تأكيد الهيمنة الأميركية دولياً وإقليمياً... أي تداعيات على إسرائيل ومحور الممانعة؟


تتسارع التطورات على الساحتين الإقليمية والدولية بشكل دراماتيكي في وقت تكثر التحليلات حول تغييرات محتملة في موازين القوى وتراجع مكانة قوى عظمى وصعود أخرى. لكن قراءة متأنية للواقع على الأرض بعيداً عن ضجيج التحليلات والتوقعات، تظهر أن هناك مسلمات لم تتغير رغم كل شيء. فعلى سبيل المثال لا الحصر أظهرت التطورات الأخيرة في تايوان أن أميركا لا تزال القوة العظمى عالمياً والجهة المهيمنة عسكرياً. فرغم كل التهديدات التي أطلقتها الصين، إلا أنها لم تستطع منع رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي من زيارة تايوان بمرافقة عسكرية أميركية كبيرة.

حتى الآن اقتصرت الردود الصينية على نيران في الهواء تحت مسمى مناورات عسكرية. فلعبة الردع المتبادل بين الصين والولايات المتحدة لا تزال قائمة رغم كل شيء. لا شك في أن الصين ترى كيف أن المساعدات العسكرية الأميركية والغربية لأوكرانيا قد أثرت بشكل كبير في خطط روسيا وأوقعتها في فخ حرب استننزاف مكلفة. لن تتوقف الصين عن المطالبة بضم تايوان وهي قد تسعى يوماً ما لتحقيق ذلك عسكرياً، إنما بعد أن تكون قد حققت تفوقاً تكنولوجياً كبيراً على أميركا، وأتمت عملية تطوير قواتها العسكرية وحسّنت أوضاعها الاقتصادية داخلياً.

التفوق العسكري الأميركي التكنولوجي بات واضحاً في تأثير الأسلحة التي تسلمتها أوكرانيا، رغم قدم معظمها، على مسار المعارك حيث فقد الهجوم الروسي الكثير من زخمه وبات بطيئاً على المحاور كافة. بل أن أوكرانيا تتحضر لهجوم مضاد كبير في اقليم خيرسون الجنوبي. ونلحظ كذلك سرعة الشركات الأميركية في العمل لتعويض النقص في مخزون الجيش الأميركي وانتاج ذخائر وأسلحة لأوكرانيا، وهو أمر يتكرر أيضاً في بعض دول حلف "الناتو" في أوروبا. هذا مؤشر على فعالية منظومة السوق الحرة بتوفير مصانع ومنشآت تؤمن دعماً سريعاً وفعالاً للقوات المسلحة، وهو أمر شهدته الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية وشكل عاملاً أساسياً لفوزها في الحرب. هذا في وقت يلحظ الخبراء النقص في الأسلحة الذكية الروسية التي استهلك جزء كبير منها من دون القدرة على تعويضها بسرعة. فمعظم الشركات الدفاعية الروسية تابعة للدولة في منظومة لم تعد شيوعية، وبالتالي لا يبدو أن القدرة على الانتاج تلبي حاجات الجبهة بالسرعة المطلوبة، ناهيك بخضوع روسيا لعقوبات غربية تمنع عنها الرقائق الالكترونية ومكوّنات مهمة لبعض أسلحتها ومنظوماتها الالكترونية.

إن تطور الأمور في أوكرانيا أظهر بما لا يدعو للشك أن قدرات روسيا العسكرية التقليدية أقل من الأميركية والأوروبية، وتحديداً في الأسلحة الذكية والمنظومات الالكترونية. الا أن عامل الردع النووي المتبادل لا يزال قائماً بين أميركا وروسيا وينعكس ذلك باستمرار على خطوط التواصل والعلاقات الدبلوماسية بينهما.

مسألة الردع وتعريفها مهمة جداً لإبقاء الأمور تحت السيطرة بين القوى النووية. وهي معادلة قائمة بين دول العالم كافة في ما يخص امتلاكها لقوة عسكرية كافية لإخافة خصومها وثنيهم عن مهاجمتها. الاستثناء الوحيد هو إسرائيل التي تتبنى سياسة ردع قائمة على الهجمات الاستباقية لحرمان خصومها من امتلاك أي أسلحة نوعية تفقدها تفوقها العسكري عليها. فإسرائيل تعمل على الحفاظ على تفوقها العسكري النوعي في الشرق الأوسط وأن تبقى القوة النووية الوحيدة فيها. وغاراتها المتكررة على مواقع تابعة لـ"الحرس الثوري" الإيراني والميليشيات الإيرانية في سوريا هي ضربات استباقية لمنع هذه المجموعات من امتلاك أي أسلحة نوعية تؤثر في ميزان القوى. لكن هذه الاستراتيجية تتطلب أيضاً أن تقدم إسرائيل على شن حروب كبيرة بين الحين والآخر لإنهاء التهديد تماماً في حال أخفقت الضربات الاستباقية بذلك.

الا أن إسرائيل اليوم ليست مثل تلك التي كانت في عقودها الأولى حين كانت قياداتها أكثر عقائدية وكان سكانها معتادين على الحروب. فالشعب الإسرائيلي اليوم بات أكثر نعومة ويشهد نمواً اقتصادياً ويعيش في بحبوحة وسلام منذ فترة. وستشهد إسرائيل نمواً اقتصادياً أكبر مع تحولها لدولة منتجة للغاز والنفط. وحتى تأثيرات حروب غزة، هي محدودة ومحصورة بشكل كبير. وبالتالي، فإن قراراً اسرائيلياً بشن أي حرب اليوم ضد "حزب الله" أو إيران لن يكون سهلاً ما سيضع القيادة العسكرية الإسرائيلية أمام إمكان اضطرارها لإعادة صياغة استراتيجية الردع لتكون تقليدية ولاعتماد الدبلوماسية بشكل أكبر. ومن المرجح أن تشجع الاتفاقات الإبراهيمية، الحكومة الإسرائيلية الحالية والمقبلة على تبني مقاربات سلمية ودبلوماسية لحل خلافاتها مع خصومها في المنطقة وقد تكون إيران من بينهم اذا ما اختارت الأخيرة التوقيع على اتفاقية جديدة مع الولايات المتحدة حول برنامجها النووي. فمسألة امتلاك إيران لسلاح نووي لا تزال خطاً أحمر اسرائيلياً - أميركياً واذا ما تجاوزته طهران فستكون عرضة لهجمات عسكرية من كلتيهما.

ستستفيد إسرائيل كما الدول الأخرى الحليفة لواشنطن في الشرق الأوسط من خطوات الولايات المتحدة لتثبت أنها لا تزال القوة العظمى المهيمنة عالمياً. ويظهر قرار واشنطن تزويد السعودية والإمارات العربية المتحدة بأسلحة حديثة تغييراً كبيراً في سياسة إدارة الرئيس جو بايدن التي تعطي أولوية للتخفيف من نفوذ الصين وروسيا عبر تفعيل دورها كحافظ لأمن دول حلفائها وشركائها حول العالم. وهذا سيؤدي الى تراجع ملحوظ في الخطاب الأميركي حول الحريات ونشر الديموقراطية في دول المنطقة لصالح دعم الأنظمة ومساعدتها في تعزيز أمنها وحمايتها من التهديدات الخارجية. هذه السياسة ستساعد إسرائيل على أن تطبع علاقاتها الاقتصادية بشكل أكبر مع دول المنطقة – حتى تلك التي لا تملك علاقات دبلوماسية معها حالياً.

سيتأثر محور الممانعة بشكل كبير في هذه التطورات، كما يظهر جلياً ما يحدث في العراق اليوم، وقد يتكرر في لبنان. وتشهد الساحة السورية تطورات تضعف سيطرة النظام على مناطق عدة في الجنوب والشمال. فقدرة إيران على فرض قراراتها بشكل مطلق لم تعد قائمة، وقد تتراجع أكثر وتدفع بطهران للمساومة بشكل أفضل. حتى روسيا تدرك أنها لا تستطيع منع خطط تركيا التوسعية في سوريا رغم تهديداتها وتحركاتها، وتسعى اليوم للاتفاق مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مؤتمر لا يضم طهران. وإيران، كما الصين، رغم لهجتها التصعيدية وتهديداتها تدرك حدود القوة حالياً أمام الهجمة الغربية - الأميركية للحفاظ على هيمنتها عالمياً وعواقب الحسابات الخاطئة في هذا الإطار.

* نقلا عن "النهار العربي"

تاريخ الخبر: 2022-08-07 21:17:41
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 86%
الأهمية: 95%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية