮﺭ ﺑﺖ ﺟﻤﻴﻠﺔ، ﻃﻠﺒﺖ أﻏﻨﻴﺔ ‏(ﻭﺿﺎﺣﺔ)، ﻣﺼﻄﻔى ﻏﻨى ﻟﻴﻬﺎ ﻭﺿﺎﺣﺔ. ﺑﻌﺪ أﻏﻨﻴﺘﻴﻦ ﺍﺳﺘأﺫﻧﺖ ﻋﺎﻳﺰﺓ ﺗﻤﺸﻲ، أﻧﺎ ﺍﺗﺤﺮﻛﺖ ﺑﺤﻜﻢ إﻧﻲ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﺸﻘﺔ ﻋﺎﻳﺰ ﺍﻗﺪﻣﻬﺎ، ﺍﺗﻔﺎﺟﺄﺕ ﺑﻲ سبعة أﺷﺨﺎﺹ ﻭﺭﺍﻱ ﺑﺮﺿﻮ ﻣﺎﺷﻴﻦ ﻳﻘﺪﻣﻮ..!! ﺃﻫﺎ ﻳﺎ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﺩﻩ ﻣﺄﺯﻕ، ﻧﻄﻠﻊ ﻣﻨﻮ ﻛﻴﻒ..!!  ﻓﻲ ﻓﻨﺪﻕ ﺍﺳﻤﻮ ﻓﻨﺪﻕ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺟﻨﺐ ﺍﻟﺸﻘﺔ، ﻗﻠﻨﺎ ﻧﺸﻴﻞ ﻟﺒﻦ ﻟﻲ مصطفى، مصطفى دايماً ﺑﺸﺮﺏ ﺣﻠﻴﺐ في المساء. ﺷﻠﻨﺎ ﺍﻟﻠﺒﻦ ﻭﻣﺸﻴﻨﺎ عليو، ﺟﻴﻨﺎ ﺧﺎﺷﻴﻦ، ﻟﻘﻴﻨﺎﻭ ﻫﻮ ﻭﺑﺜﻴﻨﺔ ﻭﺑﻌﺾ ﺍﻟﺒﻨﺎﺕ ﻗﺎﻋﺪﻳﻦ، ﻗﺎﻝ ﻟﻲ: ﻳﺎ ﺑﺪﻭﻱ.. ﻣﺸﻴﺘﻮ ﻭﻳﻦ..!!

ﻗﻠﺖ ﻟﻴﻮ: ﻣﺸﻴﻨﺎ ﻧﺠﻴﺐ ﻟﻴﻚ ﺍﻟﻠﺒﻦ..

ﻗﺎﻝ: أﻧﺎ ﺣِﻠّﺔ..!! ﺳﺒﻌﺔ ﺭﺟﺎﻝ ﻣﺸﻴﺘﻮ ﺗﺠﻴﺒﻮا ﻟﻲ ﻟﺒﻦ..!!

ﺑﻌﺪﻫﺎ.. ﺗﺎﻧﻲ ﻳﻮﻡ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺤﻔﻞ ﺑﺘﺎﻉ مصطفى ﺑﺘﺎﻉ ﻫﻨﺪﺳﺔ، ﻣﺸﻴﻨﺎ ﺣﻀﺮﻧﺎ ﺍﻟﺤﻔﻞ، ﻭﻛﻨﺎ ﻗﺎﻋﺪﻳﻦ ﻭﺍﻟﺒﺖ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ ﺩﻱ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪﺍﻣﻨﺎ ﻗﺎﻋﺪة. مصطفى غنى (ﻭﺿﺎﺣﺔ‏) ﻭﺑﺸّﺮ ﻟﻴﻨﺎ ﻣﻦ ﺑﻌﻴﺪ. ﻻﻣﻦ ﺍﻧﺘﻬﻴﻨﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻔﻠﺔ ﻭﻃﻠﻌﻨﺎ ﺳﻮﺍ ﻭﻣﺎﺷﻴﻦ على ﺍﻟﺸﻘﺔ.. مصطفى ﻗﺎﻝ ﻟﻲ: ﻭﺍﻟﻠﻪ ‏(ﻭﺿﺎﺣﺔ) ﺩﻱ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ على ﺑﺎﻟﻲ ﺃﺑﺪﺍً، ﻟﻜﻦ ﺷﻔﺖ ﻟﻴﻚ ﺯﻭﻟﺘﻚ ﻗﺎﻋﺪﺓ ﺯﻱ ﺑﻬﺮﺓ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﻭﺷﻔﺖ ﻭﺭﺍﻫﺎ ﻧﺎﺱ ﺍﻟﻠﺒﻦ، ﻗﻠﺖ ﺍﻟﻨﻐﻨﻴﻬﺎ».

القيادات كانت أقصر قامة من تطلعات الشعب ونداءاته

* الثورة السودانية في منظور الشاعر بدوي؟

الثورة المجيدة بنفسها الطويل وزخمها الكبير، أبهرت العالم وأسمعته أناشيدها وهتافها وقد انتصرت في لحظة ما بسلميتها وبهدير شوارعها وبعزيمة شبابها المؤمنين بحقهم في الحرية والحياة الكريمة لكن اسمح لي أن أقول إن القيادات كانت أقصر قامة من تطلعات الشعب ونداءاته…… وأظن أن الشارع في حراكه متقدِّم جداً حتى على الشعراء والفنانين وعلى عموم المنتج الإبداعي الذي يحاول جاهداً اللحاق بما كان وبما سيكون.

تاريخ الخبر: 2022-08-05 00:22:33
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 50%
الأهمية: 54%

آخر الأخبار حول العالم

مع مريـم نُصلّي ونتأمل (٨)

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-08 06:21:41
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 64%

قطع المياه 8 ساعات عن بعض مناطق بالجيزة في هذا التوقيت - أي خدمة

المصدر: الوطن - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-08 06:21:14
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 66%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية